فهذه سلسلة حلقات مختصرة للتعريف
بمكانة " المسجد الأقصى" من خلال القرآن والسنة الصحيحة، وارتباطه
العقدي الإيماني التاريخي، بالوحي ورسالة التوحيد ودعوة الأنبياء، وإحياء تلك
الحقائق في نفوس المسلمين، سميتها " نِعمَ المُصَلَّى " أسوة بحبيبنا
وقدوتنا صلى الله عليه وسلم، الذي أطلق عليه هذه التسمية الجميلة.
الحلقات ستكون بطرح سؤال في كل حلقة، ثم نجيب عليه لتكون
أرسخ وأثبت وأحفظ وأوعى، من حيث المعلومة والفهم وديمومة الأُثر.
س1/ لماذا الحديث عن المسجد الأقصى؟
قبل أن نبدأ بهذه الحلقات، وما فيها من حقائق تفصيلية هامة
متنوعة، لابد من الإجابة المجملة على سؤال مهم للغاية، قد يتبادر للأذهان، نتيجة
لما تمر به الأمة من تقلبات وتغييرات واضطرابات، انعكست على الثقافة المجتمعية،
فأصبحت الثوابت متغيرات، والمُتفق عليها مُختلِفات، فانقلبت الموازين وتأخرت
الأولويات!
السؤال الذي قد يطرح وبحاجة لإجابة شافية: لماذا نتحدث عن
المسجد الأقصى؟
لأن الأقصى اختاره الله سبحانه وتعالى واصطفاه واجتباه،
فجعله مسجدا مباركا وبقعة طيبة وأرضا مقدسة، كما شرَّف بذلك مكة والمدينة من بين
البقاع، لحكمة ربانية ومنحة إلهية، { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ
}[1].
لماذا الأقصى؟ لأن الأقصى عقيدة وإيمان ودين وولاء شرعي، وهو
أول قبلة للمسلمين، وثاني مسجد وضع في الأرض، وثالث المساجد التي تُشد إليها
الرحال، وأحد أربعة مساجد لا يدخلها المسيح الدجال.
نتحدث عن الأقصى لأنه يراد له أن يُطمس ذكره ويُمحى من
العقول والأذهان، وأن ينتزع حبه والتعلق به والارتباط الشرعي حتى يصبح نسيا منسيا!
المسجد الأقصى وبيت المقدس أرض الأنبياء، ما فيه موضع شبر
إلا صلى عليه نبي مرسل أو قام عليه ملك مقرب.
فلسطين هي معدن الأنبياء من لدن إبراهيم عليه السلام
وقبورهم فيها، ومنبرهم ومُتعبدهم، ومهد الرسالات ومهبط الوحي، وهي ملجأ ومأوى
ومهجر الأنبياء الذين أوذوا من أقوامهم، فقد هاجر إليها أبو الأنبياء إبراهيم ونبي
الله لوط من العراق، وكذلك قصدها موسى عليه السلام قادما من مصر.
الأقصى مسرى النبي عليه الصلاة والسلام ومعراجه إلى
السماوات العلى، فيه تضاعف أجور الصلوات، ويرجى لمن أتاه لا ينوي إلا الصلاة فيه
أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه، وفيه صلى نبينا عليه الصلاة والسلام إماما
بجميع الأنبياء، بورك فيه وبمن حوله.
بيت المقدس مبتغى الفاتحين ورباط المجاهدين ومحل الطائفة
المنصورة، ومحل الإيمان عند ظهور الفتن، وأرض المحشر والمنشر، وقد بشر النبي عليه
الصلاة والسلام بفتحها، وفيها يحسم الصراع بين الحق والباطل ويقتل المسيح الدجال.
لماذا الأٌقصى؟ لأنها الأرض الطيبة المقدسة المباركة أرض
المعجزات، مع تقدم العمر بإبراهيم بُشِّرَ بإسماعيل عليهما السلام، وبشر بإسحاق
ويعقوب - عليهما السلام - مع أن زوجه عجوز وعقيم، وكانت معجزة قميص يوسف ورد بصر
يعقوب من أبهر المعجزات على أرض فلسطين.
بداية تكليم موسى ونبوته ورسالته كانت من الأرض المقدسة، ثم
المعجزات المتعددة في بني إسرائيل، ومعجزة حبس الشمس ليوشع بن نون ليالي سار لفتح
بيت المقدس لم تحصل إلا مرة واحدة عبر التاريخ.
داود عليه السلام كانت له عدة معجزات في بيت المقدس؛ من
تسبيح الطيور والجبال معه والناس ينظرون، وإلانة الحديد وتأييده بالوحي، وسليمان
عليه السلام الذي أعطاه الله ملكا عظيما لم يعطه أحدا غيره، علمه الله منطق الطير
وسخر له الجن والريح غدوها شهر ورواحها شهر، وإتيانه بعرش بلقيس ومعجزته عند
الموت.
وبشر زكريا بيحيى، وولد عيسى عليه السلام بمعجزة وتكلم في
المهد صبيا ونزلت عليه المائدة من السماء ورفع إلى السماء من بيت المقدس، وسنزل
ويقتل الدجال في آخر الزمان، ويهلك الله يأجوج ومأجوج في فلسطين.
لماذا المسجد الأقصى؟ لأنه سكن وعاش في وجدان النبي عليه
الصلاة والسلام، حتى بشر بفتحه وقال عنه " ولنعم المصلى ".
لماذا الأقصى؟ لأن علاقته متينة وطيدة متجذرة قوية عريقة
تاريخية؛ مع المسجد الحرام، فمنذ التأسيس والتعاهد والترابط كبير جدا، ثم بلغ
ذروته بمعجزة الإسراء والمعراج، ليولد لهما مسجدا ثالثا يزيدهما بهجة وبهاء ونورا،
صلى الله وسلم على ساكنه.
1/3/2017م