أملاك الغائبين في فلسطين وقانون "القومية" ومسار التهجير - محمود العلي

بواسطة قراءة 1216
أملاك الغائبين في فلسطين وقانون "القومية" ومسار التهجير - محمود العلي
أملاك الغائبين في فلسطين وقانون "القومية" ومسار التهجير - محمود العلي


إجراءات وقرارات وقوانين

وفي هذا الصدد، يعد قانون أملاك الغائبين الصادر سنة 1950 ذا أهمية كبرى، لأنه جاء تتويجاً لإجراءات وقرارات صدرت منذ سنة 1948، ولأنه من جهة أخرى الأساس الذي استندت إليه السلطات "الإسرائيلية" في مصادرة جزء كبير من الأراضي العربية في فلسطين المحتلة، بحيث تصبح أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم في عهدة ما يسمى "حارس أملاك الغائبين"، بدعوى الحفاظ عليها، وبدون حق التصرّف فيها أو بيعها إلا لما تسمى سلطة  التطوير.

 

"يبلور قانون أملاك الغائبين بصورة نهائية الموقف "الإسرائيلي" المعارض لعودة الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم"

 

وباستخدام القانون المذكور، صادرت الحُكومات "الإسرائيلية" المُتعاقبة منذ ذلك الحين مئات آلاف من الأراضي والعقارات داخل ما سمي حينها الخط الأخضر. ويبلور القانون بصورة نهائية الموقف "الإسرائيلي" المعارض لعودة الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم، خلافاً لما قضت به قرارات الأمم المتحدة. وفوق ذلك، فان المهجّرين الفلسطينيين في أراضي 1948 كانوا يقعون تحت ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) التي أسست بموجب قرار الجمعية العامة 302 عام 1949 كهيئة مؤقتة. وتتركز مهامها على تقديم المساعدات الإنسانية للاجئي فلسطين، بمن فيهم من بقوا في المنطقة التي أعلنت عليها دولة “إسرائيل”، عرباً كانوا أم يهوداً، وبات المهجّرون في داخل الكيان الصهيوني يتلقون مساعداتٍ، كبقية اللاجئين الواقعين تحت ولاية "أونروا" في محيط الجزء المحتل من فلسطين. وقد جرى استثناؤهم من ولاية "أونروا" عام 1952 بطلبٍ من السطات "الإسرائيلية"، حين تعهدت برعاية حقوقهم

وكان "الكنيست" (البرلمان) "الإسرائيلي" قد أقر قانون المواطنة في 14 يوليو/ تموز 1952، حيث حاز على المواطنة كل من أقام داخل منطقة الخط الأخضر، وبلغ حينها عدد العرب الحائزين على "مواطنة إسرائيلية" حوالى 000. 167 شخص، منهم المهجّرون. وكان 156,000 من العرب يعيشون في المناطق الخاضعة للسيطرة "الإسرائيلية" عند انتهاء الحرب. أما الآخرون فهم من سكان وادي عارة في المثلث الشمالي الذي سلمه الجيش الأردني لـ”إسرائيل” في إطار اتفاقية الهدنة. وعلى الرغم من ذلك، كان الفلسطيني يعتبر غائباً، إذا ترك قريته وانتقل إلى إحدى المدن والقرى المجاورة، بل ويجعل القانون المالك الفلسطيني غائباً إذا انتقل من حي إلى آخر، ضمن إحدى المدن الكبيرة، أو إذا نقلته قوات الاحتلال الصهيوني بالقوة من مكان إلى آخر. وبالتالي، شمل تعريف الغائبين السكان العرب الذين غابوا بتاريخ 1 سبتمبر/ أيلول 1948 من الأراضي الواقعة تحت "دولة إسرائيل"، كما الذين اضطروا للفرار إلى الدول العربية، وأيضا الذين فرّوا إلى قرى الجليل والمثلث ومدنهما. وقد تعرّض اللاجئون الذين بقوا على أرض الوطن إلى مختلف سياسات الاضطهاد القومي والتمييز العنصري، أسوة بكلّ أبناء الشعب الفلسطيني الذين بقوا في وطنهم، إضافة إلى اعتبارهم غائبين وهم أحياء يُرزقون، حيث أطلق على هؤلاء مصطلح "الغائبون الحاضرون". وكذلك جرى تبديل أسماء التجمعات السكنية والمواقع العربيه إلى أسماء عبرية، بغرض تسهيل تسويق الرواية الصهيونية "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض "، ومن ثمّ تسويق مفهوم أن الذين بقوا على أرض الوطن غائبون، لا يحقّ لهم العودة أو ممارسة حقّ الملكية على اراضيهم ومتلكاتهم

 

"اللافت أن تطبيق القانون بدأ يسري أيضاً على أملاك تعود إلى الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية"

 

وفي ندوةٍ في مركز حق العودة الثقافي في نابلس، قبل أكثر من عشر سنوات، قال المهندس سليمان الفحماوي، المهجر من قرية أم الزينات (على سفوح جبال الكرمل)، والناطق حينها باسم جمعية الدفاع عن حقوق المهجّرين داخل فلسطين (48، وأيضاً منسق لجان حق العودة داخل فلسطين، إن عدد القرى المهجّرة بلغ 280. وأكد وقوع تمييز عنصري كبير على الفلسطينيين في الداخل، يحمل خصوصية خاصة بالمهجرين، فهؤلاء نازحون تم إبعادهم عن أرضهم ومكانهم، ولا يستطيعون العودة إلى أراضيهم ولا بيوتهم، ولا حتى الصلاة في أماكن عبادتهم، بسبب منع القوات ال”إسرائيل”ية لهم القيام بذلك، وهم ليسوا كباقي اللاجئين، فهم يحملون "لجنسية "الإسرائيلية" "كمواطنين"، ولكنهم في الحقيقة بلا مواطنة فعلية، حيث يعيشون في أماكن قريبة من قراهم المهجرة. وحديثاً بلغ عدد مهجّري الداخل ما يقارب 350 ألف فلسطيني، وقد بادر آلاف من أهالي القرى المهجّرة وأنصارهم من غير المهجّرين منهم، للمشاركة الفعلية في الأنشطة المتعلقة بحقهم في العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم، والقيام بنشاطات إحياء ذكرى النكبة الفلسطينية وذكرى سقوط القرى والمدن، ومن بين هذه النشاطات المسيرات الكبيرة التي كانت أولها مسيرة الغابسية بتاريخ 1998/3/28، ثم تلتها مسيرة صفورية في الذكرى الخمسين للنكبة الفلسطينية في مايو/ أيّار 1998، وأصبحت المسيرات تقليدا سنويا يشارك فيه عشرات الآلاف من مهجّرين وغير مهجّرين

واللافت أن تطبيق قانون أملاك الغائبين الذي اقٌره "الكنيست الإسرائيلي" بدأ يسري أيضاً على أملاك تعود إلى الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية، فقد خضع لتعديلاتِ عديدة لضم أكبر قدر مُمكن من الأراضي والعقارات لصالح المشروع الاستيطاني والتوسعي في الأراضي المحتلة، وكان جديد هذه التعديلات في 2004، حيث أصدرت الحكومة "الإسرائيلية" آنذاك تعديلا يُتيح للشخص القيم والمسؤول على أملاك الغائبين (موظف تابع لوزارة المالية "الإسرائيلية") بأن يتصرّف في هذه الأملاك، ويبيعها لما تسمى “إسرائيل” يًا "سُلطة التطوير" المُنضوية تحت جناح ما تسمى دائرة أراضي “إسرائيل”. وبعد ذلك تقوم سلطة التطوير بتخصيص هذه الأراضي للشركات الاستيطانية، كشركتي عميدار وهمينوتا، والتي تستخدمها لبناء المستوطنات "الإسرائيلية" غير الشرعية وتوسيعها، خصوصا في القدس الشرقية. وفي 15 إبريل/ نيسان 2015، أصدرت محكمة العدل العليا في “إسرائيل” قرارها النهائي، بسماحها تطبيق قانون أملاك الغائبين على أملاك سكان الضفة الغربية، وقطاع غزة والكائنة في القدس الشرقية وعقاراتهم ومصادرتها. وبالتالي، فان السياسة "الإسرائيلية" الاستيطانية المُستمرة، منذ النكبة داخل فلسطين 48، هي نفسها تلك المُمارسة في الضفة الغربية، فالشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده داخل فلسطين هدف "إسرائيليٌ" للترحيل

 

الفلسطينيون و"يهودية" الدولة

وقد سـعت “إسرائيل” إلى انتـزاع الاعتـراف بيهودية الدولة مـن الجانب الفلسـطيني في إطار عملية التسوية السلمية لقضايا الحل النهائي عام 2007، حين اشـترطت لاســتئناف المفاوضــات الاعتراف بيهودية الدولة. وكان المحامي واكيم واكيم، أحد مسؤولي جمعية الدفاع عن مهجري الداخل، قد أورد في ورقة له، أن جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين أرسلت مذكّرة إلى محمود عبّاس، بصفته رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، طالبته فيها بعدم الانصياع للمطلب "الإسرائيلي" الاعتراف والإقرار بيهودية "دولة “إسرائيل”"، لأنّ الغرض من ذلك، وفق التصريحات "الإسرائيلية"، إغلاق الملف بشأن الصراع العربي الصهيوني برمّته، وليس فقط بهدف منع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في فلسطين التاريخية، وايضا التمهيد المستقبلي لوضع الخطط بشأن ترحيل فلسطينيي الداخل، قسريا أو طوعيا، باعتبار أن “إسرائيل” دولة الشعب اليهودي، وفلسطين (وفق حدود اتفاق أوسلو) هي الوطن القومي لكل أبناء الشعب الفلسطيني. الاعتراف بيهودية "دولة “إسرائيل”" مرفوض، ويجب الإصرار على عدم الإذعان للاشتراطات "الإسرائيلية" في هذا الشأن، لأن ذلك سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش حق العودة لكلّ اللاجئين الفلسطينيين، ووصفة سحرية لتقوم المؤسسة "الإسرائيلية" بإخراج مخططات الترانسفير لمن بقي على أرض الوطن إلى حيّز التنفيذ. وما يؤكد التوجه الصهيوني، في هذا السياق، إقرار الكنيست قانون"الدولة القومية"، بموافقة 62 نائباً من أصل 120، الذي يمنح اليهود حصراً حق تقرير المصير، ويعتبر أن “إسرائيل” هي "الوطن التاريخي للشعب اليهودي". والقانون طرحه عام 2011 الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) وعضو الكنيست، آفي ديختر، بغرض "تكريس يهودية الدولة دستورياً بوصفها القيمة العليا والمرجعية القانونية والمعنوية الحاسمة". 

 

"الفقرة الخامسة بشأن لمّ الشتات تفيد بأن الدولة مفتوحة أمام قدوم اليهود ولمّ الشتات، وهذا لا يشمل الفلسطينيين الذين اعتبروا مواطنين"

 

 

ولذا فإن مهجّري الداخل سيواجهون صعوباتٍ أكثر فيما يتعلق باستعادة ممتلكاتهم، والعودة إلى قراهم التي هجروا منها. حيث يضمن القانون الجديد حقوق اليهود في الأرض التي استولوا عليها، ومن بين المبادئ الأساسية

أ‌) أرض “إسرائيل” هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وفيها قامت دولة “إسرائيل”

ب‌) دولة “إسرائيل” هي "الدولة القومية" للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير

ج‌) ممارسة حق تقرير المصير في دولة “إسرائيل” حصرية للشعب اليهودي

وأكثر من ذلك، فإن الفقرة الخامسة بشأن لمّ الشتات تفيد بأن الدولة مفتوحة أمام قدوم اليهود ولمّ الشتات، وهذا لا يشمل الفلسطينيين الذين اعتبروا مواطنين، وما زالو مقيمين في الكيان الصهيوني. كما أن الفقرة السابعة تؤكد على أهمية الاستيطان اليهودي، حيث تعتبر الدولة تطوير الاستيطان اليهودي قيمةً قوميةً، وتعمل لأجل تشجيعه، ودعم إقامته وتثبيته

وفي هذا الإطار، فإن إقرار يهودية الدولة يكرس مبدأ مشروع التوسع الصهيوني، وتكريس الاستيلاء على مزيد من الممتلكات والأراضي، فـ”إسرائيل” من الدول القليلة التي لا تعلن حدودها. وحسب الباحث الفلسطيني أنيس صايغ، في دراسة له عن الوصايا العشر للحركة الصهيونية، صدرت عام 1998؛ فإن فلسفة التوسع الصهيوني في فلسطين تقوم على مبدأ ثابت أن فلسطين ليست إلا خطوة إلى الانطلاق في بناء الدولة الصهيونية. تتسع إذا أمكن، ولكنها لا تصغر، ولا تتضاءل، وتنكمش ولا تتراجع حدودها الى الداخل. ويشير صايغ إلى أنه لا حدود لـ”إسرائيل” بالمعنى الجغرافي، وحدودها، بالمعنى الواقعي والعملي، فللحدود بعد إمكاني لا مكاني

وعلى الرغم من أن العرب (حوالي مليون وستمائة ألف) ويمثلون ما يقارب 21% من مجموع السكان في الأراض المحتلة عام 48، واعتبارهم ظاهرياً مواطنين متساوين في الحقوق مع المستوطنين الصهاينة، إلا أن فلسطينيي الـ 48 يعانون من اضطهاد عرقي وديني، ومن تمييز عنصري على كل المستويات، بغرض التضييق عليهم، ودفعهم إلى مغادرة أراضيهم ومدنهم، فكيف هؤلاء المصنفون غائبين، وعلى الرغم من هذا كله، هم حاضرون على الدوام، ويتمسكون بحقوقهم، وبممارستها باعتبارهم مواطنين. والمواطنة التي فرضت عليهم هي الصيغة الممكنة للبقاء في وطنهم، وحماية ما تبقى منه من التهويد.

 

المصدر : العربي الجديد

26/5/1440

1/2/2019