ومن النتائج المباركة لهذه الانتفاضة أن أصبح لأول مرة "قرابة ثلثي الإسرائيليين يؤيدون الانسحاب من الأحياء العربية في مدينة القدس، ويوافقون على قيام دولة فلسطينية ".
لكننا
في وقفتنا المبدئية والعاطفية مع أبطال فلسطين نواجه باستمرار حقائق العلاقة المتناقضة
بين العراقيين والفلسطينيين والمتمثلة بتعاطف فلسطيني مع قتلة الشعب العراقي، وردة
فعل عراقية مماثلة وإن كانت محدودة. وقد حاولت في مقالتي "الوجه الآخر للموقف
الفلسطيني.. بحاجة لتوضيح بلا تأخير"
(2)، استثارة الجانب الفلسطيني لإثارة إشكال
العلاقة غير المرضية بين الفلسطينيين من جهة والعراقيين والسوريين من الجهة الأخرى.
كتبت:
"نعاني، نحن المدافعون عن القضية الفلسطينية في العراق، والتي تتفق مع مبادئنا
الإنسانية تماما ولا نستطيع ان نتخلى عنها دون ان نتخلى عن مبادئنا نفسها، نعاني من
معضلة الموقف الفلسطيني الشعبي من قضايا الشعبين العراقي والسوري." مشيرا إلى
الموقف الفلسطيني بتأييد صدام حسين وعزت الدوري ... وحتى "داعش" التي تعيث
في العراق فساداً وجرائم لا يستطيع أن يقف معها إلا إنسان فقد عقله وضميره تماماً.
وينطبق ذات الأمر على الجانب السوري، حيث يتضح مستوى التناقضات بشكل أشد، وأصعب تفسيراً،
خاصة وأن داعش وجهات المعارضة السورية ذات علاقات وطيدة بإسرائيل، وأنها في الحقيقة،
فرقة كوماندوز إسرائيلية، لا تكاد تخفي حقيقتها.
إننا
مؤمنون أن العرب يواجهون حقاً مؤامرة إسرائيلية مرعبة، والعراقيون يتحسسون علاماتها
وهي تمرر من تحت البساط. فحين نرى مسلسلات متتالية تخص العراقيين اليهود دون غيرهم،
وحين تدبج فجأة المقالات عن وزير المالية العراقية السابق، اليهودي ساسون، ويكال له
المديح بأمانته وعلمه وكأن لم يكن في تاريخ العراق شخص أمين، دع عنك من ضحى بحياته
من اجل العراق، وحين يطرح التساؤل عمن أفضل الفاسد المسلم فلان أم اليهودي ساسون، وحين
تكون ممثلة الاتحاد الأوروبي في العراق، رئيسة سابقة لجمعية صداقة إسرائيلية أوروبية،
وحين لا تكاد تشاهد في قناة فضائية عراقية أثراً لأخبار جرائم إسرائيل مثلما تشاهدها
في أي مكان آخر في العالم وووو وأشياء أخرى كثيرة.. فمن الحمق ألا نلاحظ أذرع الأخطبوط
الإسرائيلي حول العراق.
أما في
سوريا فالأمر مباشر تماماً.... وأما في فلسطين فلا يحتاج الأمر إلى كلام.
واستجابة
للدعوة لتحليل وإصلاح الخلل، أرسلت لي الصديقة "هناء الجابري" مجموعة مقالات
تبين الوجه الآخر للموقف الفلسطيني. فـتحت عنوان "ليس كل الفلسطينيين «داعش».."
(4)
تحدث عبد الرحمن نصار عن ثورة "محبي فلسطين، وباغضيها على حد سواء، حينما يسمعون
عن مقتل فلسطيني مع تنظيم «داعش» أو «جبهة النصرة» في العراق أو سوريا" مشيراً
إلى أن أغلبية داعش هم "من جنسيات المتحدثين أنفسهم"، مستدركاً "أن
هذا لا يبرر عملية التحريض المذهبية الجارية في عدد من التنظيمات الفلسطينية."
ومنبها بأنه "لو أن لـ «داعش» مشروعاً لقتال إسرائيل، ما «هرب» أحد من غزة ليلتحق
بهذا التنظيم"! ملقيا باللوم على "من ينعى من الفلسطينيين، المقتول على أنه
«شهيد» ترك «أرض الرباط» ليجاهد «الجهاد الأكبر» ضد «أنظمة طاغية ومستبدة»"
ويرى
أن اقتراب بعض الفلسطينيين من «داعش» كان "بسبب اختراق التوجهات السلفية لمجتمعهم،
وهو داء أصاب المجتمعات العربية بلا استثناء" ومنذ 11 أيلول وتعاطف الفلسطينيين
مع تنظيم «القاعدة»، والذي نما خلال الاحتلال الأمريكي للعراق، ثم فشل الربيع العربي،
وغياب الأفق لحل قضيته، مما ثبت في ذهنه "أن فلسطين لن تحرر إلا إذا سقط «الطواغيت»
وقامت الخلافة.
وينبه
نصار إلى استباحة داعش لدم اللاجئين في مخيم اليرموك (سوريا) بعد تكفيرهم، لنشهد قيام
بعض الغزيين ممن التحقوا بـ «داعش» بتسجيل تهديد مصور لشعبهم في غزة، يتوعدونه فيه
بـ«بحور من الدم»!
وكتب
صديقي فاتح الخطيب رداً على مقالتي، حاول فيه تفسير الموقف الفلسطيني والعربي تجاه
العراق وصدام حسين بشكل خاص: "لا زلت اذكر تلك الليلة التي ركضنا بها انا واصدقائي
حفاة الى أسطح المنازل لكي نراقب الصواريخ في سماء الاردن، والتي أمطر بها صدام حسين
الكيان الاسرائيلي، وكنا كلما شاهدنا وميض صاروخ تطير قلوبنا من الفرح لتأخذ تلك الصواريخ
معها كل الظلم والكره والغضبة لتدك مدن ذلك الكيان الغاصب. وكان ذلك سنة 1991, حيث
هي المرة الاولى التي يتجرأ زعيم عربي منذ حرب تشرين بالتغريد خارج النص. وقتها شعرنا
كفلسطينيين بان الطريق للعودة الى فلسطين أصبح قصيرا....... لكن الصواريخ توقفت ولم
نعد لفلسطين."
ثم تحدث
عن أساليب صدام حسين ودفع مبلغ 25 ألف لكل فلسطيني تقوم إسرائيل بهدم داره، وهو ما
يجعل من الصعب رؤية الحقيقة المقابلة. وقال بأنه بقي يجهل الظلم الذي كان صدام حسين
يسلطه على الشعب العراقي حتى تحدثنا بالأمر وأخبرته بأن صدام حسين بالنسبة للعراقيين
كشارون بالنسبة للفلسطينيين... "فلم يبق اي أثر لتلك البطولة لصدام حسين في عقلي
وفي قلبي"
ثم تحدث
عن حرب العراق – إيران وكيف صور الإعلام العربي صدام كحام للعرب من "الفرس المجوس"،
وألقى بالكثير من اللوم على المثقفين العراقيين الذين لم يتصدوا بشكل كاف لهذا الأمر
ولم يشرحوا للعرب حقيقة ما يجري في بلادهم..."وبالتالي فان جيلا كاملا قد ولد
وتخرج من الجامعة في كل الوطن العربي ضن هذه المعطيات". ليكمل محادثا المثقفين
العراقيين: "وبالنسبة لي كفلسطيني لا أحمل في قلبي وعقلي الا الحب للشعب العراقي
وعدائي المطلق لصدام حسين، وقد لا يقل كرهي عن كرهكم له.... وهنا امد يدي لكم طالبا
منكم جميعا العون حتى نجد الطريقة المثلى والسريعة لردم الهوة بيننا كشعبين عراقي وفلسطيني،
فان حجم المؤامرة أكبر بكثير من ان يتصدى كل منا لها لوحده، بل نحتاج لتكاتف الهمم
حتى نتجاوز هذه المرحلة الصعبة. ولن اقول (يا وحدنا) كما قال درويش، بل اقول يا كلنا،
لأننا إذا خسرنا سوف تهزمون وان خسرتم فسوف نهزم وان صمدنا فسوف تنتصرون، وان صمدتم
فسوف ننتصر، فالنصر لنا ولكم.
كذلك
جاء في بعض التعليقات على المقالات المنشورة حول الموضوع، إضاءات مهمة، فحين أشار حيدر
الهلالي إلى أن "ليس الموقف من صدام فقط بل هناك مئات الانتحاريين الفلسطينيين
الذي فجروا شوارع العراق"، رد فاتح الخطيب بأن "كل الانتحاريين الفلسطينيين
والعراقيين على حد سواء والذين يفجرون أنفسهم في العراق ضالون او مضللون". وقد
أردف رأيه هذا بدعمه في قصة قصيرة سنشير إليها في نهاية المقالة.
وأشار
البعض إلى أن نسبة الفلسطينيين بين الإنتحاريين في العراق هي الأعلى، فرد عليه آخر
بمقالة للأخ علاء اللامي
(5) كتب فيها أن "أصدقاء إسرائيل من حملة الجنسية العراقية
لا يحتاجون لحجة أو "سبوبة" كي يكرروا الدعوة للاعتراف بدولة العدو
"إسرائيل" وعقد معاهدة صداقة معها كما بشر بذلك رائدهم مثال الآلوسي ، ولكنهم
يكررون على سبيل التعلة حجة وجود انتحاريين فجروا أنفسهم في العراق من الفلسطينيين"
...."لهؤلاء جميعا نكرر ما قالته إحصائيات غربية المصدر، واعترافات مجرمين
...أكدت أن الانتحاريين والمقاتلين في صفوف داعش من حملة الجنسية التونسية يأتون في
المرتبة الأولى يليهم السعوديون وفي إحصائيات أخرى يأتي السعوديون في المرتبة الأولى
يليهم التونسيون ، فالجزائريون فالمغاربة .. إلخ.
وأجاب
البروفسور مصدق الحبيب بأن "ارتفاع العدد في تونس والسعودية لا يبرر مطلقا قبول
العدد مهما كان من فلسطين"....
وكتب
منير التميمي أن ما يثير اهتمامه ليس موقف "مرتزقة البارزاني و متلقي عطايا وزارة
الخارجية الاميركية من زعاطيط ال NGO و جماعة
مثال يعالون الالوسي و بقية ببغاوات الليبرالية العراقية المائعة" وإنما التناقض
عند "العراقي الذي يعيش انفصاما بين حبه لنصر الله الملتزم انسانيا و اخلاقيا
و وطنيا و قوميا و دينيا و مذهبيا بفلسطين و قضيتها"..."و نفس العراقي الذي
يرفع شعار معاداة الفلسطينيين"، و" العراقي الذي يهتف بحياة الخامنئي أو
يقلده ... هو نفسه الذي يخالف ...التوجه الخامنئي خصوصا في ما يتعلق بفلسطين"
وتساءل حسن نجم "اليوم انا عندي كم من الأصدقاء الفلسطينيين في المهجر وكلهم رأوها صورة وصوت جرائم صدام ولكنهم يرددون كما يردد خطباء منابرهم ويمدحون صدام ويعتبرونه رمزا"، مستنكرا أن يكون الـ 25 ألف، مبرراً لقبول الظلم.
وكتب
صديقي شيروان محمد أن "محاولات رأب الصدع بين اي شعبين على وجە الارض امر محمود
من منطلقات انسانية قبل اي اعتبار آخر فما بالک بين شعبين تجمعهما اواصر الدين والتأريخ
واللغة المشتركة. لکن ارى في مقال السيد فاتح الخطيب تجنيا فاضحا بحق مثقفي العراق،
لقد دفع العشرات منهم حياتهم والمئات منهم قبعوا سنوات طوال في سجون الطاغية وتشرد
الآلاف منهم في بقاع الارض فهل يعقل ان يکون الاخ صائب خليل المثقف المعارض الوحيد
الذي کان يمکن ان يلتقي بە لو أراد؟".
نعم نوافق
شيروان ان المثقف عموماً يتحمل قسطه الكبير من جهل من يحيط به، ولا يشذ عن ذلك المثقف
الفلسطيني أو العربي.
وأخيراً،
كتب فاتح الخطيب قصته المعنونة "دمى آدمية"
(6) يكشف فيها الطرق التي يتم
بها تجنيد البسطاء من الفلسطينيين والعرب في الدول التي تتواجد فيها بصمة وتأثير إسرائيليين،
وهي قصة تستند إلى وقائع حقيقية كان صديقي فاتح الخطيب دور البطولة فيها كما أخبرني
قبل فترة طويلة محذراً أياي مما يحدث، وهي جديرة بالقراءة والنشر على أوسع مجال لتحذير
ضحايا الابتزاز من البسطاء مما يخطط لتحويلهم إلى انتحاريين، يفجرون انفسهم وضحاياهم،
ويفجرون كذلك العلاقات داخل الشعب العربي، فتضرب إسرائيل بهم سرباً من العصافير بحجر
واحد!
في الختام،
سألني أحد المعلقين وقد رأى إلحاحي: شبيك كاتل روحك؟ أنت فلسطيني؟
وهنا
مر أمام عيني مشهد الإسرائيلية التي تستقبل قوارب اللاجئين السوريين والعراقيين عند
شواطئ اليونان وهي تضع على صدرها شارة (IsraAID)! (7) فتذكرت
افلام تشريد الفلسطينيين قبل سبعين عاماً، وأجبته: ستعلم أننا "فلسطينيو"
المرحلة القادمة، لكن ربما بعد فوات الأوان، فالمرحلة القادمة قد بدأت بالفعل!
وتذكرت
خاتمة مقالة صديقي فاتح الخطيب حين قال: "إذا خسرنا سوف تهزمون وان خسرتم فسوف
نهزم. وان صمدنا فسوف تنتصرون، وان صمدتم فسوف ننتصر".
صائب
خليل