إن مدينته (...) الموجودة في بلد مسلوحة على شاطىء المتوسط تبدو رمادية حزينة كئيبة تنتظر ما كتب لها في اللوح المحفوظ وتشعرك بالخيبة و الملل، الرياح تهب عليها من الشرق والغرب وتتصادم داخل البحر حاملة معها رائحة غريبة عن السكان..
. يبدو ان هناك ما يلوث البحر... ربما لمدة طويلة... القوم في شغل فاكهون. كان " صلاح الدين" ينهض كل صباح من فراشه ترفرف على وجهه سحابة رمادية هي احيانا حبلى بدموع كثيرا ما تنساب الى أسفل وجنتيه.. العبوس يسيطر عليه لعدة ايام متتاليات..
الأم تبادر الى سؤاله – ما بك يا صلاح؟ ماذا دهاك ؟ مالذي يحملك على ان تعاملنا بهذه الطريقة؟ ما السر في انشغالك عنا كل هذه المدة ؟ هل بدا منا ما يوحي بالعداوة والبغضاء... وإخوانك في الخارج .. إنهم على أحر من جمر... لم يرتاحوا لسلوكك هذا وكثيرا ما يشكونك إلي ... أظن ان لهم الحق كل الحق فيما يساورهم من ظنون ... انسيت ان " الدين المعامل "؟
- اجاب ابنها بعد ان أسبل جفونه نحو الاسفل علامة الاعتراف والحشمة التي يبديها أمام أمه التي يحترمها كثيرا.
- وكيف اضحك وأخرج وامرح وجزء من روحي في يد الأعداء يعبثون ويسرحون فيه على مسمع ومرأى مني "... وراح يسرد حكاية رآها الليلة في الحلم ... أنه رأى فيما يرى الرائي ان هناك رجلا ياتيه دائما وهو نائم مجشما نفسه عناء المشي على طريق مفروش بالاشواك والمكاره ويحكي له حكاية جديدة تختلف عن سابقاتها من الحكايات في الشكل او في المضمون ... وبدأ سرد قصة البارحة.
قال: " قال لي الرسول قبل أن يبدا اظنك تعرف بلادك جهة جهة أم انك تجهل ذلك كما هو حاصل مع البعض لكنهم يعرفون بلدانا كثيرة في الخارج على الضفة الأخرى للبحر.
اجبت بالإثبات....فقال لي لتستمع إلي إذن ..
على الساحل بمقاطعة كذا وكذا ".........." ينام المستنقع الكبير واجد من المناطق البرية التي خاض فوقها "صلاح الدين" ما خاض من معارك ممتدة من قرية..... الى قرية ، وهو منفسح شواطىء عريض ومنبسط يتشكل من أعشاب وحشائش متفاوتة في طولها كتفاوت قامات أهلها وأراضي المروج التي تستغل لرعي الحيوانات المرباة من طرف أغلبية المنطقة وهي نصف مغمورة بالمياه.
المكان مقفر وموحش كله ينعدم فيه خليفة الله على الأرض ... لعله ذهب بحثا عن استيطان مناطق اخرى صالحة لمهمة الخلافة باستثناء صراخ وزعيق بعض الطيور التي استحبت البقاء هنا لعدم وجود الإنسان الذي قليلا ما يرحمها او بعض صيادي المحار الذين حافظوا على مهنتهم القديمة التي رافقت مجىء" الكيان" الى" ارض الميعاد ".
ان البحر هادئا هدوء مستسلم للعبة كانت نتيجة امر قد قدر عندما بدا يخطو خطواته الأولى على الرمال الذهبية أنغرست اقدامه الحافية وشعر بدغدغة شبيهة بتلك التي كان يداعبه بها أبوه في الزمن القديم إنها كانت أيام هناء لم يكن تحمل الحزن والقلق والضجر وكانت المعالم فيه تتجلى بمظهر الكمال على العكس من اليوم إنها تبدو كالسراب.
اخذ مكانه بالقرب من تلك الصخرة المنتصبة على الشاطىء كركيزة مثبتة وسط بيدر والأمواج الهادرة التي تلطمها آلاف المرات كل مطلع شمس ورغم الذوبان الذي يظهر عليها من يوم لآخر سوف تمضي ها هي الحشرات تنخرها وتعبث بها ومع ذلك لا تتخذها سكنا لكنها بدورها لا تطيق فالدنيا "شاري دالة " والأمواج المتعفنة تخرجها نظرا لضرباتها على الصخر وتسلم هي بدورها المكان الى حشرات اخرى من نوع آخر وهكذا دواليك... يتبع ..
20/8/2009
عبد الله بوفولة - الجزائر
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"