بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه:
أما بعد فهذه حلقة جديدة من الموسوعة الميسرة ونتكلم بها بعونه تعالى عن تحريم الحلف بغير الله تعالى :
إخواني الأفاضل الحلف بغير ما انزل الله من الأمور المحرمة المنكرة في الشريعة الإسلامية .
فالحلف: هو اليمين، وهي توكيد الحكم بذكر معظم على وجه مخصوص. وهو تعظيم للمحلوف به، وهذا التعظيم حق لله تعالى فلا يجوز الحلف بغيره، فقد أجمع العلماء على أن اليمين لا تكون إلا بالله أو بأسمائه و صفاته، وأجمعوا على المنع من الحلف بغيره.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يُحَلِّفَ أَحَدًا بِغَيْرِ اللَّه لَا بِطَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا نَذْرٍ ، وَإِذَا حَلَّفَ الْحَاكِمُ أَحَدًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَزْلُهُ لِجَهْلِهِ .
وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : لَا يَجُوز الْحَلِف بِغَيْرِ اللَّه بِالْإِجْمَاعِ ،إن الحلف بغير الله هو من أفعال المشركين في الجاهلية ، فقد كانوا يحلفون بغيره من الأشياء كالكعبة والشرف والنبي والملائكة والمشايخ والملوك والعظماء والآباء والسيوف وغير ذلك مما يحلف به كثير من الجهلة بأمور الدين، فهذه الأيمان كلها لا تجوز بإجماع أهل العلم.
وقد وردت أحاديث تدل على تحريم الحلف بغير الله منها :
1- فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ. (صحيح البخاري)
قال ابن حجر في فتح الباري: وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ وَجْه آخَر " عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُول لَا وَالْكَعْبَةِ ، فَقَالَ : لَا تَحْلِفْ بِغَيْرِ اللَّه ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّه فَقَدْ كَفَرَ ، أَوْ أَشْرَكَ " قَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَنٌ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم ، وَالتَّعْبِير بِقَوْلِهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْر وَالتَّغْلِيظ فِي ذَلِكَ ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ هـ .
2- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ(صحيح البخاري)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْيَمِين إِنَّمَا تَكُون بِالْمَعْبُودِ الْمُعَظَّم ، فَإِذَا حَلَفَ بِاللَّاتِ وَنَحْوهَا فَقَدْ ضَاهَى الْكُفَّار ، فَأَمَرَ أَنْ يُتَدَارَك بِكَلِمَةِ التَّوْحِيد . وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : مَنْ حَلَفَ بِهَا جَادًّا فَهُوَ كَافِر ، وَمَنْ قَالَهَا جَاهِلًا أَوْ ذَاهِلًا يَقُول لَا إِلَه إِلَّا اللَّه يُكَفِّر اللَّهُ عَنْهُ وَيَرُدّ قَلْبَهُ عَنْ السَّهْو إِلَى الذِّكْر وَلِسَانه إِلَى الْحَقّ وَيَنْفِي عَنْهُ مَا جَرَى بِهِ مِنْ اللَّغْو .(فتح الباري)
3-عن ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف بالأمانة فليس منا .(سنن أبو داود)تحقيق الألباني : صحيح
أَيْ مِمَّنْ اِقْتَدَى بِطَرِيقَتِنَا . قَالَ الْقَاضِي أَيْ مِنْ ذَوِي أُسْوَتنَا بَلْ هُوَ مِنْ الْمُتَشَبِّهِينَ بِغَيْرِنَا فَإِنَّهُ مِنْ دَيْدَن أَهْل الْكِتَاب وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ الْوَعِيد عَلَيْهِ قَالَهُ الْقَارِي (عون المعبود) .
4- عن قتيلة امرأة من جهينة أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنكم تنددون وإنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت وتقولون والكعبة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة ويقولون ما شاء الله ثم شئت (سنن النسائي) تحقيق الألباني :صحيح .
وْله ( إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ ) ضُبِطَ بِتَشْدِيدِ الدَّال الْأُولَى أَيْ تَتَّخِذُونَ أَنْدَادًا(السندي) .
5- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا.(أبو داود)صححه الشيخ الألباني.
قال ابن المنذر:مَنْ حَلَفَ بِمِلَّة غَيْر الْإِسْلَام فَهُوَ كَمَا قَالَ " فَأَرَادَ التَّغْلِيظ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَا يَجْتَرِئ أَحَد عَلَيْهِ اِنْتَهَى . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِسْلَام فَإِنَّهُ يَأْثَم وَلَا تَلْزَمهُ الْكَفَّارَة وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ عُقُوبَتهَا فِي دِينِه وَلَمْ يَجْعَل فِي مَاله شَيْئًا وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف أَهْل الْعِلْم فِي الْبَاب الْأَوَّل اِنْتَهَى .
( وَإِنْ كَانَ صَادِقًا ) أَيْ فِي حَلِفه يَعْنِي مَثَلًا حَلَفَ إِنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيء مِنْ الْإِسْلَام فَلَمْ يَفْعَل فَبَرَّ فِي يَمِينه ( سَالِمًا ).
: لِأَنَّ فِيهِ نَوْع اِسْتِخْفَاف بِالْإِسْلَامِ فَيَكُون بِنَفْسِ هَذَا الْحَلِف آثِمًا(عون المعبود) .
إخواني الكرام من هذه الأدلة النبوية الصحيحة يتبين تحريم الحلف بغير الله كالأمانة والعيش والملح والشرف والأب والجد والكعبة والنبي والحسين والإخوة والصداقة والزمالة والشرف العسكري والطلاق وغير ذلك من دون الله وأن الحلف لا يجوز الا بالله وحده لا شريك له .
وقد يكون الحلف بغير الله شركاً أكبر يحبط الأعمال، ولا يغفره الله - عز وجل – وهذا إنما يكون في حالات منها:
الحالة الأولى: إذا قام بقلب الحالف أن هذا المخلوق والمحلوف به يستحق كما يستحقه الله سبحانه فهذا قد ساوى الخالق بالمخلوق فهو يعظمه كما يعظم ربه فهذا قد وقع في المصيبة العظمى والمنكر الجسيم والشرك الأكبر.
الحالة الثانية: إذا قام بقلب الحالف بغير الله أن هذا المخلوق المحلوف به يجوز أن يعبد مع الله أو ساوى به الله في المحبة أو نحو ذلك من المقاصد والنيات الكفرية فهو بهذا يكون أيضاً مشركاً شركاً أكبر .
إذا فالحلف بغير الله قد يكون شركاً أصغر وقد يكون شركاً أكبر بحسب مقصد الحالف ونيته.
والشرك الأصغر لا يخرج من ارتكس فيه من ملة الإسلام ، ولكنه أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر؛ ولذا قال عبد الله بن مسعود : (لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: والحلف بغير الله من الشرك الأصغر وقد يفضي إلى الشرك الأكبر إذا اعتقد تعظيمه مثل تعظيم الله أو أنه ينفع ويضر دون الله ، أو أنه يصلح لأن يدعى أو يستغاث به هـ.
وأختم بفتوى للشيخ ابن باز رحمه الله:
|