معاناة الفلسطينيين المهجرين من العراق‏ - فاضل البدراني

بواسطة قراءة 2738
معاناة الفلسطينيين المهجرين من العراق‏ - فاضل البدراني
معاناة الفلسطينيين المهجرين من العراق‏ - فاضل البدراني

برد وحر شديدين تقاسم عذابهما المشردون الفلسطينيون عند حدود العراق مع كل من سوريا والاردن بغرب العراق على مدى سنتين تقريبا وهم يسكنون في مخيم للاجئين الفلسطينيين على منفذ الوليد الحدودي مع سوريا بارك الله بهيئة الاغاثة الدولية والصليب الاحمر الدولي وجمعية الهلال الاحمر العراقي للمشاركة في اقامته وتقديم ما تجود اليد الإنسانية من عون لهم برغم شحتها وعدم امكانية سد ادنى متطلبات الحاجة. امرأة عجوز ثكلى تنوح على ولدها الذي قتل على ايدي الميليشيات الطائفية التي كانت سببا في تهجير وتشريد العراقيين والفلسطينيين من بغداد ومدن العراق الاخرى تتكأ على باكورة وعلامات البؤس والحزن والالم والجوع في وجهها تعاتبك ونظرات حادة من عيون غائرة تعاتب ابعد منك حين تلتقيها وهي تردد أين العرب؟ هل نحن يهود ام غير... ذلك؟، ورجل عجوز يضع شرف العرب على رأسه (العقال) وكذا حاله من ضياع كل شيء في اخر مشوار العمر دون أن تتحقق له امنية عودة الوطن (فلسطين) ولا حتى الحفاظ بشقة بسيطة تقيه من شدة البرد والحر القاسيين في العراق ولكنه بالنهاية يخلع شرف العرب ويصرخ معاتبا أين العرب؟؟، بينما دموعه تسيل وسط حفريات وتجاعيد الوجه التي خلفتها قساوة الحياة.

تجولنا وسط مخيم الوليد الذي يتجاوز اﻠ (200) مشرد فلسطيني لا تعرف الشاب من الشايب او العجوز من شدة التقاسيم او التجاعيد التي ارتسمت على وجوه الجميع لانه ليس من مسعف سوى المنظمات الإنسانية التي تقدم لهم الخدمات بمستوى متواضع للغاية ولكن حين يصافحك احدهم تجد ان حرارة العتب شديدة تكاد ان تكوي يدك والاكثر من ذلك كلمات العتب على السادة القادة والزعماء العرب واثرياء العرب من شدة البذخ في المؤتمرات والفعاليات الدولية التي تقام في مختلف العواصم وكذلك جلسات الترف التي تعتري امسيات اثرياء العرب في عواصم غربية وعربية ولا احد من سائل عن مصير الالاف من المشردين الفلسطينيين الذين شردوا ثانية من العراق عقب الاحتلال الامريكي للعراق في العام 2003 ولسان حالهم يقول يا دنيا أين المفر لقد ضاقت بنا السبل ولا من سائل عن احوالنا، اجزم بان من يريد ان يعرف قيمة الحياة كم هي تافهة ولا تسوى شيء عليه بالتوجه الى مخيمات اللاجئين على حدود العراق مع سوريا والاردن ليعرف ذلك عن كثب. حين ذهبنا الى مخيم الوليد وجدنا الطبيب والمحامي والمهندس والاديب والمدرس والفنان وجدنا عقولا وادمغة عربية مهمة وكذلك البسطاء في تعليمهم لكنهم كبار في إنسانيتهم وادميتهم وجميعهم ارتدوا لباسا يتحمل قساوة جو الصحراء كانهم خرجوا من تحت الارض للتو من شدة العواصف التربية التي تشتهر بها صحراء العراق الغربية حيث تعج عليهم الغبار بلا رحمة، جلسوا على قطع من الخشب التي تنتظر ان تتهشم في اوقات اخرى من النهار الى قطع صغيرة لتوقد في مواقد النيران ليلا واما الامطار فاننا ربما اغضبا الله سبحانه وتعالى حين عاكسنا دعوات الناس في صلوات الاستسقاء من أجل سقوط الغيث رحمة من الله لانعاش الارض وانبات الزرع وتنظيف الجو من شدة التلوث البيئي لاننا دعونا الله بان لا يسقط المطر على منطقة المخيم حصريا ليس تبطرا وانما رأفة باللاجئين الفلسطينيين من مئات الاطفال الصغار والنساء وبقية المهجرين الذين تكممت افواه جميع المسؤولين العرب من تحقيق مؤتمر واحد من اجلهم او لقاء يجمع بين اثرياء العرب لاغاثتهم او لتدبير امرهم المزري والتعامل معهم ولو لمرة واحدة بقدر ما نسمع من تعامل مجاملة مع حديقة حيوانات لندن التي تشملها سنويا تبرعات السادة المسؤولين والاثرياء العرب.

سمعنا قصصا مأساوية من الجميع ووردت أحداها على لسان السيد كامل فارس مسؤول المخيم بان المخيم فقد عددا من الاطفال والمرضى خلال فصل الشتاء لاسباب تتعلق بشدة البرد واخرى قلة او انعدام الخدمات الصحية وكذلك الجوع والمسكن غير الملائم. وجاءت حالات مشرقة برغم ما ذكر حين عقد قران بين شابين يعملان معلمان في مدرسة خصصت لتدريس ابناء المخيم وهي واحدة من ابرز حالات التحدي والصمود بان الحياة لن تتوقف عند حد مهما بلغت من القساوة على اصحابها، بل ستواصل مسيرتها ولكن سواد الوجه سيكون لكل من قصر حيال هذه الجموع ومن كان سببا في خلق هذه التعاسة لهم.

استمعنا لمطالبهم التي وقفنا عاجزين عن تلبيتها لاننا لا نملك ما نستطيع ان نعينهم عليه سوى ان نتحدث لمن لا يعرف ماساتهم وهي بالفعل دعوة إنسانية ولكن جاءت ابرز مطالبهم التي اجمعوا عليها بتسهيل امر ترحيلهم الى السودان لان تنسيقا وموافقة سودانية حصلت باستقبالهم بتدخل منظمات إنسانية دولية ولكن بالطبع تتطلب تلك الحالة رصد المبالغ اللازمة لاستيعابهم وتوفير الخدمات عند ترحالهم. الامر ليس بالهين على العراقيين ان يرحل الاشقاء الفلسطينيون من ارض العروبة (بغداد) بعد معايشة تواصلت منذ عام 1948 عقب الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، انها مسألة محزنة ولقد شعرت خلال استماعي لارائهم بسواد الحياة في عيني واصبت بخيبة امل لكني ابقى عراقيا مضطهدا ومشردا في بلادي مثلهم وان كنت لن افكر يوما بان العراق عراقي وفلسطين فلسطينهم، الوطن الكبير وطننا جميعا. يتحدثون عن حالات الخطف والقتل والتهديد من الميليشيات ضدهم بحجة انهم ارهابيون لكن ما يؤكد اكاذيب الجهات التي تساند الميليشيات في تشريدهم من العراق لاسباب كلنا يعرفها جيدا ان شابة بعمر اقل من العشرين سنة تدعى رنده تنظر بعتب وحين تحدثنا معها افادت بانها في المرحلة الخامسة بمعهد الفنون الجميلة بالمنصور بوسط بغداد وقد تركت الدراسة والتحقت بالمخيم مع عائلتها لانها هددت لمرتين في رسائل وصلت لها وتحمل رصاصة. هل يعقل ان تكون هذه الفتاة الشابه ارهابية فتحارب على ترك دراستها ومستقبلها؟.

تجولنا في صفوف شبه المدرسة الفقيرة بكل امكانياتها وتدرس المنهج العراقي ووجدنا ما يحز بنفوسنا ان طالبا في الصف الثالث الابتدائي يقرأ موضوعا في جغرافية الوطن العربي ويحدد موقع كل قطر ويميز علم كل قطر عربي لكنه أحرجنا حين تساءل أمامنا بتساؤله في أي قطر عربي نحن نسكن وأي علم لنا الحق في حمله وأي رئيس نقتدي به. لعن الله الاحتلال ومن أتى به لعراقنا لانه مع كل هذا لم تتوقف قصة معاناة الفلسطينيين المهجرين عند هذا الحد فالفصل الاخر منها هو ان بعض الجهات السياسية تحاول ان تطردهم من هذا المخيم. لذا يستوقفني المثل الشعبي العراقي الذي يقول (رضينا بالبين والبين ما رضا بينا).                                               

  26/5/2008

د.فاضل البدراني-إعلامي عراقي :