ها هي رياح الغربة ترسلك بعيدا حيث تنظر بعينيك فلا تجد الوطن ، فأنت الآن بعيد عن مدينتك وحيك وبيتك وإخوانك وأحبابك ، وها هي اللحظة التي تدير فيها ظهرك لوطن ولدت به واحتسبته وطنك البديل مودعا إياه قد جاءت ، تخطو الخطوة وأختها بأرض لم تكن لك فيها ذكرى ، ولا طفولة ، أو دمعة أو فرحة ، أو حتى إشارة مرور في مدينتك تستوقفك مرارا وتكرارا ، فإذا ما قلبت ناظريك ( يمنة ويسرة ) رأيت ثم رأيت جنة من جنان الله على الأرض إلا أنها ؟؟!! ... تخلو من الإيمان ، بلا روح ، تسكنها الأشباح ، باردة كالصقيع ، كل شيء فيها يضج بالغربة ، السماء ، والأرض ، الصغير, والكبير ، الفقير, والغني ، الحي , والميت .
مما علمتني إياه الحياة من مرارة الغربة أن الإنسان حين يكون غريبا فريدا وحيدا يشعر شعور لا يخالطه أدنى شك أن الدنيا على سعتها باتت صغيرة جدا لكأنه يستطيع أن يضمها في كفة يده ، لا سعة المساحة والمسافة وإنما سعة الشعور حين يشعر به من يحب على آلاف المسافات بعدا ، وأنه أيضا يبادله نفس الشعور ، فخطاب الروح من أقوى العرى وأوثقها ، وهذا من فيض رحمة الله على ابن آدم ، ( فما أجمل أن يكون هناك من ينتظر عودتك ) فهناك الكثير من المواقف التي يقف القلب عندها منكسرا ... متألما ... حزينا ... جريحا ... وتكون لحظاتها قرون ... تحتار الكلمات في وصفها ... أو التعبير عنها ... لهول الموقف ... وفداحة الجلل ... ولا شيء في العالم كله يضاهي ... ألم الفراق ... والبعد عمن نحب .
ومن القصص المدمية للقلب ، هناك قصة استوقفتني كثيرا ، وتفطر قلبي لها ، وأحسست فيها بعظم ألم الفراق ، وفداحته ، نعم قصصنا نحن الفلسطينيون كثيرة ولكن هذه القصة كان وقعها علي مؤثر جدا .
إنها قصة رجل ليس ككل الرجال ، وقائد أرجع ملك قومه ، وذكر في التاريخ اسمه ، هو عبدالرحمن الداخل ... (((صقر قريش))) .
يروى أنه يوما رأى قافلة متجهة إلى الحج وكان هو في الأندلس هاربا هناك من حكم العباسيين الذين أطاحوا ملك قومه ، فحنًّ لأهله وقومه في مكّة ، واشتاق لعماته وأقاربه فيها ، فقال :
أيُّها الراحل الميمم أرضــــي أقري من بعضي السلام لبعضي
إن جسمي كما علمت بأرضٍ وفؤادي ومالكوه بــــــــــــأرض
قُدرَ البين بيننا فافتــــرقنـــــا فطوى البين عن جفوني غمضي
وقضى الله بالفراق علينــــــا فعسى باجتماعنا سوف يقضــــي
يا للوعة الفراق ، وقسوته ، فهل سيظهر في أيامنا هذه أو في زمننا هذا إن صح التعبير رجل مثله ...؟؟؟ أنا لا أظن ذلك .
زهير السبع
24/11/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"