كانت اجابته صادمة، إذ بعد
أن القى علي محاضرة في "الوطنية"، اتبعها بمحاضرة عن البراغماتية،
وضرورة أن يتعامل الإنسان مع واقعه دون عواطف أو شعارات، أضاف قائلا إنه إذا رفض
حق التعويض المالي، فإنه سوف يخسر المال، وفي الوقت ذاته، لن تعود فلسطين، ولن
يكون هناك حق عودة، فلماذا لا يأخذ المال، أمام هذا الواقع؟.
يصر صاحبنا، غفر الله ذنوبنا
وذنوبه، ان هذا رأي الأغلبية وهو رأي لا تعلنه جهارا، كونه محرجا من جهة، وكون
الأمر لم يصل أساسا إلى التلويح بمبالغ مالية للاجئين الفلسطينيين، في العالم، أيا
كانت جنسياتهم، مصرا على أن الصورة سوف تتضح فقط، حال الإعلان عن مبالغ مالية،
قائلا إن من يقولون لك اليوم لا، سيعودون ويقولون نعم.
لم يعجبني كلامه ابدا،
وحاولت أولا أن احدثه عن الرأي الديني الذي يحرم مثل هذا المال، وليصحح لي علماء
الشرع، إذا كنت مخطئا، وإذا ما كان مسموحا، اخذ مال التعويضات في سياقات التنازل
عن حق العودة، فلم يستمع إلى أي مفردة، وذريعته في هذا، أن الامتناع عن أخذ مال
التعويضات، لن يؤدي إلى تحرير فلسطين غدا، وان المرء إذا رفض المال، سيخسر فرصته
فقط في تعويض القليل من خسائره بعد اللجوء.
أريد أن اسأل كثيرين، إذا ما
كانوا حقا، يقبلون هذه التبريرات، أي أن فلسطين ذهبت، وان الامتناع عن أخذ مال
التعويضات في حال تم التوصل الى صيغة بشأنها، مجرد خسارة، ولربما يجيب كل انسان
على هذا السؤال بينه وبين نفسه، خصوصا، ان التعويضات هنا، لو كانت مرتبطة بحق
العودة، لكانت مفهومة، لكنها منفصلة، ومقابلها سيتم طي حق العودة ؟.
تعويضات اللاجئين، إذا تم
التوصل اليها، في مرحلة ما، من نوعين، الأول تعويضات الأفراد والعائلات، والثاني
تعويضات الدول المستضيفة، خصوصا، ان كل الدول المستضيفة، تقول انها تعرضت الى
أعباء اقتصادية، بسبب ملف اللاجئين، وعلينا ان ننتبه هنا، إلى أن تعويضات الدول، لن
تختلف عن تعويضات الافراد، فهي ستأتي من اجل التوطين النهائي للاجئين، وطي ملف
العودة، تماما، والوصول إلى تسويات بشأن هوية الافراد اللاجئين، على الصعيد
السياسي، وعلى صعيد تعريفات العيش والتواجد، في دول كثيرة.
في كل الحالات، لا يمكن
تعميم هذه الحالة، على عموم الذين قد تعرض عليهم تعويضات، لكنني احض أي مركز او
جهة ان تجري استطلاعا حول نسبة الذين يقبلون بتعويضات مالية، مع ربط الحصول على
التعويضات النهائية، بعدم وجود حق عودة، وان يتم اختيار عينات بأعداد كبيرة،
ومنوعة في كل جوار فلسطين المحتلة، وان تضمن هذه الجهة إجابات صريحة، من الذين يتم
استطلاع رأيهم، دون خوف احدهم، أو حذره، أو شعوره انه قيد الامتحان او التوريط لأي
سبب كان، من اجل الاطلاع على الخلاصات النهائية، بهذه الطريقة المختلفة.
كل الفعاليات السياسية
والشعبية من اللاجئين الفلسطينيين في دول جوار فلسطين، وفي العالم، تتحدث عن حق
العودة، ولا تجد أي صوت هنا، يؤيد شطب حق العودة، وهذا أمر مقدر ومفهوم، كون
الإصرار على حق العودة، أمرا طبيعيا، لكن نريد ان نناقش هنا، التعويضات المالية،
اذا أصبحت هي الخيار الوحيد المتاح للافراد والجماعات، دون حق عودة، وإذا ما كان
الرفض سوف يتواصل، ام أن الشعور بكون الرفض مجرد عدمية غير منتجة، هو الذي سوف
يسود في تلك اللحظات، بحيث نرى قبولا لحق التعويض المالي، دون عودة ؟.
ما يقال هنا، ان اغراءات
المال، خطيرة جدا، وان بيع فلسطين قد لا يكون في حالات كثيرة عبر بيع قطعة ارض
مباشرة لـ"إسرائيلي"، إذ ان الحصول على تعويضات مالية، مع شطب حق
العودة، يعني أيضا، بيع كل فلسطين، والتوقيع عليها شعبيا، بعد ان تم التوقيع عليها
رسميا.
هذا ملف حساس، لا بد من
مناقشته في هذا التوقيت بالذات، وهي مطالعة تأتي هنا، لاعتبارات كثيرة، وليس مجرد
معالجة عابرة لملف تجري مناقشته منذ عقود بلا فائدة.
المصدر : جريدة الغد الأردنية
28/7/1440
4/4/2019