من مخيم اليرموك في دمشق (الأخبار)
أمل شاهين , أنس زرزر
دمشق لعلّه فصل جديد من الفصول التي كانت ولا تزال تطارد الشعب الفلسطيني أينما حاول الاستقرار وبناء حياته من جديد . أبطال الفصل الجديد هذه المرة هم فلسطينيو العراق الذين هربوا في لجوئهم الجديد ، من جحيم العراق إلى الأراضي السورية ، ليقبلوا بظروف معيشية تحت خط الفقر بمراحل عدة ، بعدما فضّلوا الفقر مع الأمان ، على العيش الكريم المرافِق للخوف والقتل على الهوية ، أو التهديد المستمر بالموت .
الحكاية بدأت عام 2003 ، مع الاحتلال الأميركي للعراق ، الذي لم يكن مفترق طرق للعراقيين فحسب ، بل كان إيذاناً ببداية عهد جديد بالنسبة إلى فلسطينيي العراق أيضاً ، باعتبارهم جزءاً من المجتمع العراقي . هاجر عدد من العائلات الفلسطينية عام 1948 إلى مدن العراق ومحافظاته المختلفة ، ووصل عدد أفرادها قبل الاحتلال إلى نحو 35 ألفاً ، وهو من أقل أعداد اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية . ومنذ عام 2003 ، والفلسطينيون في حالة نزوح مستمر من العراق هرباً من آلة الموت الطائفية . هاجر أكثر من 400 عائلة فلسطينية من مناطق مختلفة من بغداد ، جراء التهديدات الطائفية والأحقاد والضغائن العنصرية القديمة ، أو لأغراض مادية محضة . لكن المواطن العراقي ، إذا تعرّض لظلم وتضييق أو اضطهاد ، يمكنه مغادرة بلاده بنحو قانوني ، بعكس الفلسطيني الذي لا يجد أمامه سوى الصحراء ، ولا يسمح له بدخول أي دولة بنحو قانوني ، إلا في حالات فردية نادرة .
جزء من الفلسطينيين في العراق نزحوا إلى الأراضي السورية ، شأنهم شأن العراقيين ، وهم ينقسمون إلى فئتين : أفراد الفئة الأولى دخلوا سوريا كلاجئين فلسطينيين ، وبناءً على ذلك استُقبلوا في مخيمي على الحدود السورية ـــــ العراقية ، هما «التنف» و«الوليد» ، وفئة ثانية دخلت سوريا ، كلتا الفئتين تعيش الآن الظروف المأساوية نفسها .
أبو موسى من أوائل فلسطينيي العراق الذين لجأوا إلى سوريا ، ليعيش هناك بصفة لاجئ ، لكن مع «وقف التنفيذ» ؛ فهو وغيره ، لا يُعترف بهم كلاجئين عراقيين أو لاجئين فلسطينيين ، لكونهم غير مسجلين في «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) ، بعدما رفض الرئيس العراقي السابق صدام حسين، تسميتهم لاجئين ، على اعتبار أنهم «ضيوف» و«أخوة» . عن ذلك ، يقول أبو موسى لـ«الأخبار» : «طلبنا من منظمة التحرير الفلسطينية ما يثبت حقنا ومرجعيتنا ؛ لأن الحكومة السورية غير معنية سياسياً أو تنظيمياً بنا ؛ فالمسؤول عنا مباشرة هو منظمة التحرير» . وأكد أنه التقى العديد من المسؤولين الفلسطينيين وقادة التنظيمات المختلفة وشرح لهم ظروف نحو 3000 فلسطيني هجروا العراق ، ويعيشون المعاناة نفسها . لكن الرجل يجزم بأنه «لا أحد من المسؤولين استجاب لمطالبنا» . معاناة ما أصبح يُسمّى في المخيمات «فلسطينيي العراق» ، تضاعفت بعد تصاعد حدة الأحداث والأزمة السياسية في سوريا ، عندما تحوّل مجرّد نزولهم من منازلهم للتجول وقضاء حاجاتهم ، مغامرة قد لا تُحمد عقباها ، خشية أن يوقفهم حاجز أمني ، عندها يخضع الفلسطيني لمزاجية رجل الأمن السوري ، وفي أحيان كثيرة يتعرضون للتوقيف ريثما تفهم حالتهم وتجاوزهم لقانون الإقامة على الأراضي السورية .
عن ذلك، يشير أبو وعد ، وهو أحد الذين تعرّضوا لمساءلات أمنية في سوريا ، إلى أنه «لدى وصولنا إلى الأراضي السورية من طريق محافظة الحسكة، قدموا (السوريون) لنا أوراقاً سُمّيت أوراق الحسكة ، وإن كنا غير مقيمين فيها ، وهذه الأوراق تساعدنا على الحركة بنحو طبيعي ، لكن ليس قانونياً» . ويوضح أبو وعد أن المشكلة الحقيقية تكمن عندما «يوقف أي شرطي أو رجل أمن أحداً منا، عندها لا يكون التعامل مع أوراقنا الثبوتية على أساس قانوني ، وخاصة في هذه المرحلة التي تمر بها سوريا ، وبذلك تتحول هذه الأوراق إلى حبر على ورق» .
غياب الأمن والأمان ليست المشكلة الوحيدة التي تؤرق مجتمع فلسطينيي العراق ، فالوضع المعيشي يمثل معضلة إضافية من الصعب تجاوزها . الغالبية العظمى منهم تعيش على المساعدات التي تقدمها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ، وهذه المساعدات مؤقتة ومرهونة بالظروف السياسية . وبذلك ، فإن معظم الفلسطينيين المستفيدين من هذه المساعدات يعيشون تحت خط الفقر. وعن هذا الموضوع ، يعلق أبو موسى ، الناشط في «اللجنة المتطوعة للفلسطينيين العراقيين» ، بأن «70 في المئة من فلسطينيي العراق الذين يبلغ عددهم ثلاثة آلاف ، يعيشون حالة بائسة ، فيما كنا نعيش في العراق حياة كريمة» . ومن فصول المأساة ، أي غرفة في مخيم اليرموك لا تؤجَّر بأقل من سبعة آلاف ليرة سورية (نحو 150 دولاراً أميركياً) ، وخصوصاً بعد موجة الغلاء في سوريا . وإذا اعتبرنا أن كل عائلة فيها خمسة أفراد وسطياً ، والمفوضية تمنح لكل عائلة 6000 ليرة شهرياً مقطوعة (125 دولاراً) ، و24 ألف ليرة كل أربع أشهر (نحو 450 دولاراً) ، فإن ذلك يعني أن كل عائلة تتلقى وسطياً 12 ألف ليرة سورية ، و«ضمن هذه الظروف كيف سيكون مصيرنا ومصير أطفالنا؟» يتساءل أبناء المخيم .
أما بالنسبة إلى العمل ، فهو تحدٍّ آخر لفلسطينيي العراق اللاجئين في سوريا ، وليس أقل صعوبة من تحصيل العلم ، فمن يحالفه منهم إيجاد عمل ، فإنه يعمل بنصف أجرة العامل العادي لعدم امتلاكه أوراقاً رسمية ؛ إذ بات معظمهم عرضة للاستغلال . وحتى تكتمل فصول المعاناة ، فإن المساعدات التموينية والمالية التي تقدمها مفوضية اللاجئين، تتأثر بالوضع السياسي الدولي بحسب رأي أبو موسى ، فهو وغيره يرزحون تحت رحمة مزاجية السياسيين والظروف الإقليمية والدولية .
المصدر : صحيفة الأخبار اللبنانية
العدد ١٦١١ الثلاثاء ١٧ كانون الثاني ٢٠١٢