وان استمرار وتطور هذه الحركة في كل أنحاء العالم وتغطيتها لكافة المجالات
دليل على نجاحها من جهة ، ودليل على تطور الثقافة والوعي بمقاومة الادعاءات
والفبركات التي كانت تسيطر على العالم بسبب الدعاية الصهيونية ومحاباة الأنظمة
الامبريالية لها . ولم يعد خافيا على احد أكاذيب قادة العدو الصهيوني ضد هذه
الحركة الفلسطينية – العالمية وأنها محض افتراء تتحصن إسرائيل وراءها في عالمها
الخيالي القائم على خزعبلات معاداة السامية وعلى التفكير أن العالم غبي وان
إسرائيل ذكية وانه يمكن شراء العالم كما تشتري السياسيين في أمريكا ، وتحميل تبعة
سلامة اليهود وأمنهم على كل من اضطهدهم وعلى كل من لا يعمل لحماية وجودهم ، وان
دولة اليهود توجد دوما في خطر الإبادة وأنها دائما على حق. لقد وصل الذعر أقصى
مراحله في إسرائيل وبدأ رصد ملايين الدولارات وتجنيد العقول وأصحاب المليارات من
اليهود ومناصريهم للتصدي لهذه الحرب الخالية من الصواريخ والقنابل والتي لا يوجد
فيها مكان للعضلات والقوة إلا في خندق تضيق من خلاله تهديدات شخصية بالانتقام
والردع كما يحصل مع رئيس مجلس إدارة شركة اورانج للاتصالات من خلال التصعيد ضده
والتهديد بجعله عبرة لمن تسول له نفسه التفكير في مقاطعة إسرائيل . كل هذا كان
تصحيحا لمسار الثورة الفلسطينية ونماء في وعي الشعب الفلسطيني وفهما لأساليب
المقاطعة ، وليس ببعيد عن باقي وسائل النضال التي ما فتأت تتمحور حول الكفاح
السلمي واستكمال عملية السلام من اجل بناء الدولة والتي اتضح أنها من الصعوبة
بمكان دون استخدام أسلحة فاعلة أخرى وعلى رأسها المقاطعة وعولمتها وحشر إسرائيل
ودولة الكيان الغاصب في أصعب الزوايا التي لم يتوقعها يوما في أسوأ كوابيسه التي
يمكن أن يحلم بها . حركة المقاطعة في فلسطين الآن في أوج عظمتها ، طموحها لا يصل
إلى حد ، تعمل في كل مكان وزمان ، استطاعت أن تقلب الموازين وان تحرك قلوب وعقول
الشعوب الأوروبية التي خنعت لاملاءات قياداتها المنحرفة والمتواطئة مع الاحتلال
والمعترفة بمحرقة اليهود الكاذبة والتي أدت إلى إلزام جيوب مواطنيها التبرع
الإلزامي من اجل دعم دولة الاحتلال وتعويضها ومن اجل إحياء نزعة الحروب الصليبية
بطرق وأساليب أكثر قبولا وأكثر مكرا ودهاء . عملاق المقاطعة في فلسطين ، هذه
الحركة الجريئة التي وجدت الطريق الصحيح من اجل دحر الاحتلال ولجمه ، والذي طلب
النجدة والعون ودار في دائرة الحيرة في وقت أغلقت أمامه الأبواب التي نفذ من
خلالها إلى الشرعية الباطلة ، بسبب سيف المقاطعة الذي لا يقهر وطموح أبناء فلسطين
لا يقف عند حاجز أو عائق مهما كان إلا للوصول للدولة وللحرية المطلقة. لقد استطاعت
الحركة بعدالة قضيتها وعنفوان شبابها أن تكسر حواجز الرهبة والصمت لدى كافة الشعوب
التي وصلتها ، ووصلت إلى كل نواحيها الأخلاقية والاقتصادية والثقافية والأكاديمية
والرياضية ، مما يجعل قادة إسرائيل تعمد إلى مراجعة سياساتها وأدوات عملها التي
طورتها من اجل التلاعب بالعالم والاستمرار في ممارساتها ضد حرية الشعب الفلسطيني
دون الرضوخ لإرادة العالم المتغيرة واحتمال مواجهة حرب طويلة الأمد مع حركة
الانقلاب على تاريخ التبعية والاضطهاد دون معرفة النتائج المستقبلية مع أن
المؤشرات الحالية تشير إلى ازدياد رقعة المقاطعة وانتشارها بتسارع وتحدي جامح. لقد
قلبت حركة المقاطعة كل المفاهيم التي ترسخت لدى شعوب الدول التي عادت القضية
الفلسطينية رأسا على عقب وأحرجت حكام ورؤساء هذه الدول وعرتهم أمام مرآة شعوبهم
وكشفت تواطئهم وقبولهم انتهاك حقوق الإنسان باستمرار الاحتلال ودعمه وغض النظر عما
يقوم به من مخالفة كل الشرائع التي عرفها الإنسان وهذا ما لم تستطع كل الدول
العربية والقوى الإقليمية المحبة لفلسطين عمله طوال السنين السابقة . ما تحتاجه
حركة المقاطعة الآن هو تكاتف كل الجهود الرامية لخلق وتطوير ثقافة عالمية قادرة
على استمرار تحدي سيطرة وطموح المحتل ومن يناصره لإدامة تفكيك أصول وأسس البنيان
الفلسطيني كشكل أساسي وجوهري من أشكال المقاومة القائمة على فضح إسرائيل ومحاربتها
بزعزعة الثقة التي بنتها مع العالم الخارجي باختلاق الأكاذيب التي شكلت هالة اخفت
ورائها كل أساليب التضليل والخداع والتي ما تلبث أن تزول تدريجيا بالتكتل وراء هذه
الحركة التاريخية ذات التأثير الجبار، لتعمل على فرض العقوبات والمقاطعة وسحب
الاستثمارات من أيدي كل المتورطين في جرائم الاحتلال في فلسطين وإزالة الشرعية عن
هذه الدولة التي تتستر وراء الأخلاق وإزالة سرطان المستوطنات وإعادة الحقوق لشعبنا
الفلسطيني حيثما تواجد .
بقلم : سمير الأسعد