أصبح من المسلمات لدى الكثير من المراقبين والمتابعين عن كثب لتطورات الأحداث في العالم عموما والمنطقة العربية على وجه الخصوص أن هنالك مشاريع وغايات توسعية في شتى المجالات للهيمنة الإيرانية الفارسية الصفوية ليس لها حدود أو محددات ، ولو أردنا أن نضرب على سبيل المثال جزئية لهذه المخططات والاستهدافات والضحايا لهذا المشروع لوجدنا أن اللاجئين الفلسطينيين في العراق لهم نصيب وحظ كبير في ذلك .
ولو رجعنا قليلا إلى الوراء لوجدنا خير نموذج لمديات بعيدة وبأنفاس طويلة ما تعرض له الفلسطينيون في العراق من قبل الاستهداف الإيراني المباشر وغير المباشر ، وكلنا يذكر قصف مجمع البلديات عام 2000 بقذائف هاون وصواريخ كاتيوشا لمرتين ذهب ضحيتها عشرات بين صريع وجريح تبين ضلوع أحدهم وهو يدعى أبو كرار بعد أن تم إلقاء القبض عليه وهو من الشيعة الموالين لإيران ومن سكنة منطقة الفضيلية القريبة جدا من مجمع البلديات ، والصورة المرفقة تبين جانب من الأضرار المادية التي لحقت المجمع في حينها .
ولو أمعنا النظر ودققنا في الأسباب والدوافع التي قد تكون مبررا لقصف هذا المجمع الآمن في تلك الفترة لوجدنا بأنه في تلك الفترة تم طرح مشروع إسكان قرابة ثلاثة ملايين فلسطيني في محافظة كركوك أو في مناطق أخرى وهذا أمر يتعارض مع المشروع الصفوي والتمدد الفارسي في المنطقة إذ أن العراق يعتبر السد المنيع أما هذا التمدد والخطر المحدق على الأمتين الإسلامية والعربية ، فتم بعدها مباشرة تحريك بعض أدواتهم في العراق وقاموا بقصف أكبر تجمع بقصد الإشارة برسالة بأن العراق ليس المكان البديل أو الآمن للفلسطينيين .
هنالك أعداد من الفلسطينيين الذين شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية كالعديد من العرب الذين شاركوا بحكم الوجود الفلسطيني الاضطراري في العراق والدفاع عن أرض عربية إسلامية ضد هجمة أجنبية فارسية لها أطماع في المنطقة وما يجري الآن أكبر شاهد وبرهان ، طبعا ذلك بغض النظر عن الدخول في ملابسات وتفاصيل ما حصل ونسبة الخطأ والصواب في ذلك ، لكن الشاهد من هذا المثال أن أعداد من الفلسطينيين الذين تم أسرهم تمت معاملتهم بشكل عجيب جدا من الإساءة بعيدا عن كل القيم وقوانين وأعراف الحروب وما ذلك إلا لأنهم فلسطينيون !!!.
بعد عام 2003 انقلبت موازين اللعبة وضعف العراق وسقطت بغداد واحتلت البلاد ولم يكن ذلك ليحدث لولا التسهيل الإيراني لأمريكا ومن قبل احتلال أفغانستان وهذا باعترافهم الرسمي ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : احتلال العراق هل خدم القضية الفلسطينية وعموم الفلسطينيين أم أضعفهم ؟!! والجواب الذي لا يختلف فيه اثنان ولا يتناطح فيه عنزان هو أن القضية أضعفت بل تراجعت كثيرا ، وبالمقابل تقوى اليهود وازداد تسلطهم وخضع العرب والمسلمون أكثر من ذي قبل مع أن العجيب في الأمر كل ذلك وإيران تعتبر دولة قوية بكل المقاييس لكن هذا على حساب استراتيجيات خاصة بها بعيدا عن المصالح الإسلامية أو الإقليمية وأبعد ما يكون عن المصلحة الفلسطينية .
فنجد التهديدات اليهودية للفلسطينيين تزداد والقتل وسفك الدماء في غزة وكل ذلك وإيران تقف موقف المتفرج !!! فأين النووي ؟!!! وأين التصريحات النارية ؟!!! وأين .. وأين .. ؟!!!!!.
بعد عام 2003 بدأت مرحلة جديدة وعسيرة على عموم الفلسطينيين في العراق ، فمن باب أولى أن الحكومات المتعاقبة والغالبية الشيعية ذات الولاءات الإيرانية تزداد يكونوا حاضنة وخير معين للفلسطينيين بحسب الشعارات المعلنة من قبل إيران ، لكن يأبى الله إلا أن يكشف هذا الزيف ويفضح الباطل والتقية التي يتسترون بها وأن فلسطين والقضية الفلسطينية ما هي إلا ستار وغطاء لتمرير مشروعهم التوسعي بكل المقاييس في المنطقة ، فعلى العكس من ذلك بدأنا نسمع التصريحات التي تنادي بضرورة إخراج المستوطنين الفلسطينيين من العراق ، والتحريضات الإعلامية ضدهم ، حتى تم استهدافهم بشكل مباشر من قبل الميليشيات الموالية لإيران من غير أي تنديد إيراني أو حتى الضغط على أعوانهم وأدواتهم في العراق بأن يوقفوا استهداف الفلسطينيين ، وفي كثير من الأحيان تستهدف المجمعات الفلسطينية بأسلحة إيرانية !!! كل ذلك يدلل بأن الأقلية الفلسطينية في العراق مهما قل عددهم أو صغر حجمهم يعتبرون حجر عثرة ولو نظريا ضد المشروع الفارسي في المنطقة ، ويدل على ذلك التضخيم الإعلامي بأعداد الفسلطينيين في العراق كي يكون مسوغ لاستهدافهم وخطورة وجودهم .
إن تتابع وتوالي وتسارع الأحداث في العراق كشفت الكثير من الحقائق علمها من علمها وجهلها من جهلها ، لكن يأبى الله إلا أن يظهرها كما هي واضحة بينة والنتيجة بأن هنالك حسابات واضحة وآليات مدروسة لتشتيت وتهجير الفلسطينيين من العراق وإيران لها دور كبير في ذلك وما حصل أكبر شاهد فبعد أن كان العدد التقريبي للفلسطينيين في العراق يقرب من 25000 عام 2003 أصبح الآن لا يتجاوز ال 8000 أي الثلثين تم تهجيرهم وترحيلهم قسرا عن أماكن سكناهم ومواطن نشأتهم ، والسبب الرئيسي هو القتل والتهديد والملاحقة المستمرة للفلسطينيين من قبل الميليشيات الموالية لإيران لتقدم لليهود والأمريكان خدمات مجانية بهذا التهجير ، فأين أصبح أولئك في دول أوربا وأمريكا اللاتينية والمخيمات الصحراوية ، فأين إيران من كل ذلك ؟!!!والمؤسف أن العرب تخلوا عنهم .
لذلك الذي يظن بأن هنالك عداء حقيقي بين إيران ومشروعها وأمريكا وتوسعاتها واليهود واحتلالهم فقد أبعد النجعة أما ما يحصل بالظاهر فهو تناغم ومغازلات ليست إلا وضحك على الذقون ، وكلنا سمع التصريح الذي أدلى به نائب الرئيس الإيراني قبل أقل من شهر ، حيث صرح نائب الرئيس الإيراني اسفنديار رحيم مشائي، أن بلاده "صديقة الشعب الإسرائيلي"، بحسب ما نقلت صحيفة "اعتماد" ووكالة أنباء فارس المعروفة بقربها من المحافظين في إيران الأحد 20-7-2008.وقال مشائي: "إن إيران اليوم هي صديقة الشعب الأمريكي والشعب الإسرائيلي. ما من أمة في العالم هي عدوتنا وهذا فخر لنا". وأضاف مشائي على هامش مؤتمر حول السياحة "إننا نعتبر الشعب الأمريكي بمثابة أحد أفضل شعوب العالم". ويعتبر رحيم مشائي مقرباً جداً من الرئيس الإيراني نجاد وتجمعهما روابط عائلية، حيث أن ابن مشائي متزوج من ابنة الرئيس الإيراني.فهذا تكلم بعيدا عن التقية الفارسية التي هي من دينهم ومعتقداتهم ، والحقائق أثبتت ذلك وما حصل للفلسطينيين في العراق على يد تلك الأيادي الموالية لإيران لأكبر برهان على شمول الفلسطينيين المتواجدين في العراق بالمشروع الفارسي في العراق خصوصا والمنطقة عموما ، والذي يظن أن العراق محتلة فقط من قبل الأمريكان فقد أبعد النجعة وأخطأ التشخيص .فهل يعي المسلمون والعرب هذه الحقائق ويستوعبوا الدرس ويعتبروا بما حصل أم أنهم سيقولوا أكلنا كما أكل الثور الأبيض لا قدر الله !!! إذا لم ينصفوا الفلسطينيين المشردين المهجرين المغلوب على أمرهم في العراق والكل مسؤول عن ذلك .
أيمن الشعبان
باحث مختص بشأن الفلسطينيين في العراق
14/8/2008