ملاحظات حول العدوان على قطاع غزة .. دروس وعبر – رشيد الحجة

بواسطة قراءة 5074
ملاحظات حول العدوان على قطاع غزة .. دروس وعبر – رشيد الحجة
ملاحظات حول العدوان على قطاع غزة .. دروس وعبر – رشيد الحجة

مقدمة

ما أن ربحت حركة المقاومة الإسلامية حماس الإنتخابات في فلسطين عام 2006، حتى بدأت معظم الدول الغربية والعربية معارضة استمرار حماس قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية. استغلت إسرائيل تلك القوى وضيقت الخناق أكثر فأكثر على قطاع غزة خاصة بعد استيلاء حماس على السلطة عسكريا. وبدا الامر وكأن القيادة الفلسطينية في رام الله وإسرائيل في خندق واحد ضد حماس.

بدأت إسرائيل حصارها على غزة وأغلقت المعابر أمام تدفق البضائع والأموال والبشر، بل وتعدت ذلك بأن قامت باعتداءات عسكرية على سكان القطاع. دخلت حركة حماس بعدها بتهدئة عسكرية مع إسرائيل. لم تحترم الأخيرة التهدئة بل ضيقت الخناق على القطاع أكثر فأكثر وقامت باغتيالات عديدة لشخصيات وعناصر فلسطينية في تلك الفترة. اعتبرت حماس أن إسرائيل قد خرقت الهدنة مرات عديدة، مما أدى إلى عدم قبولها بتمديد فترة التهدئة مع إسرائيل لمدة إضافية تمتد ستة أشهر أخرى. أطلقت حماس عددا من الصواريخ ومنها ماهو محلي الصنع إلى البلدات التي تقع تحت حكم العدو ما عجل  بتطبيق خطة إسرائيلية كانت قد أعدتها لاجتياح قطاع غزة والقضاء على قوة حماس العسكرية وبدأت الحرب في 27/12/2008.

الحرب ونتائجها في الميدان

هاجمت إسرائيل قطاع غزة برا وبحرا وجوا وبأعتى الأسلحة ومنها المحرمة دوليا وبكثافة كبيرة جدا. حاولت التقدم بآلياتها على الأرض من عدة محاور ولم تفلح سوى ببضع مئات الأمتار الهامشية من القطاع ولم تستطع التقدم في أي من المدن والمخيمات الفلسطينية المنتشرة من شمال قطاع غزة مثل بيت لاهية وجباليا حتى أقصى جنوبه عند معبر رفح مع مصر. دمرت إسرائيل في حربها هذه كل البنية التحتية للمجتمع الفلسطيني من مؤسسات فلسطينية ودولية وأماكن تجارية وآلاف المنازل. ونتج عن عدوانها سقوط مايزيد عن 1320 شهيدا و 5400 جريح جزء كبير منهم في حال خطرة. وكان المميز لهولاء الضحايا أن معظمهم من المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ. مما يدل على أنها كانت تقود حربا مجنونة ضد المدنيين لتغطية فشلها العسكري ضد المقاتلين الفلسطينيين.

في المقابل تصدى رجال المقاومة الفلسطينية من كافة الفصائل وفي مقدمتهم كتائب غز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، لهذا الهجوم البربري ببسالة نادرة وبطولة أسطورية. لم يقع خلال هذه الحرب التي استمرت 23 يوما سوى العدد القليل من المقاتلين على أرض المعارك. بينما كبد رجال المقاومة الجيش الإسرائيلي، الذي يعد واحدا من أقوى جيوش العالم عدّة وعتادا حسب تقديرات الأخصائيين  العسكريين، عددا كبيرا من القتلى والجرحى ودمّر وأعطب الكثير من آلياته وعتاده.

أسباب توقف العدوان

أولا:الفشل العسكري الذريع للجيش الإسرائيلي في تحطيم القوة العسكرية لحماس،

ثانيا: عدم تعطل قدرة حماس على إطلاق الصواريخ على البلدات مثل سديروت وبئر السبع وعسقلان،

ثالثا: عدم تمكن القوات الإسرائيلية من تحرير الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط،

رابعا: ظهور نتائج الإرهاب الذي مارسه الجيش الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني على وسائل الاعلام العالمية وفي مقدمتها محطة الجزيرة بلغتيها العربية والإنجليزية،

خامسا: بسبب الإلتحام الشعبي الفلسطيني والعربي والدولي مع أهالي قطاع غزة لما عانوه من ظلم وحصار وموت،

سادسا: تقلص القيمة المعنوية عند الجنود الإسرائيليين وخوفهم من المواجهة،

سابعا: الإستنكار الدولي لما تقترفه إسرائيل وجيشها من فظائع ومخالفات لحقوق الإنسان وعلى إثرها المطالبات القانونية الدولية بإحضار المسئوليين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين إلى المحاكم الدولية ومعاقبتهم لإرتكابهم جرائم حرب، وهذا بدوره جعل نظرة العالم للجيش الإسرائيلي تزداد حنقا واشمئزازا،

ثامنا: المطالبات الشعبية ولتنظيمات سياسية ونقابية ودينية عديدية في العالم بمقاطعة إسرائيل ومؤسساتها الثقافية والأكاديمية والسياسية والرياضية والإقتصادية والعسكرية.

تاسعا: في أحسن الأحوال فقد كان العدوان الإسرائيلي على القطاع محدودا لتحريك مايسمى بالعملية السلمية لفرض أمر واقع جديد في المنطقة قبل تولي الرئيس الأمريكي الجديد أوباما لمهامه.

عاشرا: ربما ظنت إسرائيل بأنها، بعد أن استطاعت تحجيم أو إيقاف العمليات الإستشهادية، ستستطيع ايقاف الصواريخ الفلسطينية إما بالضرب أو بإجبار مصر على مراقبة حدودها لمنع تهريب الأسلحة عبرها، متناسية أن معظم صواريخ المقاومة هي من صنع محلي. وفي المقابل تسمح لنفسها بإستيراد وتصنيع  أحدث الأسلحة في العالم.

 

لهذا الأسباب وغيرها توقف الجيش الإسرائيلي عن حربه وانسحب إلى المناطق الحدودية لقطاع غزة ربما ليستعد لجولة ثانية أو ليجر أذيال الخيبة دون رجعة، وعلى الأقل في القريب العاجل. خاصة وقد مني بهزيمة عسكرية ثانية بعد أن لقنته المقاومة على يد حزب الله في جنوب لبنان درسا قاسيا، يبدو أنه تناساه عندما هاجم قطاع غزة هذه المرة.

نتائج سياسية

- بعد أن نسي أو على وشك أن ينسى العالم، بما فيهم بعض العرب، أن إسرائيل هي دولة احتلال ويحق لمن وقع تحت الإحتلال المقاومة بجميع أشكالها بما فيها المسلحة وعلى العالم وفي مقدمتهم العرب تقديم كافة أشكال الدعم بما فيها تسليح الشعب الفلسطيني لطرد المحتل، كما فعلوا في حرب الكويت حيث أرسلوا جيوشهم لتحريرها من الإحتلال العراقي.

- عودة القضية الفلسطينية للأولويات في الذهن البشري رسميا وشعبيا، مما سيستدعي في الأشهر القريبة القادمة، ربما، تحرك دولي جاد لفرض حل ما على المنطقة يقبله الشعب الفلسطيني ولوعلى مضدد.

- بعد أن حاولت منظمة التحرير الفسطينية من خلال نضالها الطويل التمييز بين من هو يهودي ومن هو صهيوني، تسعى إسرائيل لخلط الأوراق واعتبار كل يهودي صهيوني، فالتبس الأمر على الرأي العام الشعبي الدولي بالقول بعد أن شاهدوا ماشاهدوه على شاشات التلفزيون وصفحات الصحف والصور البشعة التي نشرت عبر العالم لما قام به الجيش الإسرائيلي ضد أطفال فلسطين، فبدأت نتيجة ذلك موجة من الكراهية لليهود أجمعين. إذا يمكن القول أن إسرائيل لا تحفر قبرها بيدها فحسب بل تحفر قبرجميع اليهود على مايبدوا، وهذا أمر خطير جدا. فقد قال لي أحد السويديين بأن هتلر قد قال: لم أقتل جميع اليهود لأترك للأجيال القادمة أن تكتشف لماذا قتلتهم.

- قويت شوكة جناح أو تيار المقاومة ومؤيديها في فلسطين وفي العالم العربي ولدى الكثير من القوى الدولية. وبدأ القول بأن المقاومة ضد المحتل حقا وليس إرهابا. وضعف تيار القائلين بأن المفاوضات ستجدي نفعا مع إسرائيل خاصة بعد أن مر على مايسمى بالعملية السلمية حوالي عقدين من الزمن والتي كان من بين نتائجها:

1- سرقة إسرائيل وقضمها الكثير من أراضي الضفة الغربية وبناء المستعمرات عليها وأحضار مئات الآلاف من المستوطنين لاسكانهم هناك .

2- بناء الجدار العازل ولازالت نبنيه رغم إقرار المحكمة الدولية بعدم شرعيته ووجوب هدمه .

3- إقامة مئات الحواجز العسكرية على أرض الضفة الغربية والتي تتحكم حتى بتحركات رئيس السلطة الفلسطينية هناك، حسب اعترافاته بأنه يحتاج لتصريح لتنقلاته.

4- امتلاء السجون الإسرائيلية بعشرات ألاف القادة والناشطين الفلسطينيين ممن اعتقلوا وعذبوا ومنهم الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

5- استخدام اسرائيل وسيلة الإعدام، وبدون محاكمات، للتخلص من القيادات والناشطين الفلسطينيين وفي مقدمتهم الأمينين العامين لتنظيمي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة المقاومة الإسلامية، حماس .

6-  تهويد القدس من خلال طرد السكان الآصليين، الفلسطينيين، من هناك ليحل محلهم اليهود، واعتراف الساسة الإسرائيليين بأن القدس الشرقية غير قابلة للعودة لأحضان الفلسطينيين .

7- القول الإسرائيلي العلني للمفاوض الفلسطيني بأن اللاجئين الفلسطينيين ليس لهم مكان في أراضيهم التي طردوا منها عام 1948 وعام 1967 .

8- القول العلني من بعض القادة الإسرائيليين، وفي مقدمتهم وزيرة الخارجية التي ربما تصبح رئيسة للوزراء هناك، بأنه لامكان لفلسطينيي 1948، أي من هم داخل مايسمى بالخط الأخضر، في إسرائيل.

9- تعزز ماكانت تدعوا إليه الفصائل الفلسطينية الأخرى وهو مشاركة الجميع بالقرارات والحكومات التي ستتعاقب على السلطة الوطنية .

23/1/2009

رشيد الحجة

صحفي فلسطيني ، أوبسالا- السويد