الصباح : 2-4-1429هـ - 8-4-2008 م
كتب - جادالله صفا :
تسعة وعشرين ساعة على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية، الى اقصى نقطة بغرب الكرة الارضية، على شاطيء للمحيط الهادي في دولة تشيلي، وصل 39 لاجئا فلسطينيا، الاصل من حيفا، ثمانية عائلات عاشت سنوات قهر بمخيم في داخل الحدود السورية، هربا من مليشيات الموت، التي لاحقتهم بمدن وشوارع وازقة العراق، فبحثوا عن مأمن، عسى ان يجدوه بسوريا الشقيقة، اغلقت كل الابواب امامهم، ليكتشفوا بعد سنوات القهروالظلم، ان تشيلي اكثر اخلاصا لفلسطين من سوريا، واكثر انسانية، احتضنتهم كما تحتضن الام ابنها الرضيع، ذرفت دموع التشيليين كما ذرفت دموع الفلسطينيين، فرحا ام حزنا لا اعرف، ولم تذرف دمعة مواطن عربي، هي المأساه، المأساة بكل ما بها من معاني، ماساة شعب فقط يبحث عن وطنه، الذي تامروا عليه اوروبيين، صهاينة وعربا.
لماذا سوريا لم توافق على استقبال اللاجئين الفلسطينيين؟ ولماذا لم تحتضنهم كما احتضنتهم تشيلي؟ اللاجيء الفلسطيني هو ليس كاللاجيء العراقي الذي سيعود الى بلده، فهي مسألة وقت فقط، سيعود اكيد اللاجيء العراقي الى بلده حال انتهاء الاحتلال الامريكي، واستقرار الوضع بالعراق، وبسط سيادة عراقيه على ارضه، اما اللاجيء الفلسطيني اقتلعته مؤامرة غربية صهيونية من ارضه وطردته، وترفض عودته، تامرت عليه الامم المتحدة، وتامرت عليه الدول الغربية، تامرت عليه الحكومات العربية، وتامرت عليه الصهيونية، شركاء بالمؤامرة، شركاء بالمأساه، شركاء بالجريمة.
ثمانية عائلات فلسطينية لم تجد لها ثمانية بيوت بسوريا لتسكنها، ولم تجد لها بيوتا على مساحة عشرة ملايين كيلومتر مربع من الارض العربية، سبحان الله كم كانت ارضنا العربية صغيرة، سبحان الله، ضاقت عليهم الدنيا ولم يجدوا الا تشيلي، فالكرم التشيلي كان ارقى من الكرم العربي بشكل عام، وارقى من كرم سوريا الوطنية، سوريا الام، سوريا الثورة، سوريا الصمود، سوريا التحدي، سوريا العزة، سوريا الكرامة، سوريا الوحدة، سوريا الحرية ، سوريا الاشتراكية.
لماذا نقلوهم الى تشيلي وقبلهم نقلوا اخوة لهم للبرازيل؟ ليعودوا الى فلسطين؟ من سيطالب بحقهم بالعودة؟ ابحث عن الكلمات فلم اجد الا كلمات الالم والقهر والعذاب، كلمات التحدي، ولكن تحدي من؟ واتساءل، هل سوريا عدوتنا، اجيب طبعا لا، ولكن لماذا لم تسمح لثمانية عائلات بالبقاء على ارضها وتسهل لهم الحد الادنى من متطلبات الحياة؟ اذن سوريا عدوتنا ومتامرة، اراجع نفسي واقول لا ليست متامرة وليست عدوة، فهو مستهدفه من قبل امريكا واسرائيل، وهناك احتمالات كبيرة لضربة موجعة لها قد تكون قريبا، وهذا ما جعلها غير قادرة على احتضان ثمانية عائلات فلسطينية خوفا على مصيرهم، اذن هي وطنية! فهل ساسمح لنفسي بالوقوف الى جانب امريكا واسرائيل في حال وجهوا ضربة لسوريا؟ طبعا لا، لاني هكذا ساكون عدو عروبتي وقوميتي الى جانب امريكا واسرائيل، اذا ما هو المخرج؟ بالتاكيد الاخوة اللاجئين وصلوا الى تشيلي وهم يدركوا انهم تركوا وراءهم اخوة يعانوا نفس المعاناه، يدركوا جيدا اخوتنا اللاجئين الجدد بتشيلي، ان اي ترحيل لهم او طردا ليس امامهم الا المحيط الهادي، وان عودتهم الى الخلف هي بمواجهة عدوهم، فمن سيسمح لهم بالعودة؟ هل شركة الطيران الفرنسية ستسمح لهم بالطيران على شركتهم لتعيدهم الى فلسطين؟ هل ستسمح لهم الدول العربية بالهبوط على اراضيهم؟ بالتاكيد لا يوجد امامهم وامام شعبنا الفلسطيني الا ارادة واحدة، ارادة النضال ومواجهة الاعداء مهما كثروا ومهما تامروا ، ولن تكون وجهتهم ووجهتنا الا فلسطين.
جاد الله صفا
كاتب فلسطيني مقيم بالبرازيل