إن القلب ليعتصر ألما وتذوب النفس حسرة, ونحن نشاهد ما بثته بعض الفضائيات من صور عن تعدي بعض النصارى الأقباط في مصرعلى أفراد من الجيش المصري فأحدهم يضرب احد أفراد الجيش بالصليب والأخر يضرب جندي بصخرة ومجموعة تتجمع لتضرب جندي آخر وهو يحاول الهرب منهم, والله إن باطن الأرض خير من ظاهرها قبل أن يصل بنا الحال لنرى هذه المشاهد المؤلمة والمفزعة .
أهذا رد الجميل لهذا الجيش الذي وقف وقفة مشرفة أبان الثورة المصرية؟!! فحقن دماء المصريين وَعبَر بالبلد إلى بر الأمان, وبعكس ما يحدث تماما في المنطقة العربية من بعض الجيوش التي تسحق الشعب لأجل الحاكم .
هذا الجيش الذي سطر بدماء جنوده أروع الأمثلة في التضحية والفداء على ارض فلسطين الحبيبة ومنذ دخول أول جندي ببريطاني إلى ذلك البلد المبارك .
ولا ننسى آخر الحروب العربية ضد اليهود وهي حرب أكتوبر عام 1973 حيث قام الجيش المصري بأسطورة عبور القناة والتقدم نحو خط بارليف الذي يعتبر أقوى خط دفاعي في العصر الحديث فقد صرفت عليه دولة اليهود حوالي 500 مليون دولار في ذلك الوقت .
لقد وقفت مصر كنانة العرب المواقف المشرفة في الدفاع عن قضايا الأمة, إذ حرر صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس بالجيوش المصرية والشامية كما إن الجيوش المصرية تصدت للحملات الصليبية المتتالية بعد تحرير بيت المقدس، وقاوم أهل مصر حملات نابليون الظالمة حتى أخرجوه, ومن مناقبهم إسقاط الدولة الفاطمية الباطنية التي جثمت على صدور المسلمين قرابة ثلاثة قرون .
ولا ننسى في هذا المقام معركة عين جالوت الشهيرة التي أوقف فيها الأمير قطز مع الجيش المصري الزحف المغولي على بلاد الإسلام والتي لم تستطع أي قوة التصدي له في ذلك الوقت .
إن هناك أيادي خفية تحاول التطاول على هذا الجيش العريق ونزع هيبته من قلوب الناس لينكسر آخر حصون الدولة المصرية, وبعد ذلك يتم العبث بها من قبل أعدائنا دون رقيب ولا حسيب , فهنالك مشاريع لاستنساخ ما حدث للعراق وجيشه العريق والتي قبور جنوده شاخصة على ارض فلسطين في جنين ، لإنشاء دول ضعيفة بدون جيوش ولا مؤسسات بحيث تبقى دولة اليهود هي الأقوى في المنطقة.
إن أعدائنا يستخدمون ورقة الأقليات للدخول إلى بلداننا واحتلالها والتحكم بشؤونها والمثل العراقي اكبر شاهد وشاخص فقد احتل العراق بحجة مظلومية الشيعة والأكراد . ويتم تفتيت السودان عن طريق حقوق الأقليات كما يتم التدخل بالبحرين والسعودية على الطريقة نفسها .أما في ليبيا ومن الآن وقبل تكوين الحكومة الليبية بدأ أعدائنا يعزفون على وتر الأقلية الأمازيغية في ذلك البلد .
إن المسلمين في أوطانهم أصبحوا أقلية وهم أكثرية فأصبحت للأقلية من الحقوق والامتيازات ما تتمنى نصفة الأكثرية في ذلك البلد وما يحدث في مصر والبحرين واليمن وغيرها من البلاد اكبر شاهد على ذلك .
كل هذا الذل الذي نعيشه له أسباب اخبرنا بها الشرع ومنذ نزول الوحي على قلب محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم (رواه أبو داود : تحقيق الألباني :صحيح ).
والعينة : هي احد أنواع البيوع الربوية.
و عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت .(رواه أبو داود : تحقيق الالباني صحيح ).
لقد وضع خالد سيف الله المسلول النقاط على الحروف وبين معنى العزة ومعنى الهزيمة , فعندما أقبلت جحافل الروم يوم اليرموك مثل أمواج البحر المتلاطم وصوتهم كالرعد , اهتزت احد نفوس المسلمين وقال : ما أكثر الروم وأقل المسلمين! فقال خالد: ويلك، أتخوفني بالروم؟ إنما تكثر الجنود بالنصر [ أي من الله ] ، وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال، والله لوددت أن الأشقر براء من توجيه وأنهم أضعفوا في العدد.(الأشقر هو فرس خالد ).
لقد هزمنا من الداخل من نفوسنا قبل أن يهزمنا عدونا فأصبحنا ننادي بالديمقراطية والدولة المدنية ونستحي أن ننادي بدولة إسلامية وفي المقابل أعدائنا اليهود ينادون بيهودية الدولة ويجعلونها شرط لدخول أي مفاوضات مقبلة وأطلقوا اسم إسرائيل وهو نبي الله يعقوب على دولتهم .
لقد نبهنا ربنا أن العزة للمؤمنين فقال : {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً }النساء139وقال جل وعلا : {...وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }المنافقون8.
وهذا الموقف العظيم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتح بيت المقدس والذي يحدد من خلاله طريق العزة حيث روى الحاكم من طريق ابن شهاب قال : خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين ! أأنت تفعل هذا ؟ ! تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة ؟ ! ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك ! فقال عمر : أوه ! لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ! إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله . ( صحيح ) وفي رواية له : يا أمير المؤمنين ! تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالك هذه ؟ فقال عمر : إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نبتغي العز بغيره .
إخواني الكرام لا يفهم من كلامي أني أحرض على الأقليات فأن تلك الأقليات ومنها اليهود والنصارى وغيرهم عاشت أفضل أوقاتها في كنف المسلمين فالوقت الذهبي لليهود كان في الأندلس وفي كنف الدولة العثمانية حيث كانوا يقتلون في أوروبا .
بل إن رسولنا الكريم قد أوصى الصحابة خيرا بأهل مصر عند فتحها فقال صلى الله عليه وسلم : إنكم ستفتحون مصر و هي أرض يسمى فيها القيراط فإذا فتحتموها فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة و رحما فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها .( رقم : 2307 في صحيح الجامع ).
وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم : " إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا ، فإن لهم ذمة و رحما " .(السلسلة الصحيحة للألباني )
وقد قام الصحابة الكرام بذلك أتم قيام حيث أن القبط موجودون إلى اليوم بعكس ما فعلة النصارى في الأندلس حيث اجتثوا الوجود العربي المسلم هناك حتى لم يبقى لهم أثرا .
لكن مع الأسف نرى أن القبط قد ردوا المعروف والجميل بما نشاهده على شاشات الفضائيات .
إن أعدائنا يستخدمون الأقلية للتدخل بشؤوننا وهذا واقع ومشاهد ولكن للإنصاف فان بعضهم هو من يستجب لتلك المخططات ولعل أكابرهم منهم حيث يجعلون البسطاء والمغفلين وقودا يجنون منها المناصب والامول التي تتدفق من أعدائنا .
وليد ملحم
11/10/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"