انا من هناك ... انا من هنا
ولست من هناك ... ولست من هنا
لي اسمان يلتقيان ويفترقان
ولي لغتان , نسيت بأيهما
كنت احلم
مع القدس , فضية النبر
لكنها لا تطيع مخيلتي
قلت : والهوية ؟؟
فقال : دفاع عن الذات
ان الهوية بنت الولادة ولكنها
في النهاية ابداع صاحبها
لا وراثة الماضي ... انا المتعدد
في داخلي , خارجي المتجدد ...
لكنني , انتمي لسؤال الضحية
فاحمل بلادك انى ذهبت
وكن نرجسيا اذا لزم الامر
(محمود درويش)
ما الولاء؟؟!! ماذا تعني الهوية؟!! كيف يكون الولاء... ولمن ؟؟! كيف تحقق انتماءك ؟!! هل الانتماء مجرد بطاقة هوية للتعريف؟!! هل هويتك تحدد اتجاه ولاءك ... وكيف ؟ !! بطاقة الكترونية تجيز لك التنقل واجتياز الحدود مسافرا : هل تلغي تاريخك العاطفي والحسي كاملا ؟!! أبواب التغريب ... والفلسطينية تحديدا ,شاهقة ومتسعة .. لكنها مفتوحة وبلا أرقام سرية , تستطيع الدخول منها , باختيارك أحيانا ومجبرا أحيانا أخرى , ومن كل الاتجاهات تأتيك رياح التغريب وأنت في محيطك اليومي , تتسلل في ذاتك وبين أنفاسك وتحيل تواصلك مع العالم إلى نبضات مبعثرة ولهاث سريع متواصل بحثا عن بقايا ذات أوشكت على الاختفاء أو تكاد تمضي إلى حيث لا تريد ...
لكن للانتماء بوابة واحدة , ضيقة... وأرقام دخولها السرية تقبع فيك .. في قلبك ... بسيطة شفافة ...لكنها هلامية أحيانا .. مفتاح التعامل مع الانتماء والدخول في مضامينه يكمن في القلب .. وإدراك المعنى يجسده العقل ويكرسه السلوك وينميه الوعي ولا ينخر مع الزمن ولا تحيده أو تدمره الأزمات ... والانتماء وعي قبل ان يكون اي شيء .. أخلاقي وحضاري وتربوي.... لا تستطيع شراءه .. كما انك قد تخفيه لفترة ..لكنك لا تستطيع ركنه وإهماله إلى الأبد .. ولا تستطيع بيعه للغير ... أو تأجيره ..
أن تكون منتميا مؤمنا وتحدد اتجاه سهم ولائك يعني أن تراقب ذاتك وتوظف جزءا من وعيك حارسا أمينا عند بوابة الدخول فيه ليكون بمثابة مصيدة للمتسللين ومصفاة تنقية الثيمات والعناصر الداخلة ولا تسمح إلا للايجابي المضي بالعبور ... تمنع أو تحاول عزل كل السلبيات والشوائب العابرة ... وما أكثرها .. لأنها ستفسد انتماءك وتلوث ولائك .
نعم قد تحتاج لفصول من الجمر وسنوات من الصبر وقرارات صارمة ... وقد تأخذ منك العمر كله ... لكن .. لا مناص من ذلك .. فالتغريبة الفلسطينية خاصة جداً ، وليس لها مثيلا ... وهكذا الانتماء ...وهكذا الهوية ....
ماذا يعني حصل الفلسطيني فلان على الجنسية ..... الفلانية ؟؟!! ورقة مطوية أو بطاقة تعريف حصل عليها الفلسطيني المغترب بعد أن قضى فترة معينة في هذه الدولة أو تلك تحت عنوان لاجئ ثم مقيم كي يمنح بعد ذلك صفة مواطن في تلك الدولة.... أن تحصل على الجنسية السويدية أو الأمريكية أو الكندية أو النرويجية ... أو .. أو أي جنسية أخرى , بعد اجتيازك المدة المحددة والاختبارات القانونية المتبعة , هل يعني تغييرا في انتماءك ؟؟!! هل يعني تبديلا في مكنونات ذاتك ؟!! هل يعني تحديثا الكترونيا لحسك الوطني أو الانتمائي ؟!! هل ينهي علاقتك بالجذور وتصبح ... سابقا ؟!! هل يعني إلغاءا لكل أرشيفك الوجداني حسيا وعقليا ؟
هل يعني استدراك عقلك للشروع في التماهي والتفاعل مع الهوية الجديدة؟!! سأقترب أكثر ... افترض انك حصلت على الجنسية السويدية وصادف أن لعب المنتخبان الفلسطيني والسويدي مباراة دولية هامة بكرة القدم ... ستشجع من؟ .. وستصفق لمن ؟!! وان لعب المنتخب السويدي مع منتخب عربي آخر ؟ أين سيذهب تشجيعك ؟؟ وان كانت المباراة مع منتخب غير عربي ...لمن ستصفق ؟؟ الإجابة بسيطة ... وتحديد اتجاه التعاطف والتشجيع سيكون سهلا .. لكنه سيكون حادا أيضا ، ومفصليا وقطعيا .... صحيح ان تجسيد الانتماء وعمق الولاء واتجاهه لا تعكسه أو تحدده أو تعرفه مباراة بكرة القدم ... ولكن .. من اصغر التفاصيل تستطيع أن تستكشف اشد الأمور عمقا وتستنتج حقيقتها وتؤسس وتبني معرفتك القادمة عن الأشياء مهما كان صنفها استنادا لتفصيلة بسيطة لكنها عميقة كهذه ...ثم هل ستعتبر نفسك خنت الهوية الجديدة واحنثت اليمين وخالفت القسم , إن طرت فرحا بصورة لا إرادية لمجرد دخول هدف لفلسطين في المرمى السويدي ؟؟!! أم سيوخزك ضميرك وتؤنبك ذاتك إن حزنت وبشدة عند انتهاء المباراة بفوز السويد على فلسطين ؟؟!!!
هي بسيطة ... وصغيرة وتفصيلية في العمق .. لكنها حقيقية وصادقة .. لأنها تبدأ من هناك... ومن هذه الجزئية المضيئة بشدة هناك : في القلب : عواطفك .. أحاسيسك ... مشاعرك .. هل تتبدل مع الهوية ؟!! هل هي كبسة زر فيتجه الولاء من اتجاه إلى آخر ؟؟!! هل الانتماء للمكان بعد الإقامة فيه سيحدد قطعا طريق الولاء وكيفيته وعمقه ؟!! يعني .. ان تحمل الجنسية الأمريكية مثلا .. هل ستكرس ولائك لها ... وكيف..؟!! أنت كفلسطيني .. دخلت أمريكا لاجئا فمقيما ثم أصبحت مواطنا أمريكيا ... هل ستثلم فلسطينيتك ؟!! هل سيخبو ولائك ؟!! لمن سيكون نشيدك الوطني ؟؟!!
الإجابة ليست صعبة .. وهناك ألاف الحالات التي يمكن أن تندرج هنا ضمن الإجابة لكني ساكتفي بمثالين واقعيين قريبين جدا من الحقيقة بل قد يجسدان الحقيقة ...
الدكتور ادوارد سعيد ... فلسطيني نصراني من القدس ... ولد لأب فلسطيني أمريكي وأم لبنانية أمريكية .. عاش ومات في أمريكا ... كان أديبا ومفكرا وسياسيا وأكاديميا يتكلم سبع لغات وحصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد ... تمحورت معظم اهتماماته السياسية والمعرفية حول القضية الفلسطينية والدفاع عن الهوية والشرعية الفلسطينية .. له خمسة عشر كتابا أكثر من نصفها عن فلسطين والقضية الفلسطينية .. كما كتب عن الصهيونية ونشأتها بين الغرب و حاضر في اكبر جامعات أمريكا والعالم عن نظرة الغرب وأمريكا إلى العرب والإسلام والمسلمين ... وهو نصراني .. كان منتقدا قويا لسياسة الحكومة الأمريكية وموقفها من القضية الفلسطينية ومن اشد المعارضين لاتفاقية أوسلو واعتبرها صفقة خاسرة للفلسطينيين بل انه أسس مع الدكتور حيدر عبدالشافي والدكتور مصطفى البرغوثي والأستاذ إبراهيم القاق
(المبادرة الوطنية الفلسطينية) كحركة سياسية فلسطينية تهتم بالنهوض بالشخصية الفلسطينية وإجبار العالم على الاعتراف بالفلسطينيين كونهم قادرين على تحمل مسؤولية قيادة دولتهم الفلسطينية من سياسيين ورجال إعلام وثقافة وإداريين .... ادوارد سعيد أمريكي بالولادة والانتماء والهوية والمفترض أن يكون ولائه لأمريكا ... لكن لان له جذور هناك في فلسطين .. وفي القدس بالتحديد كرس جل اهتماماته ونشاطه الفكري والسياسي لفلسطين... فهل يعني ذلك انه خان الهوية وافسد الانتماء ؟!! بالتأكيد لا .. وقطعيا .. لا ألا يوجد أمريكان .. وان كانوا قلة .. من المناصرين والمدافعين عن القضية الفلسطينية ؟!! هؤلاء القادمون من أوروبا من الذين يناصرون القضية هناك في الضفة والقطاع .. هل هم من فلسطين أصلا ؟؟!!حتى مع بدايات انطلاق المقاومة الفلسطينية المسلحة شارك الكثير من الأوروبيين ومن اليابان في العمل الفدائي المسلح بل و في خطف الطائرات في السبعينات من القرن الماضي... هل كانت لهؤلاء جذور فلسطينية ؟!!
أن تدرك الحقيقة وتحاول إشهارها وإيصالها إلى كل العالم بطريقتك التي تعرفها لا يعني انك نقيض ولائك وعكس انتماءك وبالضد من قسمك .. ماذا كتب على شاهد قبر الايطالي (فيتوريو اريغوني) الذي قتل في غزة قبل أشهر ؟؟ هذا الايطالي الذي ترك بلده وعائلته ليستقر في فلسطين حتى انه اشترى بيتا في رام الله وبقي ناشطا ضد الصهيونية وإسرائيل وجرح في غزة عام 2007 بطلقات إسرائيلية وعولج هناك وأبعدته إسرائيل لكنه عاد إلى غزة .. وبقي فيها حتى في الحرب الطاحنة عام 2008 ورفض مغادرتها .. فيتوريو كان يضع على ساعديه حنظلة وكلمة ( المقاومة ) باللغة العربية .. وعندما قتل في غزة شيعه الآلاف هناك ونعشه مغطى بالعلمين الفلسطيني والايطالي ..وعندما دفن في ايطالي لم يكتبوا على قبره فيتوريو الفلسطيني وإنما كان على شاهد قبره (الصليب) ... لكنه قتل من اجل فلسطين ..فهل كان بالضد من انتماءه .. وهل نكث الولاء ؟!!
عندما ندرك ان لفلسطين بعدا إنسانيا كقضية ولها عمقا تاريخيا في صميم الذات الإنسانية نعرف ان الولاء والانتماء لا يخضعان لقانون الرقم الوطني او بطاقة التعريف الالكترونية المشفرة .... بل يعني انك كمسلم عربي فلسطيني تعيش مع قضية ذات بعد إنساني عميق ولك جذور فيها ولها جذور فيك ... وان ولائك من المفترض أن لا ينحرف عنها وبوصلة انتماءك يجب أن تحيد عن عمق انتماءك الفلسطيني أولا ... والفلسطيني أخيرا .
احمد أبو الهيجاء
29/7/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"