عيونهم على فلسطين وحالتهم مأساوية

بواسطة قراءة 9019
عيونهم على فلسطين وحالتهم مأساوية
عيونهم على فلسطين وحالتهم مأساوية

عيونهم على فلسطين وحالتهم مأساوية

المعونات تنفضّ عن فلسطينيي العراق.. فمن ينجدهم؟ 

خالد عزام - بيروت 

لم تنته قضية فلسطينيي العراق بعد.. فمعظمهم ما زالوا عالقين على الحدود. بعضهم مرّ ودخل الأراضي السورية، وآخرون صودر استقرارهم في أي جهة كانت.. فأقاموا في «البرزخ» بين العراق وسوريا. 

نعيش في «البرزخ».. قال ابن مخيم التنف. 

إنه البرزخ الذي يُقيم بين «جحيم» العراق و«جنة» الشتات. بالتناقض العبارة (جنة وشتات)، وباب الشتات الجديد بالنسبة إلينا هو الحدود السورية، التي أصبحت مزاراً للوفود الأجنبية من مفوضية اللاجئين والسفارات الاجنبية سعياً إلى ترحيلنا صوب أبعد «جنة» ممكنة. 

يقيم مخيمنا؛ التنف يا أخي، قرب «الصراط» الدولي، الذي تنهبه عجلات الشاحنات ولا يفصل أطفالَنا عنه سوى شريط قماشي لا يردّ اندفاع طفل ولا يحمي من تدهور شاحنة. 

إنها الحدود، ليست كـ«حدود» دريد لحام، بل هي حدود من نوع آخر. مخيم يَقْليه الصيف ويجمده الشتاء في دورة موسمية. بل حتى هناك دورة يومية يقليه فيها النهار ويقرسه الليل. هي «برزخنا» الذي يقع بين نقطتي الحدود السورية والعراقية. 

هناك في مخيم التنف، يا له من مخيم قماشي يقف منتصباً بين الثلوج التي تمنع القادمين من الوصول إليه وبين تسع حرائق تناوبت عليه منذ «الهروب الكبير» لفلسطينيي العراق. 

لم نكن نعرف أن هناك ما هو أقسى من اللجوء والنكبة، اللجوء موجود في العراق، كما هو موجود في سوريا، فأين نحن الآن؟ وماذا يسمّى المقيم بينهما؟ إنه الفراغ السحيق، بل قل: اللاوجود في أجندة هذا العالم!

محمد البخوري
محمد البخوري رئيس لجنة مخيم التنف

   
محمد البخوري من عين غزال، قضاء حيفا، انتقل مع عائلته من العراق إلى مخيم التنف. هو الآن رئيس لجنة المخيم. ملّ من حكاية التهجير والوصول إلى المخيم، تخطّاها سؤالنا عنها سريعاً إلى وضعهم الحالي. الواجب الآن هو تأمين الحال، قبل المطالبة بالعودة. محمد يحفظ المخيم عن ظهر قلب "350 شخصاً كنا قبل ثلاثة أشهر، نحن الآن 587 شخصاً، فينا 200 امرأة و170 طفلاً"، ويخجل من كون أهل المخيم لا تستطيع الدول العربية أن تستضيفهم في الوقت الذي تزورهم فيه وفود تشيلية وبرازيلية مع مفوضية اللاجئين
"هربنا من العراق، وكل واحد منّا لديه قصة شهيد أو مخطوف، يحملها على ظهره ويضعها كل مساء بين عينيه، يبكي ذكرياتها، لكن.. لا تعني النجاة من الميليشيات أن نقع ضحية «برد» الصحراء وحرائقها. والصحراء هناك لا تبخل"عليهم بالعقارب والأفاعي، وفيضانات الشتاء وثلج هذا العام، وتسع حرائق حتى الآن، آخرها كاد يودي بالمخيم بأكمله " لو لم يقم الشباب بعزل الحريق عبر هدم الخيام المحيطة به لكانت احترقت خيمات المخيم الـ145.. مع أن إحدى الحرائق أكلت من المخيم 37 خيمة". 
رئيس اللجنة، بات همّه، بعد أن فقد الأمل بحلّ مشكلة العالقين، أن يحسّن من ظروف حياتهم ليتجنب حرق العشرات واختناق المئات كل مرة. ويطالب العرب بعتب شديد بستر " أطفالنا ونسائنا المرميين قرب الشارع العام عند الحدود، فالذي يعمل للقضية الفلسطينية عليه العمل على ستر نسائه وأطفاله أولاً.. هذا عتبي على كل من يقول أنا عربي". 
ينبّه البخوري إلى أن المستوى التعليمي لأهل المخيم عالٍ، وأن عدداً من الأساتذة تطوع بالتعاون مع الأونروا لإنشاء مدرسة في الخيام ويتم التدريس فيها حالياً حتى الصف التاسع، حقق الطلاب تفوقاً نسبياً على مستوى مدارس الأونروا في سوريا، حيث تقدّم طلاب «التنف» للامتحانات الرسمية. 
نكبات يومية 
" نريد أن نشعر أننا نتحرك ونغيّر هذا الجمود.. إن " جابوا" أكل ومساعدات أكلنا وإن ما جابوا ما أكلنا.. هل يُعقل أن يعيش أكثر من خمسمائة شخص على المساعدات دون تأمين عمل ومصدر رزق؟!». ما يعنيه رئيس لجنة المخيم تحقق، لم تصلهم المساعدات عندما غمرت الثلوجُ الطريقَ الموصلة إليهم، لعدة أيام غطت الثلوج طريقهم حتى 50 سنتم.. «لا تحكموا علينا بالإعدام في الصحراء.. نناشد كل العالم.. نحن لا نريد شعارات، نحن نريد التطبيق». يُطرق قليلاً ثم يقول بحسرة: " هل يعقل أن يكثر الطلاق بين المنكوبين (نكبة بعد نكبة) وتصل حالات الإجهاض إلى 25 حالة بسبب الحصار ونقص العلاج الذي لا يصل إلا بصعوبة". 
نحو الترحيل 
" الترحيل هو الحل"، مفوضية اللاجئين تزور المخيم وتخطط لترحيل يشبه ترحيل «الرويشد». هل سيرفض أهل المخيم هذا المشروع بعد تجربة البرازيل؟ "حينما تضيق الدول العربية بخمسمئة لاجئ، لا يمكنها أن تعتب على الفلسطيني حين يختار الهجرة، الفلسطيني الذي يعيش في جزر القمر لن ينسى هويته وقضيته، وأفدي فلسطين بأهلي وروحي.. لكن لا يعني أن أموت مشرّداً في الصحراء" . 
مخيم "الهول"  
أما مخيم «الهول» فقد وصلوه بعد "أهوال"، والهول الواحد هيّن نسبياً، ولكنه يبقى «هولاً» واسماً على مسمى!  ابن الرملة محمود صيدم، رئيس لجنة مخيم الهول في محافظة الحسكة يفرّق بين وضع مخيمهم ووضع مخيم التنف «فنحن – أولاً – صرنا في أمان داخل الحدود السورية، بعيداً عن دمشق 750 كلم، عند الحدود العراقية من جهة الموصل. كما أننا – ثانياً – لا نسكن الخيام، بل نسكن في بناء من الحجر المسقوف بالزينكو والفايبر. قامت ببنائه حركة «حماس» بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة. لكنه كان بناءً "على العظم"، نحن أكملنا الكهرباء وأعمال الصحية وغيرها.. من خلال بعض التبرعات التي وصلتنا من مؤسسات الإغاثة..".
محمود صيدم
محمود صيدم رئيس لجنة مخيم الهول
صحيح أن حالة مخيم الهول أقلّ مأساوية من مخيم التنف، إلا أنهم يواجهون بعض المصاعب والعقبات الحياتية "المدارس عندنا للصف التاسع فقط، مع العلم أن عندنا بنت اسمها آمال احتلت المرتبة الأولى على المحافظة في البكالوريا، ستتوقف الآن عن الدراسة، كما هو حال الجامعيين في المخيم.. لدي ولدان توقفا عن الدراسة لعدم توفر صفوف عليا أو دراسة جامعية".
هذا، فضلاً عن مشكلة العمل "لا يمكننا أن نعمل باختصاصاتنا، فنتوجه إلى العمل الحرّ، في الزراعة ورعي الغنم، تصور عندنا الآن أربعة مهندسين وطبيبان، اشترى كل واحد منهم عشر غنمات، ليرعاها ويستفيد منها، تعال عندنا وشوفهم: الدكتور محمد راعي غنم، المهندس مثنّى راعي غنم، المهندس علي محمود يعمل مزارعاً في الحسكة".. هل نقتنع ونقول: هذا هو مستقبلنا؟؟ يخشى صيدم من أنّ تحسُّن حالهم كمخيم بدأ ينقلب عليهم، حيث خفّ الدعم عنهم، ولم يعد كما كان في السنة الأولى، رغم أن الأعباء زادت والمدخول يقارب الصفرويحصي رئيس لجنة مخيم الهول سكان المخيم "كنا أكثر من الآن، لكن قسماً من السكان «زهق» ورجع إلى التنف أو الوليد، على أمل أن تَحلّ مشكلتهم بعض السفارات الأجنبية، لم يبقَ منا سوى 308 أشخاص فقط، وقد ولد بيننا خمسة عشر طفلاً نالوا لقب «نازح ابن لاجئ» ويعيشون معنا في تلك الصحراء".
هل يفكرون في العودة إلى العراق؟ وما هي احتمالات قبولهم بذلك؟ 
"لو شفت اللي شفناه ما بتسألنا هالسؤال! أنا شخصياً عندي سبعة شهداء من عائلتي وأقاربي. أما أختي فبعد أن قتلوا زوجها طردوها من منزلها وصادروه، ثم سألوا عني، وصرت مطلوباً لجيش المهدي، وبقيت متخفّياً عدة أشهر، ولم يضطرني لترك العراق سوى الخوف من انتهاك العرض وقتل الأولاد وسلب المال والطرد.. تركت كل شيء لتنجو عائلتي.. وحالتي مثال على حالات أفظع في المخيم".كان أملنا أن نهاجر إلى بلدنا – يقول صيدم – "فلسطين أوْلى بِينا" ولكن بعد ستين سنة في العراق "طلعنا صفر اليدين، بلا هوية أو جواز".
المساعدات  

ماذا يفعل بالثلاجتين من لا يملك طعاماً؟!

وماذا سيفعل بالغسالتين من لا يملك ثياباً؟!

لا يحتاج أهل المخيم إلى أدوات منزلية وحاجات يومية، إنهم يحتاجون إلى مال يستطيعون من خلاله تدبير وإدارة شؤونهم، تحضر لهم الجمعيات طروداً غذائية وبعضها يحاول أن يكون أكثر كرماً، فيتنافسون في تقديم هذه الأدوات.. والأكثر إيلاماً أن بعض التجار صار يعرف بالأمر، فيسأل وينتظر وصول المساعدات "ليشتريها بأرضها وبنصف ثمنها" مستغلاً حاجة أهل المخيم للمال!"كنا نطالب بترشيد المعونات والمساعدات، ولكن الآن نطالب بإعادة النظر، لقد تركتنا الهيئات الإغاثية بعد السنة الأولى، ولم يعد يزورنا أحد سوى لجنة من حركة حماس في مخيمات حلب ولجنة أخرى من مخيمات حمص، وما زالوا مستمرين وجاؤوا يوم العيد وأحضروا لجنة إغاثة تركية وقدموا لكل عائلة خروفاً وطرداً غذائياً وألف ليرة سورية".

الجدار الأخير  
 أخيراً، هل سيقبل الفلسطينيون الترحيل؟ لقد خسروا حتى الجدار الأخير، كانوا يأملون أن تقوم الدول العربية بإيوائهم، لكن المأوى جاءهم من خلف البحار.البحر هذه المرة، أمامهم.. أما خلفهم فجدار هدّته الإرادة الأمريكية والمصالح الصهيونية والتقصير العربي.. والبحر الذي سيركبونه إلى تشيلي لن يحرقوا فيه سُفُن العودة بل ستبقى راسية في الموانئ بانتظار العائدين..
سكان مخيم التنف في ازدياد  
   زيادة سكانية واضحة، بعد عشرين يوماً من مقابلة رئيس لجنة مخيم التنف محمد البخوري، وفي أثناء إعداد التقرير، اتصلنا بالناشط الفلسطيني تامر أبو الحسن الذي غادر العراق سابقاً، ويعمل بين دمشق والحدود السورية العراقية في إغاثة ورعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين النازحين من العراق، فأكد أن عدد سكان المخيم أصبح 660 نسمة (بعد أن كان 587 نسمة منذ عشرين يوماً) . "لاحظنا زيادة عدد سكان مخيم التنف أخيراً، بسبب انتقال بعض النازحين إليه من مخيمات وأماكن أفضل حالاً منه. وذلك بسبب الإشاعات والأخبار التي تنتشر حول أسباب الزيارات المتكررة لمفوضية اللاجئين، وأنهم يعدّون العدّة لنقل عدد من سكان المخيم إلى دولة تشيلي، كما نُقل نازحو مخيم الرويشد إلى البرازيل".وهل هذه الإشاعات صحيحة؟نعم صحيحة – يقول تامر – وقد حضرت لجان من المفوضية وأجرت لقاءات مع 120 شخصاً، وأعدّت تقاريرها، وستتم الموافقة على معظم الأسماء خلال أيام ليجري العمل على نقلهم خلال شهر آذار/ مارس إلى تشيلي..