ماهر حجازي/ دمشق
قبل ساعة من مغادرتهم إلى السويد، في مطار دمشق الدولي، حيث تركوا خلفهم خيامهم التي لا يحتاجونها، والأهم من ذلك أهل وأحبة تجمعهم معاناة واحدة، التقيناهم ليحدثونا عن فرحتهم بالخلاص من الصحراء وخشيتهم مما ينتظرهم وحزنهم على مَن ودّعوهم في مخيم التنف.
سليم أحمد عبد الرحيم: حدثنا سليم عن أكثر من ثلاث سنوات عاشها في الصحراء مع أسرته في الموت البطيء، ومعاناته الصحية في مرض الربو الذي أنهكه نتيجة غبار الصحراء، وكذلك عبّر عن مشاعر الفرح بالخروج من هذا المخيم، لكن الحرقة في كلامه واضحة تجاه رفض الدول العربية استقباله.
أما عن حق العودة إلى فلسطين، هذا الحق المقدس، فما زال ينبض بين جنباته حباً وشوقاً إلى قريته التي أُخرج منها قائلاً: «لن أنسى فلسطين ما حييت».
أحمد دعبول: رفع يديه أحمد دعبول (38 عاماً منها سنة وثمانية أشهر في مخيم التنف) ودعا ربه أن يفرِّج عمّن بقي من أهله وأصدقائه كرب التشرد وحرّ الصيف الحارق. أما طفلته التي ولدت في الصحراء وتحت سقف الخيمة التي لا تعرف غيرها، فقد بدت -لأول مرة- سعيدة، أما الفرحة الكبرى فيقول أحمد إنها عند اجتماعنا نحن فلسطينيي العراق في مكان واحد على ثرى فلسطين، لأننا لن نتنازل عن حقنا في العودة إليها وتابع: «الله يسامح العرب.. جنسيتنا الفلسطينية مكروهة».
يوسف الأسعد: جاءت شقيقته من لبنان لوداعه، احتضنت شقيقها بعد سنوات من الفُرقة، بكت وأبكت الرجال، فهي لا تدري إن كانت ستلتقيه يوماً ما، وخاصة بعد أن بعدت المسافات بينهما، فيوسف سبق أن اعتُقل مع مجموعة من اللاجئين في سورية ثم رُحِّل إلى مخيم التنف، بعدها التحقت عائلته به.
كان له نصيب أن تحترق خيمته هناك، وأصيب بجراح، لكنه مُنع من العلاج في المشافي مما زاد الطين بلة.
فراس وجدي: «فرحتي غير مكتملة» هذا ما قاله فراس بعد خلاصه من الصحراء التي أقام فيها سنة وسبعة أشهر، فقد ترك خلفه عائلته ووالديه. وهذه ليست الحالة الوحيدة، فالكثيرون يعانون تشتت العائلة الواحدة في أكثر من بلد.
فهذا ما حدث مع رشيد مطلق الذي سافر إلى السويد تاركاً والدته الحاجة خيزران (93 سنة) وحيدة في مخيم التنف، هو إلى السويد وهي بمفردها إلى إيطاليا!!
أبو نائل: حزين على فراق المحيط العربي الذي لم يغادره من قبل (عمره 55 سنة)، لكن إرادته قوية، وهو حريص على الحفاظ على دينه وأخلاقه في تلك المجتمعات التي يخشى من عاداتها وتقاليدها البعيدة كل البعد عن عاداتنا وأخلاقياتنا، ولم ينسَ أن يستغيث لإنقاذ البقية من أهله في التنف.
أمين فهمي: لا يعرف إلى أين هو ذاهب، في هذا العمر (43 سنة) يعيش حالة من التخبط واللاوعي بما يدور حوله، يخشى على ابنتيه الشابتين وما يمكن أن تتعرضا له هناك في السويد، هو يفضّل أن تفتح دولة عربية ذراعيها له ولعائلته، عندها لن يتردد في الذهاب إليها، مقابل هجرته الشديدة هذه، يؤكد أنه حتماً سيعود.. هذا ما أخبرنا به.
إيهاب شعبان: هذا الشاب العازب (18 سنة) الذي قضى سنة وثمانية أشهر وحيداً في مخيم التنف مع مجموعة من الشبان، وعائلته تعيش في بغداد، يقول: «وضْعُنا نحن الشباب كان بائساً، وقد غادرت العراق وتركت أسرتي خلفي نتيجة للتدهور الأمني واستهداف الفلسطينيين بشكل كبير، واعتقال شقيقي الأكبر في سجون الداخلية العراقية، أنا أفضل أن تستضيفني دولة عربية، وأقول لرفاقي في التنف اصبروا فليس أمامكم إلا الصبر».
إيهاب سيكون مفتاح النجاة لعائلته، لأنه بالتأكيد سيبدأ فور وصوله إلى السويد بمعاملات لمّ الشمل، ليخرجهم من الحياة الصعبة في العراق.
عثمان إبراهيم: «على العرب والمسلمين أن يقفوا إلى جانب الفلسطينيين لكي لا يظلّوا مضطهدين، نحن نخرج من التنف كأننا نخرج من الموت»، هذا ما خاطبنا به عثمان إبراهيم (54 سنة) العازب أيضاً بعد ثلاث سنوات وشهرين عاشها في صحراء قاحلة لتكون أقسى أيام عمره.
الطفلة آية دعبول: أخر من تحدثنا إليه كانت الطفلة أية دعبول (12 سنة)، هي سعيدة لكنها حزينة على رفيقاتها اللواتي تركتهن في التنف، تجمعهن ذكريات جميلة رغم كآبة المعيشة، تجمعهن ذكريات بين الخيام عن لعبة الطميمة والحجلة، تجمعهن ليلة ظلماء شديدة البرودة، ويومٌ ابتدأ بحريق وانتهى بإعصار.
تقول آية: «ألا يحق لنا الحياة، لماذا لأننا أطفال فلسطينيون، أناشدكم أن تنقذوا رفيقاتي في مخيم التنف».
«التنـف»: اسم جديد يسجل في التغريبة الفلسطينية، لن يمحى من ذاكرة الفلسطينيين، سيبقى راسخاً وإن انتهت المأساة، فما عاشه الفلسطينيون فيه ستتوارثه الأجيال، ليصبح كل يوم فيه حكاية يقصها الآباء على الأبناء ثم الأحفاد، في حكايا النكبة والذاكرة.
هذه المجموعة انتهت مأساتها مع التنف، لكن ربما ستفتتح غيرها في المستقبل المجهول المعالم حيث لا يدركون ماذا ينتظرهم.