قلتُ لها مالكِ يا حلوتي أراكِ ساهمةً ,, وبَرأسكِ للأرض مطرقة ,, مالكِ يا جميلتي ,, ما بكِ يا حلوتي ,, أراكِ شاردةُ الذهنِ ,, وعيناك تقطران دمً ,, لما حين ترفعي جبينكِ إلى السماء ,, وي كأنك تفتشين عن نجمةٍ قد تاهت بالفضاء ,, أو كأنك تنبشين بخيالك الماضي بحثاً عن شيءً غالٍ عليك ,, أو أنه كان عندك أغلى الأشياء ... قولي بُنًيتي أهو ثمين ,, سُرِقَ مِنكِ أو أنكِ أضعتيهِ منذُ سنين ,, تكلمي فَبصمتكِ هذا لجدكِ تَقتلين ,, وأنتِ بهذا تعرفين ,, يا روح روحي يا سمرائي يا بسمتي ,, أجيبني فأنتِ منذُ الأمسِ لا تتكلمين ,, حبيبتي غداً عيدنا ,, فأخبريني بكل ِ ما تودين ,, وجميع ما تحبين ,, أمريني وأنا بطيب خاطرٍ سأُلبي كلَ ما به تأمرين ....
قولي يا أميرتي ولا تتردي ,, قولي وزيدي بطلباتكِ وتتدللي ,, قولي بل أمريني يا سلوتي ومهجتي ,, تكلمي يا بسمتي في غربتي ,, قولي يا عكاز روحي وقلبي وشيبتي ,, قولي … فغداً عيدك وعيدي وعيد كل المسلمين ...
قالت جدي قل معي .. الله أكبر .. قل معي يا جدي .. آمين ,, لما تريديني أن أقولها يا صغيرتي ,, قالت كنت أنا وصديقتي ,, زميلتين في صف واحد ,, نلهو ونلعب ونجلس على ذات الرحلة في المدرسةِ ,, كان هذا من قبل ثمانية سنين ,, قامت صديقتي ,, لترسم على السبورةٍ ,, بأقلام الطباشير ,, علمٌ للعراقِ ,, وأنا أرسم بقربه علمٌ فلسطين ,, وحين نفرغ من رسمهما ,, اتفقنا سراً بيننا ,, أن نرسم بينهما سعفةً نخلٍ يعانقها غصن زيتون ...
وفي حصة درس الرسمِ ,, القدر أن أكون في الإدارة ,, لطلب إجازةً عاجلة لمرض ألم بي ,, فإذا بدوي انفجار هَز مدرستي .. صرت أبكي .. أصرخ .. أنادي .. فلا مجيب ,, فقلت في سري ,, أين أنت يا جدي ,, كن معي يا ربي ,, فأنا أخاف البقاء لوحدي ,, لأنه تبخر كل من كانوا حولي ,, فقد خطفتهم يد المنون ,, والريح الصفراء عمت المكان ,, والدخان الأسود عطل حركة المكان ,, فلم يغادرني ألاً وقد مليء صدري ,, بعدما سرق شرائط ظفائر شعري ,, وكان ينعق في الجوِ ,, غراب أسود حط فوق رأسي ,, بلمح البصرِ فَرً بعيداً ,, بعدما خطف بمخالبه ,, حقيبتي ودفاتري وطفولتي ...
جدي .. لأعلم لي هل مضى عليَّ ,, وأنا على حالي ,, هذا ثواني أو سنين ,, راح الدخان شيئا فشيئاً ينجلي من حولي ,, تاركاً خلفه رائحة غريبة ,, أظن أنها رائحة الموت ,, لأن يا جدي للموت رائحة ,, تملأ للآن صدري ,, وللموت يا جدي أنين ,, أسمعه يزعق في أذني للحين ...
جدي .. رحت أعدو نحو صفي ,, فلم أجد منه شيئاً في مكانه ,, فقد أصبح أثراً بعد عين ,, جدي ,, انعقد لساني ,, احتبس صوتي ,, همت على وجهي ,, ابتلعت دموعي ,, صرخت تعال يا جدي ,, ناديت كن معي يا ربي ,, جدي هالني ما رأيت ,, جدي .. لم أجد صفي ,, وكأننا كنا ندرس في العراء ,, جدي .. لم يبقى من كل مدرستي ,, سوى سبورة صفي ,, جدي صدقني ,, رأيتها معلقة بين الأرضِ والسماء,, وكفاً لزميلتي ما زال زغب الطبشورِ عليه ...
جدي .. كان كفها ملتصقاُ ,, على السبورة غارقاً بالدماء ,, وكأنها انتهت تواً من خط كلمة الله أكبر ,, في وسط العلم ,, فرحت أردد بصوتي المحبوس ,, وأنا أخط على جدار التاريخ بالطبشورِ ,, كلمة الله أكبر .. الله أكبر على من فعل هذا بها وبنا ,, قل معي يا جدو آمين ,, قلت خلفها وأنا يعتريني خجل النساء ,, لأني أحسست بأن رجولتي غادرتني .. آمين بنيتي .. آمين ...
قالت يا جدي قل معي آمين ,, قلت على ماذا أقول آمين ثانيةً ,, قالت جدي أتمنى ,, بل أريد حين أكبر أن أكون محامية ,, لأن كلُ ما فيََّ يعاديهم ,, و لأني يا جدي أريد أن أقاضيهم ,, و لا أريد منك شيئاً هذا العيد يا جدي ,, سوى قفازين صوف ( أكفوف ) لأن كفيَّ ما دفئتا منذ سنين ,, والصقيع مقيم فيهما في كل الفصول ,, وكلما أهم بالكتابة على ألورق ,, أشعر وكأن أصابعي أقلام طباشير ,, وكل ما حولي سبورة معلقة بين السماء والأرض ...
جدي قل معي آمين ,, جدي قل الله أكبر ,, على كل من تسبب بقتل زميلتي ,, الله أكبر على من مزق حقيبة مدرستي ,, الله أكبر على من سرق شرائط ظفائر شعري ,, الله أكبر على كل من خضب ( مريلتي ) ,, قبل صفي ومدرستي بالدماء ,, الله أكبر على من اغتصب الفرحة من طفولتي ,, قل الله أكبر على من جفت ضمائرهم ,, وكانوا سبباً بإغلاق مدرستي من غير اقفال ,, قل الله أكبر على من مرغ بالوحل والدم براءتي .. جدي قل معي آمين ,, قلت لها .. بنيتي سأبقى أردد ما دمت حياً ,, الله أكبر ,, وآمين .. آمين .. آمين ...
بقلم / جمـــال أبــو النســــــب
الولايات المتحدة الأمريكية / كاليفورنيا
3/11/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"