هجره غريبة وعجيبة بعكس المنطق وبعكس كل التصورات, فاليهود يهاجرون من اوربا ومختلف دول العالم إلى فلسطين، بينما يتم عبر طرق شتى تهجير كثير من الفلسطينيين إلى البلدان التي يأتي منها اليهود للاستيطان في فلسطين، كما هو الحال مع فلسطينيي العراق، والذين تعمل المفوضية الدولية جهاراً على تهجيرهم إلى أوروبا وجنوبي القارة الأمريكية إلى البرازيل وربما غيرها؟ بعد ما تقطعت بهم السبل على حدود العراق.
فاليهودي يجد مأمنه باحتلال أرض الآخرين، ونفيهم إلى الشتات، وأما الفلسطيني، فهو في بعض دول الشتات يبحث عن الأمن ولقمة الخبز فلا يجدها إلا في الأماكن التي جاء منها اليهود، وبات عليه أن يحل مكانهم هناك؟ .
لم يعرف التاريخ معادلة بهذا الشكل، ولم نسمع عبر التاريخ أن شعباً يجري له ما يجري مع الفلسطينيين، وللذين لا يعرفون ظروف الشتات، فالفلسطيني في الشتات في اغلب الدول العربية، هو بلا جنسية، ويحمل وثيقة سفر وهذه الوثيقة، اصبحت تماما علامة فارقة في حياته، لأنه يتعرض للقهر بسببها بما لا يتخيله منطق.
ففي لبنان مثلا لا يحق لحامل الوثيقة الفلسطينية العمل بالمطلق في أكثر من 80 مهنة من بينها الطب، وهي المهنة الإنسانية النبيلة التي يتوقف البشر عندها فيرون أنها مهنة بلا حدود فعلا، لكنها في لبنان محظورة مع ثمانين مهنة، ومعها حق التملك، فـ(الفلبيني) يستطيع أن يتملك، لكن الفلسطيني لا يحق له امتلاك بيت أو سيارة، بل وحتى خيمة.
وفي بعض الدول العربية لا يحق لحامل الوثيقة الإقامة أو العمل فيها، وحتى لا يسمح للفلسطيني بالمرور من تلك البلدان إلا بإجراءات غاية في التعقيد، وهو ما يجعلنا نقف عند سر الهجرة الى الخارج، فالفلسطينيون يهاجرون بحثاً عن جواز للسفر أكثر من بحثهم عن الاغتراب بعيداً عن الوطن، إذ إن كثيرا من الفلسطينيين بعد أخذهم للجنسية الأجنبية يعودون الى البلدان العربية، حيث يتم الترحيب بهم هذه المرة كأجانب، بينما لا يملكون ادنى حقوقهم الانسانية في بلاد العرب عندما يحملون تلك الوثائق التي تتعامل معهم كلاجئين.
هنا بالضبط نعود إلى مؤتمر قمة بغداد عام 1978 والذي أوصى بعدم تجنيس الفلسطينيين، وكانت هذه التوصية في حينها بقصد الحفاظ على حقوق الفلسطينيين في الشتات، بذريعة أن تجنسيهم قد يضر بقضيتهم، وهذه المعادلة او هذه التوصية هي التي لا تزال بمثابة السيف على رقاب الفلسطينيين في الشتات، فلا هم يستطيعون الحياة والعمل كما يجب في اغلب الدول العربية، ولا يستطيعون كف الأذى عن أنفسهم كما في العراق، وبالتالي يصبح الشتات الفلسطيني في واقع الحال يعيش بين مطرقة الوثيقة، وبين الشتات، فالوثيقة الفلسطينية التي تمنحها بعض الدول العربية للفلسطينيين، تصبح عقبة هامة في حياة الفلسطينيين، والذين بالتالي صار البحث عن جواز السفر بالنسبة لهم وسيلة للهجرة إلى الأماكن التي يتركها اليهود الذين يستوطنون بلادهم.
أما مسألة تجنيس الفلسطينيين بجوازات سفر عربية، فهي منعت بذريعة أن الفلسطينيين سينسون وطنهم عندما يحملون جوازات سفر عربية، ولكن ثمة سؤال مطروح، فهل نسي كل من ادوارد سعيد وهشام شرابي فلسطين عندما حملوا جوازات أجنبية، أم حملوا فلسطين بقلوبهم وضمائرهم إلى العالم؟
كاتب من فلسطين
بقلم : أيمن خالد
8/9/2009
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع