يحتار القلم وتخجل النفس في وصف ما يحدث للعوائل الفلسطينية المغلقة ملفاتهم في قبرص من مأسأة , رغم أن المبادئ الدينية التي تشجع على الصدق وعدم الظلم ورغم أننا في دول تمثل العدل والمساواة إلا أن هذا ما لم يحدث تجاه هؤلاء المساكين وما يصيبهم من اذى مادي ومعنوي ونفسي بسبب اغلاق ملفاتهم وقطع سبل المعيشة عنهم وعن عوائلهم سواء بسبب او من دون سبب فالكل يعرف هذه العبارة " قطع الارزاق من ضرب الاعناق اصل القول الماثور وهو مثل عربي واريد به تعظيم فحش العمل على ايذاء شخص في مصدر رزقه حتى ليصل الى انك بذلك تكون قد ضربت عنقه بالسيف.
والهدف هو جعل البشر يبتعدون عن مضايقة بعضهم البعض في موضوع الرزق بالاساليب السيئة الملتوية والاصل ان الرزق هو رزقان:
رزق الكفاف وهو مضمون من رب العزة والجلال لكل ذات كبد رطبة منذ خلق الله الدنيا وحتى قيام الساعة لا يستطيع احد منعه ولا وصله ، ولو ركبت الريح هرباً منه لركب الرزق البرق ليصل الى فمك فهو محتوم لك دون غيرك بامر الله.
ورزق تحصل عليه بتعبك وكدك وهو يزداد بالطاعات وصلة الرحم ويقل بالمعاصي وقطع الارحام ، وهو معلوم قدره لدى الله في علمه الذي علمه عند خلق الكون وعلم الله يقين لا يتغير ولا يتبدل وما علمه سبحانه كتبه في اللوح المحفوظ ولن يتغير تنفيذه عن ما كتب، وهذا هو مفهوم " قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا" فهو سبحانه كتب ما علم ولم يفرض على بشر شئ.فكما ترى مشيئة الله وقدرته في الرزق متواجدة بالكامل لانه سبحانه لو ترك هذا الامر للعباد لافسدوه وقطعوه عن بعضهم البعض فيما هو لانه الله رب العالمين يرزق المؤمن والكافر لكن نوعية العطاء هي التي تختلف، فعطاؤه للكافر هو عطاء ربوبية لكونه رب العالمين فيما عطاؤه للمؤمن يكون عطاءين عطاء ربوبية وعطاء الوهية فهو لدى المؤمن الله رب العالمين.
لهذا كان قطع رزق احد من الاثام العظيمة لانه تجرؤ على ارادة الله ومعاندة لامر الله لهذا قالت العرب ما قالت لتمنع اللعب والتحايل في الرزق وهذا الفهم هو الذي استقر عليه معظم أئمة اهل السنة والجماعة ممكن بقطع لقمة عيشه تحدو على الحرام ولا تجوع اوتكون سبب في تجويع اهل بيت الشخص .
وحتى لو كان يستاهل قطع رزقه ممكن تلتمس له العذر لأنها اصعب شي على الرجل انه يكون عاطل وتترتب عليها مشاكل على الشخص وعلى اسرته وقد ذكرت لكم هذه البدايه((؛ لأنه يعلم أن الله هو الرزّاق ، لا كما يُقال : قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق !!))
كذلك جملة منتشرة وهي عندما احد يخاف من مدير او مثلا مسؤول، او مثلا اخرج من عمله يقال: هذا المدير يقطع ارزاق الناس، او مثلا يقول احدهم اخاف يقطع رزقي المدير، وغيرها من الكلمات.
هل هذه الكلمات تعتبر من المناهي والاخطاء الشائعه بيننا بل هو مُتعلّق بالاعتقاد، فإن أهل الجاهلية الأولى لم يُنازِعوا في كون الرزّاق هو الله !
قال تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) .
ومن اعتقد أن غير الله يَرزق أو يَمنع الرزق فقد أشرك بالله . وفرق بين شُكر الناس فيما صنعوا من معروف وبين نسبة الـنِّعْمة إليهم ، فالأول مطلوب ، والثاني ممنوع .
وإذا ترتّب على ذلك أيضا الخوف من المخلوق ، الخوف الذي يعتقد معه الإنسان أن المخلوق يُعطي ويمنع ، أو ينفع ويضرّ من دون الله ، فقد كفر بالله العظيم . فإنه لا مانع لما أعطى الله ، ولا مُعطي لما مَنَع .
ويجب على المسلم أن يعتقد أن الناس لا يَملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، فإذا كانوا لا يملكون ذلك لأنفسهم فكيف يملكونه لغيرهم ؟
وفي وصيّته صلى الله عليه وسلم لابن عمِّه ابن عباس : واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف . رواه الإمام أحمد والترمذي .
ومن هذا نستنتج كم هو عظيم هذا الامر من حيث المبدا الديني وكم هو عظيم اثم من يظنون بانهم يتحكمون بالرزق او من يعينون الظلمة على قطع رزق احد الناس والله عليهم بالمرصاد ولا ننسى قوله تعالى ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ).
لو عدنا بالوراء قليلا بالزمن لرئينا كيف كان حالنا في العراق كيف كنا نسعى وراء الرزق اينما وجد وكم تعرضنا للاذى والضغط من خطف وتعذيب وقتل على الهوية وتهديد واضطهاد في اماكن عملنا او حتى الاماكن التي كنا نسكن بها ورغم هذا كله عانينا ما عانيناه وتحملنا ما لا طاقة لنا على تحمله من اذى جسدي ونفسي ومادي حتى وصل بنا المطاف الى جزيرة قبرص الملاذ الذي ظنناه انه سيعوضنا عن ما فقدناه وخسرناه في العراق ما بعد الحرب وهنا بدات المرحله الثانية والاسوء لتكملة معاناتنا اذ ان العراق قدمت لنا السكن والحصة التموينية بالاضافة الى اعمالنا التي تركناهم خلفنا حفاظا على سلامة عوائلنا واطفالنا من اذى قد يلحق بهم او بنا وهنا صدمنا وفوجئنا في ملاذنا الذي ظنناه امن.
اننا نتعرض الى اذى ابشع ما يكون منه في العراق الا وهو الاذى المادي والنفسي الناجمان عن قطع المعونة وسد الملف وسحب الحماية هذا وان فرص العمل في هذه الدولة شبه معدومة بالنسبة لنا وحسب تقاريرهم بان نسبة البطالة عندهم قد تتجاوز الستون بالمائة ولا يسمحون لنا بالعمل الا في المجال الخدمي فقط ورموا بشهاداتنا وخبراتنا عرض الحائط ولم يكتفوا بهذا بل اصروا على قطع الاعانة والمعونة علينا فاين العدل.
فاذا اردنا التقصي عن الحقيقة فلنبدا من الدوائر المعنية بذلك الامر فاذا اردت ان تتذوق الشعور بالاحباط ممزوجا بالغضب وقليلا من الاسى والحزن فعليك ان تمر بتجارب في التعامل مع دوائر الدولة المعنية بالاعانة وحقوق الانسان ونخص بالذات مكتب العمل والولفير ودائرة السايلم سيكر مرورا بالامن كريشن وكانها دوائر خصصت لوضع العقبات والعراقيل ولف الخناق وقطع الارزاق لابناء شعبنا الصابر وكانها وسيلة ضغط منهم ليعيدوننا الى العراق حيث الموت ينتظرنا هناك لا محال.
ففي تلك الدوائر نادر ما عدنا نسمع منها اخبار تسر صديق او عدو فكل ما راجع احد هناك رجع بخبر اسود كالليل الاظلم فاذا سدوا الملف كيف سنعمل ومن سيرضى ان يجعلنا نعمل وملفنا مسدود واذا قطعت المعونة هل غير الشارع في قبرص سيؤينا ساختم مقالتي بهذه العبارة اذا دعتكم القدرة على ظلم الناس فتذكروا ان قدرة الله عليكم وفي الختام كفانا الله واياكم شر هذا الظلم الجائر.
محمد زيادة
7/5/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"