انه القدر ... لأحداث تلك القصة الحقيقية جدا .
نحن الثلاثة نعمل في نفس المكان أنا ... ومحمد .... ورشاد ... أنا فلسطيني كنت من سكان العراق ... ومحمد فلسطيني كان من سكان لبنان .... ورشاد فلسطيني كان من سكان نابلس .... نحن الثلاثة من مواليد عام 1962 ... نحن الثلاثة دخلنا إلى الولايات المتحدة في العام الماضي ... ولكن ما هو الشيء المثير في تلك القصة الحقيقية ؟؟؟؟؟؟ .
سأسرد عليكم ذلك الشيء المثير ولنبدأ بي ..... حيث اني تعرضت للتهديد من قبل عصابات جيش المهدي الذي انتشر في بغداد ليعيث في الأرض فسادا وينشر الرعب بين الناس وأخيرا قتل الأبرياء ... تعرضت للتهديد من أجل مغادرة العراق وإلا كان القتل مصيري ... حيث ان أربعة مجرمين قد قاموا بزيارتي إلى المحل الخاص بي ... في شارع أبو طيارة بمنطقة الدورة ببغداد .... وألقوا علي محاضرة التهديد ... إذا لم أغادر العراق فأنهم سوف يقتلوني .... وكان ذلك في صيف عام 2006 ... ولكن لم أكترث لذلك التهديد ... إلا أنهم قاموا بالتنفيذ بعد مرور أسبوع من تهديدهم وقاموا بإطلاق الرصاص على المحل والحمد لله فإن رب العالمين كتب لي ولإبني سيف النجاة من ذلك العمل الإجرامي ... إلا ان معظم الرصاصات قد دخلت برأس وقلب جاري آنذاك ... وتوفي على الفور رحمه الله ... حيث انه كان بالقرب من باب المحل يتحدث مع ابني سيف ... وغادرت بعدها إلى منطقة حي الصحة في الدورة حيث اشتريت إحدى الشقق بمبلغ كبير ... إلا أنني ما ان فرغت من دهان وترتيب الشقة وتجهيزها بأحدث الأثاث ... وقد كانت بالنسبة لي كالقصر .... أقول ما ان فرغت من إعادة ترتيبها ... ولم يتسنى لنا أنا وزوجتي وأطفالي الخمسة أن نستقر بها إلا لمدة شهرين حيث بعدها زارني أحد الأشخاص المنتمين إلى الحرس الوطني العراقي وأخذ يصر على أنه يريد شراء الشقة وكنت أرفض دائما لأني أريد الاستقرار ... وأخذ يلح ويلح .. وأنا أرفض ... إلى أن وصل الأمر يوما ما للتهديد ... وأعطاني مبلغا بسيطا وقال وبكل قسوة هذا المبلغ لك ... غادر العراق واترك الشقة ... وإلا سيأخذها منك جيش المهدي عنوة وبدون مقابل ... فاضطررت لمغادرة بغداد .... وإنقاذ عائلتي من كارثة محتملة ... وبعد اللجوء إلى مخيم الوليد الصحراوي على الحدود العراقية مع سوريا تم إعادة توطيني في الولايات المتحدة الأمريكية التي وصلت إليها في الشهر الثامن من العام الماضي 2010 بعد أن أمضينا ثلاثة أشهر في رومانيا كمحطة انتظار بعد مخيم الوليد .
أما محمد فانه سرعان ما بدأت عيناه تدمعان حينما قال أنا من سكان مخيم صبرا في لبنان .. وكنا نعيش حياة هانئة هادئة وشبه مستقرة في ذلك المخيم رغم ظروف لبنان التي كانت صعبة للغاية ... في ذلك المخيم وفي بيتنا الذي كان يأوينا أنا وأمي وجدي وإخوتي الستة ... حيث ان أبي كان قد توفي منذ زمن بعيد ...... آنذاك وفي أيلول من عام 1982 وبالتحديد يوم 16 منه .. حيث كان عمري وقتها عشرون عاما ... وقبل هذا التاريخ بثلاثة أيام ذهبنا أنا وأمي لمركز العاصمة بيروت لزيارة خالي الذي كان يرقد بالمستشفى ..... وفي ذلك اليوم يوم 16 من شهر أيلول سمعنا الأخبار المفجعة عن ارتكاب مجزرة بشعة قام بها حزب الكتائب اللبناني والجيش الصهيوني وقاموا بقتل كل البشر الموجودين في المخيم .... وما أن هرعنا أنا وأمي للاطمئنان على جدي وإخوتي الستة ... حتى صدمنا من هول ما شاهدنا حيث انتشرت جثث كل سكان المخيم تقريبا ومن ضمنهم إخوتي وجدي رحمهم الله... وبعد ارتكابهم لتلك المجزرة البشعة ... هدموا جميع المنازل التي كانت تأوي الفلسطينيين وأصبحت منذ ذلك الحين ولغاية الآن مكانا لتجمع النفايات ومياه المجاري ... بعد ذلك بفترة هاجرنا أنا ووالدتي إلى الكويت ولعدة سنين ثم هاجرنا إلى كندا وهناك توفيت والدتي ... وفي العام الماضي وفي الشهر السادس منه جئت إلى الولايات المتحدة وبالتحديد إلى مدينة هيوستن .. وها أنا لم ولن أنسى البلد الذي ولدت فيه والمكان الذي ترعرعت فيه والأحبة والجيران رحمهم الله .
أما رشاد ... فقال وهو يتنهد وبعد أن أخذ نفسا عميقا يدل على مدى الألم والحسرة التي بداخله ... قال كنا نملك بستانا مليئا بأشجار الحمضيات واللوز والزعتر في نابلس ... ويتوسط ذلك البستان منزلنا الكبير الذي كان يضم جدي وجدتي رحمهما الله وأبي وأمي وأخوتي الأربعة .... إلى أن جاء ذلك القرار التعسفي الإجرامي الصهيوني بمصادرة كل البساتين وتحويلها إلى مستوطنات تتجاوز الأربعين مستوطنة .... حسبنا الله ونعم الوكيل ... لقد شردونا ... وصادروا كل شيء .... واضطررت بعد الانتفاضة الثانية من عام 2000 ... لمغادرة نابلس إلى كندا .... حيث عملت هناك لفترة قصيرة لا تتجاوز العامين ... ثم دخلت إلى الولايات المتحدة وبالتحديد إلى نيويورك .... ثم جئت في العام الماضي وفي الشهر الثالث منه إلى مدينة هيوستن ... وها أنا هنا لم ولن أنسى ذلك البستان والمنزل الذي كان يأوينا ... وكل الذكريات الجميلة والجيران والأحبة ... أنا هنا مشرد والجرذان الصهاينة يسكنون بستاني بعد أن هدمت جرافاتهم المنزل ومعظم الأشجار ليبنوا فوقها مستوطناتهم القذرة مثلهم .
وهكذا التقينا نحن الثلاثة خالد ومحمد ورشاد ويجمعنا مكان واحد بالغربة ومعاناة واحدة ومأساة واحدة .
أخوكم الفلسطيني خالد ابو الهيجاء
أبو سيف
الولايات المتحدة الأمريكية
ولاية تكساس - مدينة هيوستن
5/9/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"