المخيمات الفلسطينية.. قنبلة لبنان الموقوتة

بواسطة قراءة 2159
المخيمات الفلسطينية.. قنبلة لبنان الموقوتة
المخيمات الفلسطينية.. قنبلة لبنان الموقوتة

هذا مايدعو للأسي،أما مايدعو للتوجس والخوف فهو كميات الأسلحة الضخمة من كل الأنواع داخل المخيمات بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان إلى تونس نتيجة الاجتياح الإسرائيلى للبنان ومذابح صابرا وشاتيلا عام 1982. والمخيمات الفلسطينية فى لبنان هى مخيم ضبية،برج البراجنة،مار إلياس،شاتيلا،عين الحلوة، المية مية،نهر البارد، البدّاوي، البص، برج الشمالي، الرشيدية،وذلك بالإضافة للمخيمات التى تم تدميرها، إما بأيدى جيش الاحتلال ، أو نتيجة للحرب الأهلية ، وحرب لبنان فى العام 1982، وهى مخيمات النبطية وجسر الباشا وتل الزعتر.

وهناك حوالى 60 ألف لاجئ يعيشون فى مناطق مختلفة فى لبنان، إما حول المخيمات، أو فى المدن اللبنانية المختلفة.

ويعود تسليح الفلسطينيين فى لبنان إلى ستينيات القرن الماضى بدعم دول عربية وقوى سياسية لبنانية بخاصة اليسارية والقومية منها، وكانت عملياتها المسلحة تتجه صوب فلسطين المحتلة، حتى تزايدت قوتها المسلحة وبدأت مناوشاتها العسكرية ضد قوى الأمن اللبنانية والجيش اللبنانى، وهو ما أدى إلى إقراراتفاق القاهرة في الستينيات والذى ينظم الوجود العسكرى الفلسطينى فى لبنان، وطبيعة علاقاته بالسلطة اللبنانية.

وبالرغم من توقيع اتفاق القاهرة فإن الاشتباكات بين الجيش والفلسطينيين لم تتوقف، وكان أبرزها الاشتباك الذى حصل فى 18-3-1970 فى بنت جبيل وحصلت اشتباكات بين عناصر من حزب الكتائب، والفدائيين فى منطقة الكحالة أدت إلى مقتل حوالى 30 فدائياً، وانتقلت الاشتباكات بين الطرفين إلى بيروت.

وفى 2-5-1973 اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش والمقاومة أدت إلى مقتل 22 فدائياً و14 جندياً لبنانيا، ويومها حذر الرئيس الراحل سليمان فرنجية من استمرار الاعتداء على الجيش وسيادة لبنان مؤكداً: لن يرضى لبنانى واحد بجيش احتلال فى لبنان

وانطلقت الشرارة الأولى للحرب الأهلية اللبنانية يوم 13 إبريل 1975 يوم حادثة عين الرمانة،بين الفلسطينيين وميليشيا حزب الكتائب اللبنانى ، ولعب الفلسطينيون دوراً اساسياً فى إشعال الحرب الأهلية التى استمرت 15عاما وحصدت 250 ألف قتيل من الجميع ،وخلالها كان الفلسطينيون طرفاً رئيسياً فى هذا الصراع، وفى تغذية المتصارعين، حتى حدث الاجتياح الإسرائيلى لبيروت ومعه خرجت منظمة التحرير من لبنان إلى تونس وحدثت مجزرة صابرا وشاتيلا مخلفة وراءها حوالى 4آلاف قتيل فلسطيني، وحوصر الفلسطينيون فى المخيمات غير الآدمية، ومع ذلك ظل السلاح موجودا وفى زيادة مطردة ولا تزال المخيمات الفلسطينية فى لبنان، تشكل بؤراً وجزراً أمنية، وتجمعاً لمجموعات وعناصر أصولية من جنسيات مختلفة، بالإضافة للوجود الفلسطينى المسلح خارج المخيمات، وخصوصاً فى سهل البقاع.

ونظرا للواقع السيئ الذى يعيشه الفلسطينيون فى لبنان، وبعد سيطرة الجيش اللبنانى على بوابات المخيمات فلا خروج ولا دخول إلا بتصريح، كل ذلك أدى إلى احتقان مكتوم بين صفوف الشباب، لاسيما أن السلاح موجود داخل المخيمات، فمخيم عين الحلوة مثلا على مساحة كيلو متر مربع ويقطنه أكثر من 70 ألف فلسطينى،تخطى عددهم المائة ألف بعد نزوح فلسطينيين من مخيمات سوريا، يعيشون على إعانات الأمم المتحدة التى توزع عليهم شهريا من الزيت والسكر والأرز والدقيق، ولا تكفى حصة الأسرة فردا واحدا طوال الشهر وليس أسرة بأكملها.

ومع كل الأسباب السابقة والظروف المعيشية الطاحنة لمئات الآلاف من الفلسطينيين، ومحاولة بسط الدولة اللبنانية سيطرتها على كامل أراضيها ، انخرط الكثير من رجال المخيمات فى تنظيمات مسلحة مقاومة أحيانا وسلفية متشددة فى أحيان أخري، ، ومنها تنظيم "فتح الإسلام"حيث اعتدى التنظيم الفلسطينى المسلح على الجيش اللبنانى فيما عرف بعدها بمعركة نهر البارد، حيث تصدى الجيش للمسلحين.

والمخيمات الفلسطينية عبارة عن تجمعات سكنية ذات بيوت متلاصقة وشوارع ضيقة ،تئن تحت وطأة الفقر والزحام ،وتدنى الخدمات ومستوى المعيشة مما يجعلها قنبلة موقوتة أوشكت على الانفجار لتدمر الأخضر واليابس، وتعيد لبنان إلى دائرة الصراع المفرغة بين الفلسطينيين وغيرهم داخل لبنان، سواء كان حزب الله وحده أم حزب الله وحركة أمل اللذين يؤيدان نظام بشار الأسد فى صراعه مع المعارضة المسلحة فى الداخل السورى.

وخلال العام الماضى تناولت عواصم أوروبية تقارير استخباراتيّة، تحذرمن سلاح اللاجئين الفلسطينيين، وحذرت التقارير من احتمال حدوث مواجهة مسلحة مع حزب الله الشيعى فى لبنان الذى تتداخل مناطقه الأمنية المستقلة عن الدولة اللبنانية مع 12 مخيماً فلسطينياً منتشرة فى بيروت والشمال والجنوب والبقاع على امتداد الخريطة اللبنانية، وتضم أكثر من 400 ألف لاجئ فلسطيني، والكثيرون منهم خاضوا معارك شوارع سابقة خلال الحرب الأهلية اللبنانية ،وعلى مستوى عال من التدريب على مختلف أنواع الأسلحة.

وكشف تقرير استخباراتى ألمانى أنّ المخيمات الفلسطينية فى لبنان مملوءة بالأسلحة، حيث قدرت أوساط فلسطينية فى لبنان كميات رشاشات الكلاشينكوف التى دخلت المخيمات خلال عام 2012 بنصف مليون رشاش، إضافة الى أكثر من ستة آلاف قاذفة آر. بى.جى المضادة للدروع والتحصينات، و300 مدفع مضاد للطائرات، وأنواع أخرى من القذائف المضادة للطائرات.

وكان مئات المقاتلين الفلسطينيين من المخيمات قد انضموا إلى المعارضة المسلحة فى دمشق وحلب وإدلب ودرعا ودير الزور وحتى الحدود السورية - العراقية، وفى الشمال الشرقى السورى حيث تتركز القوى الكردية، وكأنه إعلان حرب فلسطينية شاملة على نظام الأسد، وتبعا لذلك على حليفيه اللصيقين حزب الله وحركة أمل الشيعيين فى لبنان، ولاسيما أن التاريخ يذكر أن بداية المواجهة المسلحة مع الفلسطينيين فى لبنان ماقبل الحرب الأهلية كانت بين الفلسطينيين وحركة أمل الشيعية.

ومع استمرار حالات الفقر المدقع، وحصار المخيمات، وقلة العمل أو ندرته، ومع انتشار الأصولية داخل المخيمات، وما يحدث للفلسطينيين فى سوريا، والثأر القديم بين الفلسطينيين وحركة أمل الشيعية وبعدها حزب الله الشيعي، ومع المعارضة الخفية والعلنية من سنة لبنان تجاه حركة أمل وحزب الله، ودعم السنة للفلسطينيين فى مواجهة النظام السورى أو مؤيديه فى الداخل اللبنانى ، ومع استمرار وجود السلاح وزيادته بأيدى الفلسطينيين، تصبح المواجهة بين الفلسطينيين وشيعة لبنان على وشك الانفجار فى اى لحظة، مما قد يعيد لبنان إلى سنوات الحرب الأهلية ولكن هذه المرة بين اللاجئين الفلسطينيين مدعومين من السنة فى لبنان ودول عربية سنية ،وبين والشيعة المدعومين من إيران مالا وسلاحا وخبرة عسكرية.

ومما زاد الطين بلة تجاه مسلحى المخيمات هو هروب قيادات لبنانية بجبهة النصرة إلى داخل مخيم عين الحلوة جنوبى صيدا وهم شادى المولوى وأسامة منصور والشيخ السلفى المتشدد خالد حبلص وذلك بعد معركتى عرسال وطرابلس العام الماضى بين الجيش اللبنانى والمتشددين السنة بطرابلس وسيطرة الجيش اللبنانى على المدينة، حيث فر الثلاثة إلى داخل مخيم عين الحلوة الذى لايستطيع الجيش اللبنانى اقتحامه او اقتحام اى مخيم فلسطينى آخر حتى لاتحدث حرب بين اللاجئين الفلسطينيين المسلحين وبين الجيش اللبناني. وكان الشيخ السلفى المتشدد أحمد الأسير وصديقه المطرب المعتزل فضل شاكر قد فرا إلى عين الحلوة أيضا بعد مواجهة مسلحة ودامية بين أنصارهما وبين الجيش اللبنانى مدعوما من حزب الله ، وهؤلاء جميعا مطلوبون للجيش اللبنانى بتهمة مقاومة السلطات وحمل السلاح والإخلال بالأمن وقتال الجيش اللبناني. وبالرغم مما سبق تنفى القيادات الأمنية الفلسطينية بالمخيمات أن يكون أى من المطلوبين موجودا داخل عين الحلوة،وهو أمر لايمكن التأكد من صحته فى ظل التوتر القائم منذ سنوات بين الفلسطينيين والجيش اللبناني.

وينفى قائد قوات الأمن الوطنى الفلسطينى فى لبنان اللواء صبحى أبو عرب أن تكون أجهزة الدولة اللبنانية قد طلبت منهم تنفيذ أية خطوات جديدة أو اتخاذ أى تدابير بالتزامن مع إعلان وزير الداخلية اللبنانى نهاد المشنوق عن وجود لداعش داخل المخيم، مؤكدا أنّه يتم عقد اجتماعات متتالية بين قادة الفصائل والقوى المعنية داخل عين الحلوة لاستيعاب أى تطورات مفاجئة فى ظل وجود جماعات فلسطينية متعاطفة مع داعش والنصرة.

وبالرغم من التنسيق الأمنى المعلن بين الطرفين-الجيش اللبنانى والقيادات الأمنية الفلسطينية إلا ان الدعوات تتزايد لتسليم المطلوبين،فى ظل أخبار متواترة من داخل المخيمات وخارجها تؤكد تجنيد داعش والنصرة لشباب فلسطينيين من داخل المخيمات خاصة عين الحلوة أكبر المخيمات الفلسطينية فى لبنان،بوازع دينى ظاهرى وبحاجة مادية ملحة خفية فى ظل الظروف المعيشية السيئة داخل المخيمات.

ومع الاعتقاد الذى يشبه اليقين بأن المخيمات الفلسطينية مثلها مثل المدن السنية كطرابلس وصيدا هى بيئة حاضنة ونشطة جدا لداعش والنصرة داخل لبنان ،يظل اللاجئون الفلسطينيون محل شبهة وإن كانوا منها براءة ،ولذلك يشدد الجيش اللبنانى من قبضته الأمنية على مداخل ومخارج المخيمات تحسبا لدخول أى مطلوب او خروج انتحاريين فلسطينيين لمساعدة داعش والنصرة فى شمال لبنان أو البقاع حيث يتمركز حزب الله،وذلك خوفا من انفجار الوضع بين الطرفين،فهل تظل الحال كما هى عليه من الشك والريبة بدلا من مساعدة الفلسطينيين على متاعب الحياة؟

المصدر موقع الاهرام