المهاجرون غير اليهود إلى فلسطين المحتلة وعودة سؤال من هو اليهودي ؟

بواسطة قراءة 572
المهاجرون غير اليهود إلى فلسطين المحتلة وعودة سؤال من هو اليهودي ؟
المهاجرون غير اليهود إلى فلسطين المحتلة وعودة سؤال من هو اليهودي ؟

وبرز هذا النقاش من جديد بعد نشر معطيات اعتمدت على "سلطة السكان والهجرة" في وزارة الداخلية "الإسرائيلية"، تشير فيها إلى أن 6 من كل 7 مهاجرين في السنوات الأخيرة هم من غير اليهود، وبعد الضجة التي أثارتها هذه المعطيات أعلنت وزارة الداخلية عن خطأ وقع في المعطيات وأنها ستقوم بفحصها من جديد، وقد استهجنت الوكالة اليهودية هذه المعطيات، مشيرة إلى أن الارقام غير صحيحة، كما خرجت ضد هذه المعطيات منظمات يهودية مختلفة، خاصة في الولايات المتحدة، وشككت في صحتها أو دقتها.

وفي تصحيحها للمعطيات، نشرت "الداخلية" معطيات تؤكد فيها أن 60% من المهاجرين من الاتحاد السوفييتي السابق كانوا من غير اليهود، فيما تصل هذه النسبة إلى 40% من مجمل المهاجرين، واضافت ان 96% و95% من المهاجرين من فرنسا والولايات المتحدة على التوالي هم من اليهود.

وبغض النظر عن دقة المعطيات أو عدمها، فإن هذه الظاهرة قائمة وكبيرة وغير جديدة ومعروفة للباحثين ولأصحاب الشأن في الموضوع.

وقد طرحت عدة توجهات لمواجهة هذه الظاهرة أو المشكلة، حسب نظرة كل طرف لها. ويمكن تصنيف التوجهات على النحو التالي:

الأول: توجه لتعديل "قانون العودة" "الإسرائيلي" الذي يشير أصحابه إلى أن الواقع اليهودي في العالم تغير بسبب الاختلاط من جهة، وهجرة أغلب اليهود الذين يعانون من الملاحقة أو التضييق من جهة أخرى. ويقترح هذا التوجه توسيع القانون المذكور بحيث يسمح لهجرة من هم من غير اليهود حسب الشريعة اليهودية، ولكن لديهم قريب يهودي (خاصة من طرف الوالد).

الثاني: توجه لتسهيل التهويد الفردي، ويشير أصحابه إلى أن الحل لا يكمن في تعديل "قانون العودة"، بل في تسهيل عملية التهويد الفردي وانتقال الفرد إلى اليهودية، وذلك بخلاف موقف المؤسسة والأحزاب الدينية الأرثوذكسية التي تصر على بقاء عملية التهويد الحازمة كما هي، الأمر الذي يصعب عملية التهويد الفردي ويطيل مدتها، ما يمنع الكثيرين من الموافقة على مرورها.

الثالث: توجه لرفض هجرة غير اليهود، وهو التوجه المتشدد الذي يطالب بعدم هجرتهم إلى "إسرائيل" قبل مرورهم بعملية التهويد الفردي في الخارج، وفقط مع تحولهم إلى يهود حسب الشريعة يسمح لهم بالهجرة إلى "إسرائيل".

حجم هجرة غير اليهود حسب "قانون العودة"

النقاش حول هجرة من هم غير يهود لا يتعلق بالهجرة غير الشرعية أو طلب اللجوء، بل يتعلق بغير يهود حسب الشريعة الأرثوذكسية، يهاجرون ضمن موجات الهجرة اليهودية بموجب "قانون العودة" "الإسرائيلي".

وتشير الصحفية جودي ميلتس من صحيفة "هآرتس" إلى أن روسيا وأوكرانيا هما الدولتان اللتان يهاجر منهما العدد الأكبر من المهاجرين حسب "قانون العودة" "الإسرائيلي"، وتبذل السلطات "الإسرائيلية" جهودا كبيرة لحثهم على الهجرة. وعموما، فقد ارتفع عدد المهاجرين إلى "إسرائيل" من 15 ألف مهاجر عام 2008 إلى حوالي 29 ألف مهاجر عام 2018، وأغلبهم من هاتين الدولتين، غير أن ميلتس تستدرك بأن أغلب الذين هاجروا خلال هذه السنوات، لا سيّما من روسيا وأوكرانيا، لم يكونوا يهودا حسب الشريعة اليهودية الأرثوذكسية.

وتذكر في تقريرها أنه في العام 2017، جاء 49% من المهاجرين إلى "إسرائيل" من روسيا وأوكرانيا. في العام 2018 وصلت نسبهم إلى 57%، وفي النصف الأول من العام 2019 وصلت نسبتهم إلى 68%، بمعنى أن اثنين من كل ثلاثة مهاجرين جاءوا من هاتين الدولتين. وتعود أسباب الهجرة إلى الصعوبات الاقتصادية عموما، وإلى الوضع السياسي غير المستقر في أوكرانيا تحديدا. وتشير المعطيات أيضا إلى أنه فقط 7% من هؤلاء المهاجرين أكملوا عملية التهويد الفردي (غيور) وأصبحوا يهودا حسب الشريعة اليهودية.

ويشير شوكي فريدمان "من المعهد "الإسرائيلي" للديمقراطية" إلى أنه في خانة السكان التي تعرّف بأنها "من دون انتماء ديني" ويصل عددهم في "إسرائيل" إلى 450 ألف نسمة، هناك مجموعتان، الأغلبية منهم يعيشون كـ"إسرائيليين" وغير راغبين بأن يتحولوا إلى اليهودية، والأقلية قسم منها مسيحيون لا يعلنون عن انتمائهم الديني، لأن "قانون العودة" لا يعطي الحق لإنسان بالهجرة إذا أعلن أنه ينتمي إلى ديانة أخرى غير اليهودية.

جدول (1): عدد المهاجرين في السنوات الثماني الأخيرة

عدد المهاجرين يهود غير يهود غير مسجلين

روسيا                    56.342                    21.383                 34.662                279
أوكرانيا                  39.740                    13.235                 26.256                249
فرنسا                    30.361                    28.967                    1.168                226
أمريكا                   19.721                     18.608                      915                 198

حاولت الوكالة اليهودية حلّ هذه الاشكالية من خلال تسهيل عملية التهويد الفردي (غيور)، غير أن معارضة الأحزاب الدينية الحريدية، والمؤسسة الدينية الأرثوذكسية، أفشلت هذه المبادرات، ما حدا بعدد من حاخامي الصهيونية الدينية إلى اقتراح بدائل تهويدية مُيسّرة لهؤلاء اليهود، ولكنهم كانوا موضع اتهام من المؤسسة الأرثوذكسية، التي لا تعترف بهذه العملية. في هذا السياق يشير الباحثان يديديا شطيرن ونتانئيل فيشر في مقال نشراه بهذا الشأن إلى الخطورة في اتساع هذه الظاهرة على المجتمع "الإسرائيلي"، حيث إن "السر"، برأيهما، الواقف وراء صمود "إسرائيل" ينبع من نجاحها في "تجنيد الأغلبية في "إسرائيل" لتنفيذ مهمات قومية بدافع الأخوة اليهودية، حيث إنها أكثر قوة من الخلافات الداخلية، ووجود مجموعة هُوية كبيرة غير يهودية في المجتمع الإسرائيلي قد يلعب دورا في اهتراء المناعة، ويضعف الهوية اليهودية للدولة".

ويضيف الباحثان انه في حالة لم يتم حلّ مشكلة "الغيور"، فإن المجتمع "الإسرائيلي" سوف ينقسم إلى مجموعات لا تستطيع الزواج من بعضها، الأمر الذي قد يؤدي إلى شرخ تاريخي لا يمكن تجاوزه، وفي المقابل يشيران إلى أن وجود هذه المجموعة وحفاظها على نفسها كمجموعة مستقلة فتحا المجال لطرح سؤال الدين والدولة في "إسرائيل" بشكل جديّ وحادّ.

ويقول فيشر، المحاضر في الكلية الأكاديمية "شاعري ميداع ومشباط" والمتخصص في قضية الهجرة والتهويد الفردي (غيور)، إن الناس تعتقد أن الهجرة غير اليهودية ميّزت التسعينيات وانتهت، في إشارة منه إلى الهجرة الروسية الكبيرة، ولكنه يؤكد أنه بالذات في الألفية الجديدة يهاجر إلى "إسرائيل" الكثير من غير اليهود في إطار الهجرات اليهودية. ويفسر فيشر ذلك في أن الواقع اليهودي في العالم قد تغير، بسبب الارتفاع الكبير، والذي يصفه بالدراماتيكي، في الزواج المختلط داخل المجتمعات اليهودية في العالم، وتقريبا لكل يهودي هناك قريب عائلة من الدرجة الأولى غير يهودي، ولذا فبطبيعة الحال، حسب رأيه، يستحقون الهجرة لـ"إسرائيل" حسب "قانون العودة".

ويضيف فيشر ان هذه الظاهرة سوف تتسع في السنوات المقبلة، لأنه مع مرور الوقت فإن عدد غير اليهود الذين يستحقون الهجرة إلى "إسرائيل" سوف يرتفع، حيث لم تكن هذه الحال منذ تشريع "قانون العودة" العام 1950، وحتى عندما تم تعديله العام 1970 عندما أضافوا بند الحفيد الذي يستحق الهجرة. وبحسب رأي فيشر فالحل لا يكمن في منع هذه الهجرة بل في ملاءمة "قانون العودة" لها، لأنه برأيه لا يمكن منع هذه الهجرة، إلا إذا قررت "دولة إسرائيل" منح الهجرة فقط لليهودي حسب الشريعة اليهودية، وعندها سيكون الواقع أن يهودا أرثوذكس أو حريديم [متشددون دينياً] فقط يستطيعون الهجرة لإسرائيل.

التوجهات لمواجهة هذه الظاهرة

الحاخام حاييم أمسالم، رئيس منظمة "شعب كامل"، يعتقد أن الحل يكمن في تسهيل عملية التهويد الفردي (غيور) للمهاجرين إلى "إسرائيل"، وحسب رأيه فإنهم يحملون "نسل "إسرائيل""، ويشير إلى أن "إسرائيل"مُلزمة بإعادتهم إلى اليهودية، لذلك لا يقترح تغيير "قانون العودة" لأنه "بقرة مقدسة"، مؤكدا أن هذا الموضوع يجب أن يحظى باهتمام كبير في الحملة الانتخابية القريبة.

في المقابل فإن الحاخام حاييم مركوفيتش من "منظمة حاخامي الجاليات [اليهودية]"، وأحد زعماء المستوطنين، متخوف من هذه المعطيات، ويتهم في ذلك وزارة الهجرة والاستيعاب [عادة لا تكون تحت سيطرة الأحزاب الحريدية]، التي لا تبذل جهودا كبيرة في جلب يهود حقيقيين إلى "إسرائيل"، بل تذهب إلى الأماكن المريحة وخاصة في شرق أوروبا وتقول لليهود هناك إنهم يستحقون الهجرة إلى "إسرائيل"من دون التأكد من يهوديتهم الحقة. ويشير مركوفيتش إلى أن دافع الهجرة من الاتحاد السوفييتي السابق هو تحسين مستوى الحياة وليس بسبب "التوق إلى صهيون" والطموح للعيش في دولة يهودية، لذلك فإنه يقترح التشديد على تعزيز الهوية اليهودية في صفوف اليهود الذين يعيشون في العالم، وفقط بعد ذلك منحهم حق الهجرة إلى "إسرائيل". ويقول في هذا الصدد: "يجب منع الاختلاط، وإذا نجحنا في ربطهم بإسرائيل، فإنه نجاح مضاعف". أما بالنسبة لغير اليهود الذي هاجروا إلى "إسرائيل"في إطار "قانون العودة"، فإن مركوفيتش يقترح تهويدهم من جديد إذا أرادوا العيش كيهود في إسرائيل، وهي طريق طويلة ولكنها مهمة، مثلما يحدث، برأيه، مع كل من يطلب أن يكون مواطناً أميركياً، وعليه أن يمر بمرحلة طويلة ليصبح كذلك.

أما نعمة كيلر، من معهد "ريئوت"، فتقول إنه إذا كان اليهود في الخارج هم مجرد "لحم للهجرة"، فإن الكثير من "الإسرائيليين" سيقولون "لا تجلبوا لنا لحماً من نوع بخس". ووفقاً لكيلر لم يعد ينظر اليهود في العالم إلى دولة "إسرائيل" على أنها ملجأ، فغالبية اليهود في العالم لا يواجهون تهديدات وجودية، ومع انتهاء الهجرتين الروسية والاثيوبية لا يتم التعامل مع "إسرائيل" على كونها ملجأ، ولذلك تقترح كيلر التفكير من جديد في معنى الهجرة ودوافعها، والتركيز أكثر على تحسين علاقة "الإسرائيليين" مع يهود العالم وليس العكس.

أما الباحث شوكي فريدمان من "المعهد "الإسرائيلي" للديمقراطية" فإنه يستحضر وثيقة "غبيزون- ميدان" التي اقترحت تغييرات في "قانون العودة"، وتمكين الهجرة لإنسان والده أو والدته يهودية، ولكن ليس لمن علاقته باليهودية ترتكز على الجد أو الجدة. لذا يقترح فريدمان تغيير بند "الحفيد" في "قانون العودة"، حيث يؤكد أن هذا البند جاء في السبعينيات عندما لم تكن هناك رغبة لدى الكثير من اليهود للهجرة إلى "إسرائيل". أما اليوم فالوضع تغير وأصبحت "إسرائيل" مكاناً يرغب الكثير بالهجرة إليه بسبب تحسن الأوضاع الاقتصادية فيه، لذلك يقترح تعديل القانون، وفي رأيه فإن "إسرائيل"لا تريد يهودا جاءوا للبحث عن السكن بداخلها (يقصد من يهاجر لتحسين أوضاعه الاقتصادية) بل من يهاجر إليها لدوافع صهيونية أولاً وقبل أي شيء.