كوالالمبور - مصطفى الوهيب - 2009-03-14
يعيش اللاجئون الفلسطينيون بماليزيا أوضاعا إنسانية صعبة، وهم من فئة اللاجئين المهجّرين من العراق بفعل ممارسات واعتداءات المليشيات الطائفية وفرق الموت ضدهم، واستطاعوا الوصول إلى ماليزيا ليواجهوا عقوبات قانونية ومعيشية، دفعتهم لتنظيم اعتصام يوم أمس أمام مكتب الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العاصمة الماليزية كوالالمبور.
وقد سلّم المعتصمون مذكرة لمكتب الأمم المتحدة تضمنت مطالبهم التي تتركز حول ضرورة صرف رواتب ومساعدات عينية للعوائل الفلسطينية المهجرة من العراق، وإعادة توطينهم في بلدان أخرى، حيث لا تعترف ماليزيا باللاجئين، وهي من الدول غير الموقعة على اتفاقية جنيف لحماية اللاجئين. ومن ثم يُعتبر اللاجئون الفلسطينيون –وفقا للقوانين الماليزية– مقيمين غير شرعيين.
وطالب المعتصمون الأمم المتحدة بحمايتهم من الاعتقال، حيث أقدمت سلطات الهجرة الماليزية قبل أسبوعين على اعتقال ست أشخاص من اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من العراق، وأودعتهم أحد السجون كونهم لا يحملون أوراقا ثبوتية أو إقامات نظامية، ولعدم اعتراف تلك الجهة بالهويات التي تصدرها لهم الأمم المتحدة.
ويقول جواد فيصل جواد –وهو لاجئ فلسطيني في الثلاثينيات من عمره-: «إن الهدف من هذا الاعتصام لفت الانتباه لمعاناتنا الإنسانية، حيث إن العديد من العوائل فقدت معيلها الوحيد، إما بالسجن أو القتل في العراق». ويضيف جواد بلهجة عراقية ممزوجة مع كلمات فلسطينية: «أننا فقدنا الأمل بعد أكثر من سنتين من الانتظار دون جدوى». ويضيف جواد: «أن تلك العوائل دفعت أبناءها للعمل بمهن متواضعة في بعض المطاعم العربية بماليزيا، حيث لا تقبل أي جهة أخرى منحهم فرصا للعمل، ورغم ذلك تعرض بعضهم للاعتقال على يد سلطات الهجرة الماليزية». وقال جواد: «إن السلطات الماليزية والشعب الماليزي يتعاطفان بشدة مع القضية الفلسطينية وأحداث غزة، ونحن نناشد السلطات الماليزية منحنا وضعا قانونيا استثنائيا يحمينا من الاعتقال، حيث إننا بدون وطن نعود إليه» على حد تعبيره.
وتحدثت ميسر محمد أبو عطا –وهي أم فلسطينية في الخميسنيات من عمرها– عن معاناتها في العراق أولا ثم ماليزيا بعد ذلك، قائلة: «اضطررت لترحيل ولدي الاثنين من العراق حرصا على سلامتهم بعد أن قامت المليشيات الطائفية بخطف زوجي». وتضيف: «ثم قدمت لماليزيا قبل أسبوعين لرؤية ولدي (عدي وعلي) والاطمئنان عليهم، لأفاجأ بعد وصولي بأيام بقيام السلطات الماليزية باعتقالهما كونهما لا يحملان إقامات نظامية ماليزية، رغم أنهما لاجئان لدى مكتب شئون اللاجئين في المنظمة الدولية».
وتقول فريال يحيى أحمد: «إنها أصبحت بلا عائل أو مصدر دخل بعد قيام سلطات الهجرة الماليزية باعتقال أبنائها». وتضيف وهي تغالب دموعها: «استطعت بعد صعوبات جمة مقابلة ولدي (محمد وشاكر)، حيث يقبعان في سجن لمخالفي الإقامة». أما صالح أحمد –وهو أب لأحد المعتقلين– فتحدث بلهجة متماسكة عن جهوده لإخراج ابنه (أمجد) من السجن قائلا: «توجهت للسفارة الفلسطينية بكوالالمبور طلبا للنجدة، ولمسنا تجاوبا من السفير الفلسطيني»، مشيرا إلى أن السفارة الفلسطينية بعثت بمذكرة لوزارة الخارجية الماليزية ويتوقع أن تسفر عن نتائج إيجابية.
ويقول غسان يونس محمد –وهو شاب في العشرينيات من عمره–: «تعرضت للاعتقال أول مرة في العراق على يد المليشيات الطائفية واستطعت الخروج من السجن بأعجوبة بعدما حصلت على كفالة أحد العراقيين». ويضيف غسان الذي كان يعمل بشكل غير قانوني بأحد المطاعم العربية بكوالالمبور: «ثم تعرضت للاعتقال مرة أخرى في مايو 2008 في ماليزيا، ومكثت في سجن للمهاجرين غير الشرعيين مدة خمسة شهور، وبظروف إنسانية صعبة، وخرجت بعد تعاطف السلطات الماليزية معي آنذاك»، مضيفا: «أنه بلا أي شيء الآن، لا أوراق ثبوتية ولا عمل ولا إقامة، وليس لدي سوى هوية الأمم المتحدة التي لا تحميني من الاعتقال مرة أخرى».
وأطلقت فريال محمد صرخة مدوية تجاه الأنظمة العربية والأمم المتحدة، وقالت بحرقة: «فقدنا الأمل بكل هؤلاء. كل ما نريده هو أبسط الحقوق، وهو حق الإقامة في بلد دون ملاحقة من أحد»، وقالت فريال «نحن لا نريد رواتب أو مساعدات، فقط اسمحوا لنا بالعمل». وأشارت فريال إلى ابنتها الصغيرة البالغة من العمر ست سنوات قائلة: «أخرجت ابنتي من المدرسة ومنعت ابني من الذهاب للجامعة حينما كنا في العراق بسبب الظروف الأمنية آنذاك، وها هم بماليزيا دون تعليم بسبب أوضاعنا القانونية والإنسانية الصعبة».
وناشد حسام قويطين –وهو لاجئ فلسطيني في الـ 50 من عمره– السلطات الماليزية والأمم المتحدة بالتدخل العاجل لحل قضيتهم، وقال: «مضى على وجودي بماليزيا أكثر من سنة ونصف، بعد قدومي من العراق بأوراق غير صحيحة، ولم أحصل منذ ذلك الحين سوى على وعود بتحسين أوضاعنا من قبل مكتب الأمم المتحدة ولكن دون جدوى».
وامتنع المسؤولون في مكتب شؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة بكوالالمبور عن التعليق على الاعتصام ومطالب اللاجئين بحجة غياب المسؤول الإعلامي.
الجدير بالذكر أن العديد من فعاليات وجهود مؤسسات المجتمع المدني والحكومة الماليزية تنشط هذه الأيام لجمع تبرعات وإقامة معارض ومزادات خيرية لنصرة غزة وفلسطين، وتكمن مشكلة أولئك اللاجئين القادمين لماليزيا بغياب تعريف قانوني يتيح لهم الإقامة بشكل نظامي بماليزيا، وعدم تصديق ماليزيا على اتفاقية حماية اللاجئين، الأمر الذي جعل اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من العراق بين سندان القانون الماليزي ومطرقة الأمم المتحدة العاجزة عن التصرف حيالهم.