في غزة الناس تتساقط كأوراق الأشجار - ناصر إسماعيل جربوع

بواسطة قراءة 4579
في غزة الناس تتساقط  كأوراق الأشجار - ناصر إسماعيل جربوع
في غزة الناس تتساقط كأوراق الأشجار - ناصر إسماعيل جربوع

مما لاشك فيه أن الكل منا يؤمن بحقيقة لا جدال فيها أن الأعمار بيد الله ، لأننا نؤمن بحقيقة القضاء والقدر المحتوم ، حتى لا تكون كلماتنا فريسة للمزايدات والتنطعات ، ولكن أردت في مقالي أن ابرز كمؤرخ حقيقة -  بل ظاهرة - سادت في المجتمع الفلسطيني وبالتحديد في غزة في الآونة الأخيرة، وهى موت الناس الفجائي  وهم يمشون في الشوارع! دون سابق مرض أو شكوى أو أنين فقد حدثت في قطاعنا الحزين مئات الظواهر من الشباب والنساء والرجال من ماتوا  وهم في ريعان شبابهم لا يتجاوز العديد منهم الأربعين عاماً فقد عاصرت  بضع حالات في غزة  حيث احد الشباب كان يتأمل بأحوال غزة المحاصرة  ومدى تدهور الوضع المعيشي والاقتصادي فيها وشعر بصداع فجائي مات بعده بلحظات ، ومعلمة في إحدى المدارس في المنطقة الوسطى في ربيع عمرها تسقط بين الطالبات في طابور الصباح مغشياً عليها لتموت بعد لحظات ، ومعلم يشرح درسه  بإخلاص الفلسطيني المعهود ،ويبدو والله أعلم أن حصته كانت في مادة التاريخ ومر على عبارة تشير إلى الكرامة الفلسطينية فسقط مغشياً عليه ومات ؟!
وما دفعني لكتابة هذا المقال يا سادتي انه صباح يوم السبت الموافق 25-4 – 2009 توفت جارتي أم محمد بعد رحلة عناء مع مرض خبيث ، فجاءت  صديقتها من مشوار ليس بعيد لتلقى عليها نظرة الوداع ، وعندما وصلت إلي مدخل شارع الفقيدة فوجئ الحاضرين بسقوط أم نعيم مغشياً عليها، فتوجه إليها من كان ببيت العزاء  فوجودها ميتة ، انتقلت إلي جوار ربها - الخير من حياة غزة - ولربما شعرت أن قبور غزة التحتية ستجد فيها روضة من رياض الجنة تكون أفضل من حياة الجحيم الذي يعيشها  الكائن الحي في غزة .

أمسكت قلمي المتواضع ، وشرعت اكتب وأنا مؤمن إيمان مطلق بقول الله سبحانه وتعالى ، بسم الله الرحمن الرحيم (إذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون))صدق الله العظيم .

ظاهرة الموت الفجائي أو ربما الاختياري تكررت في قطاع غزة في الآونة الأخيرة ، وهذا الظاهرة لابد لنا من وقفة عندها لأن الأمر لم ولن يكن عشوائياً بل جاء من تراكمات  ذاتية وحالات شديدة عند  اليأس من  الإحباط والخوف والكبت والقلق الذي يعايشها أهل غزة ، عدا عن العوامل الموضوعية المتمثلة بالاحتلال ، واعتبار غزة حقلاً لتجاربه الخبيثة حيث يلقي  عندما تسمح له الفرصة  أقذر أنواع الأسلحة المحرمة على هذا التجمع البشري في غزة المنكوبة .
تحدثت عن ظاهرة الموت الفجائي مع بعض من كبار السن الذين عاصروا نكبة 1948، فتنهد احدهم وهو الأكثر وعياً وقال " إن ظاهرة الموت الفجائي في فلسطين شاهدناها إبان هجرتنا وطردنا من ديارنا فكان الواحد منا يتذكر أحلامه وأرضه وبياراته في مدننا وقرانا ، فيموت قهراً وهو في ريعان شبابه وخاصة عندما ينظر إلى نفسه فيجد انه يعيش في خيام لا يجد قوت لنفسه ، وتتكرر  حالات الموت الفجائي القهري إبان نكسة 1967 ،وخاصة بعد أن فتحت  لفلسطيني غزة طريق العمل  في ارض فلسطين 48، فالكثير  من ذهب وعمل أجيراً في أرضه وبيارته،  ومنهم من رأي منزله يمرح ويسرح فيه يهود الاشكناز ! فتغم عليه نفسه ويشعر باحتراق داخلي ويموت قهارا .

ومع كل هذا وذاك وفي ظل الحصار الظالم على الشعب في غزة خرجت علينا مجموعات من المحتالين تحت شعار استثمار الأموال وبمسميات مختلفة ، فوجد البسطاء وهم الأغلبية في غزة فرصة تعوضهم ولو جزئيا عن القحط فمنهم من باع ممتلكاته،وآخر باع مصاغ زوجته وبيته ،عسي أن تبتسم لهم الدنيا بسمة - ولو صفراء -  ولكن يبدو أن الحصار على غزة أيضا شمل الحلم والابتسامة ! فممنوع على أهلها الفرح مطلقاً ، نتيجة تسارع الأفكار وهجوم الوسواس القهري والاكتئاب على بعض من فقد الأمل في عودة أموال أحوالهم وشعر الأغلبية منتهم بالضياع المطلق وضياع الأمل وبصيصه ،وفقدان الأمل في عودة  الابتسامة والرفاهية إليهم والى أطفالهم، وادركهم أن كل شيء ضاع منهم وبلا ثمن أقدم نفر قليل منهم على الانتحار ، هذا الظاهرة لم نكن نسمع عنها ونشاهدها في غزة الفقيرة المسلمة ، ونتضرع إلى الله أن يغفر لهم، لأنهم من أهل غزة فهو التواب الغفور الرحيم .

أيها العالم غير الحر وغير العادل ! غزة تحتضر وتموت ،أهلها يعانون أكثر من معاناة القرشيين في شعاب أبى طالب ! أفلا تشعرون أليس نحن منكم يا قوم ، نادينا وا-  إسلاماه فما من مجيب ، وأقلقنا المعتصم في مرقده البغدادي فخجل أن يبعث من جديد ! واستنصرنا بطل ذي قار هانئ بن مسعود  فلم يجد من عرب القرن الحادي والعشرين من ينصره لأنه حلم في منامه أن بحور النخوة قد جفت ، وكثرت المصالح الضيقة، وعلم اننا بايعنا وتحالفنا مع أعداء العرب والإسلام  ، فأراد أن ينهض لذي قار جديدة ، ولكن كابوس حلمه أوقفة عن استكمال الحلم العربي ،  وهانحن من غزة نستصرخكم ونطلب منكم أن تقفوا معنا ولو بقلوبكم، وتفتحوا صدوركم وعقولكم ووجدانكم معنا لأننا نموت في اليوم ألف مرة ، فارحمونا وأنقذونا من الموت الفجائي،  ودعونا نعيش مثل شوب العالم ولو مرة واحدة، فنحن يا قوم منكم وإخوانكم وأنصاركم على الخير، ولا تزال دماء الأشراف من العرب والصحابة والتابعيين تجري في عروقنا ونأمل الخير فيكم ، لان منكم  أهل لذلك فهل ننتظر بزوغ الأمل والخير فيكم ؟

1/5/2009

د-ناصر إسماعيل جربوع

كاتب  باحث ومؤرخ فلسطيني – موجه التاريخ والقضايا المعاصرة