العراق : نازحو الداخل بين "مآسي" الأمس و"تشرذم" اليوم .. ديالى والموصل شهدت موجات نزوح جماعية أكبرها في عامي 2006 و 2007. ويعد هذا النزوح الأكبر في تاريخ المنطقة بعد هجرة فلسطينيي عام 1948

بواسطة قراءة 1050
العراق : نازحو الداخل بين "مآسي" الأمس و"تشرذم" اليوم  .. ديالى والموصل شهدت موجات نزوح جماعية أكبرها في عامي 2006 و 2007. ويعد هذا النزوح الأكبر في تاريخ المنطقة بعد هجرة فلسطينيي عام 1948
العراق : نازحو الداخل بين "مآسي" الأمس و"تشرذم" اليوم .. ديالى والموصل شهدت موجات نزوح جماعية أكبرها في عامي 2006 و 2007. ويعد هذا النزوح الأكبر في تاريخ المنطقة بعد هجرة فلسطينيي عام 1948

لا تزال العديد من العائلات المهجرة داخل العراق تتخوف إلى يومنا هذا من العودة إلى مناطق إقامتها الأصلية، خوفاً من أعمال القتل والتصفية التي قد تستهدفها نظراً "لاختلاف انتماءاتها الطائفية عن مناطقها الأصلية". هذه العائلات تعاني اليوم من الكثير من الصعوبات والمشاكل المادية فضلاً عن حالة عدم الاستقرار التي تعيشها داخل وطنها، وسط مطالبة الحكومة العراقية والمنظمات الدولية بإيجاد الحلول اللازمة لإنهاء معاناة تلك العائلات.

وكانت أغلب المدن العراقية،وخاصة بغداد وديالى والموصل، قد شهدت موجات نزوح جماعية في الداخل والخارج، وكانت أكبرها تلك التي تزامنت مع أيام العنف الطائفي في عامي 2006 و 2007. ويعد هذا النزوح الأكبر في تاريخ المنطقة بعد هجرة فلسطينيي عام 1948.

"لماذا الرجوع وقد فقدت أعز الناس عليّ؟"

"فررت إلى بغداد باحثاً عن الأمان"، بهذه الكلمات بدأ محمد عزيز نجرس، حديثه مع DWعربية. نجرس أحد مهجري الداخل فقد 10 أفراد من عائلته وأقربائه على أيدي الميليشيات المسلحة "بدوافع طائفية" في الأشهر الأولى من عام 2007.

ويضيف نجرس (34 عاماً) الذي ترك محافظته السابقة ديالى مع ما تبقى من عائلته المعنفة، بأنه لا ينوي العودة مطلقاً إلى محافظته بسبب "الذكريات المؤلمة التي عاشها أيام فقدان أفراد أسرته الواحد تلو الآخر، فضلاً عن التغيير الديمغرافي الذي انتهت إليه مدينته". ويضيف نجرس متسائلاً: "لقد خسرت أعز الناس عليّ فضلاً عن أموالي وممتلكاتي، فلماذا الرجوع؟".

ويوضح نجرس الذي كان يقف وسط طابور لحشد من المهجرين أمام المركز الوطني لتسجيل العائدين في بغداد، لغرض ترويج"معاملة التوطين" واستلام منحة الدولة المالية: "نطالب الحكومة والمنظمات الدولية بإنصاف مهجري الداخل"، الذين يزيد عددهم عن مليون نسمة. وكانت بعثة الأمم المتحدة في العراق (UNAMI) قد أعلنت في 27 شباط/ فبراير الماضي أن أكثر من 1.3 مليون عراقي لا يزالون مهجرين من أماكنهم الأصلية داخل العراق.

من بغداد إلى بغداد!

ولم تختلف معاناة الموظف الحكومي أحمد عيدان صابر وعائلته مع معاناة سابقه، إذ هُجر في "ليلة سوداء"، كما يصفها، من منزله الواقع غربي العاصمة بغداد، تاركاً بيته وأثاثه وأمتعته في عهدة جاره آنذاك، على خلفية انتمائه إلى طائفة مغايرة لما أصبحت تنتمي إليه الأغلبية في منطقته، مبيناً بالقول: "كي ننجو بأرواحنا تركنا كل شي خلفنا".

ويروي صابر (43 عاماً) في حوار مع DWعربية، لحظات تهجيره بالقول: "ألقي ظرف بريدي على منزلي يحتوى على رصاصة ورسالة محتواها أوامر بالرحيل وعبارات التهديد والوعيد بالتصفية لي ولعائلتي إن لم أرضخ وأرحل خلال ال 72 ساعة المقبلة". واستطرد يقول: "وفي مساء اليوم التالي خرجت وعائلتي من منزلنا مرغمين".

ويأمل صابر "المنفي داخل بلده" والذي أمضى أكثر من 15 عاماً في منطقته التي هُجر منها، في أن يعود إلى منزله وحيه وجيرانه، مشدداً "أين هو دور الدولة تجاهنا؟ لقد مللنا من التهجير والتشتت داخل مدينتنا بغداد".

ويستأجر صابر منذ تهجيره أواخر عام 2006، منزلاً قريبا من محل إقامة أخيه الأكبر في منطقة الشعب شمالي العاصمة بغداد، داعياً إلى "محو ثقافة الطائفية والعنصرية والمحسوبية واستبدالها بثقافة "التسامح والتعايش السلمي بين مختلف الطوائف والقوميات والأديان"، لكي نرجع إلى منزلنا".

مركز حكومي يعنى بمهجري الداخل

من جانبه أكد مدير المركز الوطني للعائدين في بغداد، التابع لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية أن "العامين الماضيين شهدا إقبالاً جيداً على عودة العديد من العائلات المهجرة إلى مناطق سكنها"، منوهاً إلى أن "استتباب الأمن هو أحد عوامل هذا الازدياد".

ويضيف علي صالح محمد في حوار مع DWأن "معدل عودة العائلات المهجرة إلى مناطق سكنها في عام 2011 ازداد بنسبة 50 في المائة مقارنة بالعام الذي سبقه"، لافتاً إلى أن مركزه قام بتوطين المهجرين الذين يرفضون العودة إلى مناطقهم الأصلية "برغبتهم في مناطقهم الجديدة".

وشدد صالح محمد قائلا: "نستقبل في كل يوم ما بين 100 إلى 150 عائلة مهجرة في الداخل ترغب في التسجيل في مركزنا"، مشدداً على أن وزارته تهدف إلى إنهاء ملف الهجرة الداخلية "في الفترة القليلة المقبلة".

ويعطي المركز الذي ُأنشئ لصرف المعونات الحكومية على مهجري الداخل من العائدين إلى مناطقهم الأصلية والمتوطنين في مناطقهم الجديدة، مبلغا قدره 4 ملايين دينار عراقي نحو (3400 دولار أمريكي) كمنحة للعائلات المسجلة لديه.

خطة لإنهاء ملف الهجرة الداخلية

إلى ذلك، يؤكد وكيل وزارة الهجرة والمهجرين العراقية اصغر عبد الرزاق الموسوي أن وزارته عملت على تغيير خططها فيما يخص إنهاء ملف النزوح السكاني الداخلي مطلع العام الحالي، موضحا أن هذه الخطط تمثلت "بدعم عودة العائلات وتوطينها بشكل طوعي وليس قسريا في مناطقهم القديمة أو تلك التي لجؤوا إليها برغبتهم".

ويضيف القاضي اصغر عبد الرزاق الموسوي، في حوار مع DWعربية، أن "82 ألف و800 عائلة عادت إلى مناطق سكنها خلال عامي 2010 و2011 ضمن خطة (إنهاء النزوح الداخلي)". وكانت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية قد أكدت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 أن ملف المهجرين والعائدين العراقيين في الداخل والخارج سيحسم نهاية عام 2011، لكن هذا الملف كنا يبدو لا يزال عالقاً.

 

مناف الساعدي ـ بغداد

مراجعة: محمد المزياني

 

المصدر : صوت ألمانيا – DW

23/10/1439

7/7/2018