أغلى ما يملكه الناس- ياسر الماضي

بواسطة قراءة 5915
أغلى ما يملكه الناس- ياسر الماضي
أغلى ما يملكه الناس- ياسر الماضي

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:-

فإن جميع الناس شركاء في ملكية تتوزع عليهم بالتساوي رؤساء ومرؤوسين أغنياء وفقراء صاحب وطن أوعدمه ، لا يأخذ أحد أكثر من غيره هو كنز ثمين بل هو أثمن ما يملكه إنسان في هذه الحياة ولعظم أهمية هذا الكنز العظيم فإن الله تعالى أقسم به في أكثر من مكان في القرآن الكريم قال تعالى عنه:

{ والعصر} وقال تعالى {والضحى والليل إذا سجى }وقال تعالى{ والفجر وليال عشر} إنه الوقت أيها الأخوة الذي اقسم الله تعالى به والله عندما يقسم بشيء من مخلوقاته  فإنما يدل على عظمته وأهميته وكيف لا يكون مهماً وقد جعل الله تعالى عباداتنا مرتبطة بالوقت كالصلاة والصيام والحج والزكاة وكل هذه العبادات تعلمنا على النظام و احترام الوقت وعلى الاهتمام والاعتناء به كأغلى ما يملك إنسان فإن كل لحظة تمر منه لا يمكن أن تعود أو تعوض يقول الحسن البصري في وصف الإنسان , الإنسان بضعة أيام كل ما مضى يوم, مضى بضع منه .

فكل يوم يمضي فإنما مضى جزء منا لن يعود في هذه الحياة أبدا وكل يوم يمضى وليس فيه زيادة إيمان بالله وليس فيه زيادة تحصيل للعلم وليس فيه طاعة لله فهو يوم مضى في خسارة من أعمارنا والله تعالى يقسم {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} فإن من صفات الزمن انه سريع الفوات فمن بلغ سن العشرين يسأل نفسه كيف مضت السنون وكذلك من بلغ سن السبعين يقول عن عمره كأنه مر سحاب  كيف لا ونبي الله نوح عليه السلام الذي عاش ألف سنة إلا خمسين وهذا عمره الذي دعى به قومه يقول عن سرعة انقضاء عمره كأنما دخل من باب وخرج من باب آخر.

فيجب على الإنسان أن يقف لحظة تفكر وتأمل يسأل نفسه كيف سار هذا العمر وإلى أين يسير وماذا يحمل معه وكيف ستكون النهاية نعم أيها الأخوة علينا أن نضع أعمارنا في الميزان ونعيد الذاكرة للخلف ونحاسب أنفسنا ونلومها على ما فرطت وقصرت وضيعت من أيام وسنين من دون فائدة , يقول النبي عليه الصلاة والسلام ( نعمتان  مغبون فيهما  كثير من الناس  الصحة والفراغ )رواه البخاري.

فقد يكون الإنسان يمتلك الصحة ولكنه مشغول طوال الوقت ليس لديه فراغ وقد يكون غنيا ولكنه لا يملك الصحة فعندما يكون الإنسان يملك الصحة والفراغ  وطبعه الكسل والخمول وكل وقته يصرفه باللهو واللعب والسهر بدون فائدة  فهذا هو المغبون لأنه لم يقدر هاتين النعمتين العظيمتين التي أنعم الله بهما عليه , فوقت الإنسان هو ملكه يصرفه حيث شاء ولكن هذه الملكية لن تمر دون سؤال كما انه سيسأل عن باقي أملاكه يقول النبي عليه الصلاة والسلام( لا تزول قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ  اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ) رواه الترمذي.

وأعتقد أن الصفة الغالبة اليوم عن فلسطينيي العراق هو الفراغ  وهذه نعمة كبيره وكنز عظيم يجب أن نستغله ونستثمره  فكثير من الناس في هذا العالم محروم من هذه النعمة فهو مشغول طيلة اليوم كعقارب الساعة لا يعرف الراحة غير وقت النوم فعلينا أن نغتنم هذه الفرصة قبل فواتها ونستفيد من هذا الفراغ قبل أن يأتي يوم تشغل فيه أو تفقد فيه صحتك أو يأتينا الموت بغتة فلا يدري احدنا متى تنتهي ساعته فها نحن ما يمر أسبوع في هذا الموقع إلا ونقرأ عن  وفاة أحد من الناس فهل نحن بعيدين عن هذا الأمر وهل حرصنا على هذه الأوقات؟!

ومن الأقوال المأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لرجل : (اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وفراغك قبل شغلك ، وغناك قبل فقرك ، وشبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك)أخرجه الحاكم , فكم من أوقات تهدر وكم من شباب ضاعت أوقاتهم وقوتهم  بدون فائدة وكم من أموال ضاعت بدون فائدة وكم بيننا من كبار السن وهم لحد الآن تضيع أوقاتهم الثمينة جدا ورغم كل إشارات الإنذار العديدة التي أرسلت إليهم ولكن الغفلة والتسويف فقد شاب شعرهم وتجعد وجههم وضعفت قوتهم فمتى ستقول كفى لضياع الوقت فلم يبق منه بيدك كثير فاحذر من سؤال وعتاب الله لك { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}فاطر37 يقول سيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ,الناس في غفلة فإذا ماتوا انتبهوا,ويقول الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شي من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة "ويقول الحافظ ابن حجر (العاقل ينبغي له إذا أمسى لا ينتظر الصباح وإذا أصبح لاينتظر المساء ويظن أن أجله مدركه ).

 فمن خلال الحياة والتجربة نجد أن كثير من الناس كلما كبر سنه  كلما زاد سعيه وحرصه وتعلقه في ممتلكاته التي تعب وسهر من أجل جمعها السنين الطوال لظنه أن ما حصل عليه من الصعب الحصول عليه مرة ثانيه وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام  (يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ حُبُّ الْمَالِ وَطُولُ الْعُمُرِ)رواه البخاري فكيف بالوقت الذي يجب أن نعرف أن قيمته اكبر وذلك لأن المال يأتي ويروح أما أعمارنا فهي تروح ولا تأتي.

لذلك يجب علينا أن نحافظ على أوقاتنا من خلال أن يجعل الإنسان هدف مهم لحياته كما قال لقمان الحكيم لولده في قوله تعالى {وأقصد في مشيك} أي يجب أن يكون لك غاية وهدف محدد في سعيك في هذه الحياة ومن أسمى الأهداف أن تفوز بنعيم الحياة الأبدية في الآخرة والنجاة من عذاب النار فيوم واحد فيها يعادل ألف سنة مما نعد من أيامنا في هذه الدنيا السريعة الفانية قال تعالى {وإن يوم عند ربك كألف سنة مما تعدون}الحج 47 فيجب علينا أن نحرص على أغلى ما نملك وذلك في أن نحرص على تنظيم أوقاتنا والاستفادة منها قدر الإمكان ولا نبقى نلعن الظروف التي مرت بنا ونجعلها شماعة نتكئ عليها ونحمل عليها  كسلنا وخمولنا وتسويفنا ولنحاسب أنفسنا ولنزن أوقاتنا وأعمالنا فيها وكما قال علي رضي الله عنه (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني).

فما قيمة هذه الأيام السريعة التي نعيشها أمام ما ينتظرنا من أيام في الآخرة , ومن أهم علامات استغلال الوقت هو أن يبدأ الإنسان حياته من أول طلوع الفجر فعن فاطمة رضي الله عنها وأرضاها قالت مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجعة متصبّحة فحركني برجله  ثم قال (يا بنية قومي وأشهدي رزق ربك ولا تكوني من الغافلين ,فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس , اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك  اللهم  وحسن خاتمتنا  وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 

ياسر الماضي

17/3/2010

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"