منذ أن حدثت كارثة تهجير الفلسطينيين عن ديارهم وأراضيهم مع نهاية أربعينيات القرن الماضي تبارت الدراسات والأبحاث والمشاريع المختلفة حول أهمية وخطورة المشكلة والطريقة المناسبة لإيجاد حل ومخرج لها يتم من خلالها إنهاء قضية الصراع العربي الإسرائيلي ، من هذه الدراسات والأبحاث والمشاريع جانب كبير منها حاول أن يضع حلولا ومقترحات في سياق مشاريع اقتصادية واجتماعية " توطينية " طرحت مرارا وتكرارا عبر اكثر من نصف قرن مرورا بالعملية السلمية وما بعدها من خلال مؤتمر مدريد وما تمخض عنه من اتفاقات كان من أبرزها اتفاق أوسلو شائع الصيت ، لكن جميع هذه الحلول المستوحاة من تلك الدراسات والأبحاث لم يكتب ولن يكتب لها النجاح لأنها جاءت منافية ومناقضة لحقوق اللاجئين الطبيعية أولا والمتعلقة بارتباط هؤلاء اللاجئين إنسانيا وتاريخيا بأرضهم وديارهم وممتلكاتهم التي هجروا عنها قسرا وبقوة الإرهاب المادي والنفسي الذي مارسته عصابات الاحتلال الصهيوني في تلك الفترة ، فهي باختصار حلول التفافية لاأخلاقية على حق اللاجئين الفلسطينيين الطبيعي والإنساني والقانوني والسياسي بالعودة إلى جغرافية ا الارتباط التنوعي " فلسطين التاريخية " بحكم الطبيعة والتاريخ للأوساط الإنسانية بشكل عام ، انه ارتباط تنوعي طبيعي كما يرتبط بموجبه البريطاني بجغرافيته الوطنية أصلا أو كما الفرنسي أو الدنمركي أو العربي في قطر من الوطن العربي الكبير، ولذلك رأينا الفشل لهذه المشاريع جميعها بفعل إرادة وصمود اللاجئين وثباتهم بتمسكهم بحق العودة وقيام الثورة الفلسطينية في أواسط ستينيات القرن الماضي واستمرار وتواتر الانتفاضات والمقاومات الشعبية ضد الاحتلال بل الحروب العربية الإسرائيلية التي لا نرى نهاية لها في القريب العاجل كل هذا مستوحاه آت ولاشك من الحالة الطبيعية والتلقائية الدفاعية حد الاستماتة بتمسك الإنسان الطبيعي والسلقي بهويته وكيانيته الجغرافية حيث الوطن والسياسة والاقتصاد والاجتماع الإنساني في سياق الإقامة التنوعية الفطرية إن جاز التعبير ، أما الدراسات والأبحاث والتوجهات التي قالت إن الحل للصراع يكمن بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين بالاستناد إلى حقهم الطبيعي والأخلاقي فضلا عن القانوني والسياسي بالسماح لهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي أقصوا عنها قهرا وجبرا ، تبين الأيام والأحداث والوقائع على الأرض منذ النكبة وحتى يومنا هذا أنها هي الرؤية الحقيقية والحل الطبيعي لقضية اللاجئين ، والتي من خلالها من الممكن أن يوضع حد لهذا الصراع المرير .
الأساس الذي قامت عليه دولة إسرائيل كدولة يهودية خالصة عنصرية استندت في تحقيقها إلى مخطط وبرنامج التطهير العنصري ضد الفلسطينيين من خلال خططها العديدة أ،ب، ج ، واخيرا د التي رسمت المعالم النهائية في كيفية تنفيذ التطهير العرقي ضد العرب الفلسطينيين عبر تنفيذ المذابح والمجازر ضد القرى والمدن الفلسطينية لإيجاد حالة الرعب والخوف الشديد لدى هؤلاء السكان لتتم بعدها عملية تهجير الفلسطينيين ، هذا الأساس العنصري و"الغيتوي" الجديد في القرن الماضي والذي لازالت إسرائيل تحاول تثبيته من خلال الجدار الفاصل والانسحاب الأحادي والانكفاء وغيرها من الخطط الشار ونية والباراكية هو الذي يجعل هذا الكيان في حالة خوف ووجل وعدم اطمئنان وبالتالي عدم الاستعداد لسلام حقيقي ينهي النزاع والصراع ، لذلك فطبيعة الكيان الآنفة الذكر تجعل دولة إسرائيل دائما، وفي حالة كما يبدو أنها لاتنتهي ولن تنتهي، في حروب مع الدول العربية المجاورة بغية السعي الإسرائيلي لتحقيق الأمن والمحافظة بالتالي على الصبغة اليهودية العنصرية للدولة .
حول ما تقدم تحدث الأكاديمي الإسرائيلي المعروف والناشط السلامي "أيلان فابه" في كتابه الذي لم ينشر بعد عن " التطهير العرقي ضد الفلسطينيين "،وذلك خلال أمسية ثقافية أقامتها قبل أيام خلت جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين في الداخل في مدينة الناصرة حيث قال فابه في تلك الأمسية إن الحركة الصهيونية في سبيل إقامة دولة إسرائيل كانت قد ارتكبت جرائم ضد البشرية من خلال المجازر والمذابح التي ارتكبتها ضد قرى ومدن الفلسطينيين ، وان هذه الجرائم والمجازر جاءت في سياق مخطط صهيوني وضع صيغته النهائية ديفيد بن غوريون أحد مؤسسي دولة إسرائيل واحد عشر صهيونيا آخرين، وذلك بهدف طرد وتهجير الفلسطينيين عن ديارهم وممتلكاتهم ، وفي خطوات متقدمة جدا منه تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة نفى أيلان أن تكون عملية التهجير والطرد جاءت كنتيجة لحرب العرب مع إسرائيل سنة 1948 ، بل إن عملية تهجير الفلسطينيين كانت خطة مدروسة فصلت معالمها وفواصلها من خلال خطة "د" المعروفة ، وعلى حد تعبيره فانه بمجرد أن وضع أول جندي عربي قدمه في فلسطين كان أكثر من نصف الفلسطينيين بين لاجئ ونازح ، وهذا على عكس ما يذهب إليه ما يسمى بالمؤرخين الإسرائيليين الجدد الذين يرون أن عملية التهجير في جزء كبير منها كانت بسبب الحرب وأوامر الزعماء العرب بترك فلسطين مؤقتا لحين الانتصار على العصابات الصهيونية .
"أيلان فابه" يقول أيضا انه لايمكن أن يكون هنالك سلام في فلسطين إلا إذا اعترفت إسرائيل يمسؤوليتها عن النكبة وبحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم ،ويضيف أيضا إن السلام لايمكن أن يتحقق بانسحاب إسرائيل من أراضي ال67 واقامة الدولة الفلسطينية عليها بل لابد من الاقرار بحق العودة والسماح للاجئين الراغبين بالعودة ، لاشك أن الموقف السابق للأكاديمي والأستاذ الجامعي "فابه" يعد موقفا متقدما ومتطورا حتى وان صدر عن فرد إسرائيلي ، إلا أن أهميته تجيء في سياق كونه صادر عن شخصية علمية ومهنية وأخلاقية تضفي بالتالي نوعا من المصداقية أمام الرأي العام ولاسيما الغربي منه ، ولذلك فإن "أيلان" يرغب في طبع كتابه بالإنجليزية هذه المرة وليس بالعبرية بسبب يأسه على حد تعبيره في التحدث مع المجتمع الإسرائيلي حيث يقول : " أريد أن يقرا الطالب الجامعي الأجنبي الكتاب خلال إعداده لبحث أكاديمي ، وعندما يسال لماذا أقيمت منظمة التحرير الفلسطينية ؟ ولماذا قامت الفدائية ليلى خالد باختطاف طائرة ؟ حتما سيعرف الدوافع لذلك من خلال اطلاعه على الكتاب" .
كباحث متخصص في شؤون اللاجئين لم اكن سابقا اسمع بمثل هذه المواقف من " أيلان فابه" أو غيره من المؤرخين الإسرائيليين الجدد أمثال "هليل كوهين" أو "بني موريس" ، ولكن الموقف المذكور انفا يدلل على إن إسرائيل القائمة على إيديولوجية وفكر الدولة النقية أو العنصرية إذا بقيت على هذا النحو والتوجه ،فانه دوما ستبقى في حالة فزع وخوف من الآخرين وبالتالي الخروج من حرب لتدخل في أخرى وهكذا ، بسبب الطبيعة العنصرية ،وما يتولد عنها من خوف ذاتي وتلقائي، وجدنا أنها تشن العدوان تلو الآخر على العرب من اجل محاولة إقناع الذات الإسرائيلية بالأمن الموهوم من الخوف الموهوم أيضا ، وما حربها الأخيرة ضد اللبنانيين وتخوفاتها واستعداداتها المخفية والمعلنة ضد سوريا وايران إلا أفضل تفسير في هذا السياق .
ليس لدي أدني شك أن لإسرائيل دورا فيما يجري للاجئين الفلسطينيين في العراق، من أعمال قتل وطرد وملاحقة ونهب ، إذ إن إسرائيل تعتبر اللاجئين الفلسطينيين الكابوس الخطير الذي يهدد صبغة وطبيعة كيانها المؤسس على العنصرية الاثنية والتمييز العنصري كما هو الحال مع النظام البائد في جنوب أفريقيا ، هي تسعى دائما وبكل ما أوتيت من قوة وعلاقات دولية لتكريس سنة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين وشطب حقهم في العودة ، وفي هذا السياق يأتي دور الموساد الإسرائيلي في العراق تعاونه بعض المليشيات الطائفية من اجل إيجاد مدخل لتهجير اللاجئين الفلسطينيين من العراق تمهيدا لتوطينهم في شتات أوروبا لتكون هذه سابقة وخطوة ضد قضية اللاجئين الفلسطينيين التي لم تفلح بشأنها المؤامرات والالتفافات عبر اكثر من نصف قرن من الزمان ابتدأ مع حدوث كارثة النكبة وما سبقها من حلقات تهجيرية، وان بقيت النكبة العنوان الأبرز في تاريخ المأساة الفلسطينية.
24 – 1 – 2007
عماد صلاح الدين
كاتب وباحث في مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان – نابلس