مامن أحدٍ يشاركني الإفطاربك أمريكا-الفصل الأول بعنوان"بنت خالي جوزك صايم وبتشهون" بقلم/جمال أبوالنسب

بواسطة قراءة 2982
مامن أحدٍ يشاركني الإفطاربك أمريكا-الفصل الأول بعنوان"بنت خالي جوزك صايم وبتشهون" بقلم/جمال أبوالنسب
مامن أحدٍ يشاركني الإفطاربك أمريكا-الفصل الأول بعنوان"بنت خالي جوزك صايم وبتشهون" بقلم/جمال أبوالنسب

 

بادرتني زوجتي بالقولِ كلُ عامٍ وأنتَ بخيرٍ يا أبن عمتي ورمضان مبارك علينا .. وقبل ما أن أُجيبها قالت ما هذا كله .. ولمن كل هذا .. بعدما رأت أكثر من كيس ممتلئ على طاولةِ الطعام .. وراحت بعيونها تتفحص ما تبضعتهُ تواً من السوقِ .. وصارت تشق الأكياس دون أن تكلف نفسها بفتحها .. وما أن فرغت من بعثرت محتوايتها على الطاولةِ .. وضعَت كلتا يديها على صدرها قائلةً .. ((شو هاضا كلو يا زلمي .. طبعاً مع شهقة .. ولطمة على الصدر .. لا داعي لوصفها))  ...

قالت نحن في أول أيام هذا الشهرَ الفضيل .. يعني اليوم ليس أول أيام عيد الفطر المبارك .. قل لي هل قمت بدعوة أوباما وحكومته لمشاركتنا الإفطار .. أم أنك نسيت بأني أنا وأنت نعيش بمفردنا ( بهاي المخروبي ) ؟! .. (( هذه الكلمة أطلقها لسانها .. ونحن مازلنا في خطوتنا الأولى .. على سلم الطائرة .. بعدما هبطت بنا في مطار نيويورك ,, وعندما سألتها لما سميتيها مخروبي .. ردت بكلمتها الشهيرة هاضا هو والسلام )) .. وأنت قبل غيرك تعرف يكفينا الشيء القليل لإفطارنا .. اغتنمت الفرصة عند أخذها لنفس عميق .. لأقطع عليها الطريق .. كي لا تكمل قصيدتها العصماء..  وأنا طبعاً مستمع من الدرجة الممتازة .. لأني دوماً حين تبتدئ بقصائدها العصماء  .. أعطيها الأذن الصماء .. فأسرعت بالقول لها مع ابتسامة صفراء .. لا عليك يا ابنة خالي لأن زيادة الخير خير .. فقط أعدي ما تستطيعين من طعام .. لأني عَقَدةُ النِيةِ لأعطي شيئاً منه قبل الإفطار إلى الجيران .. حتى نحوز على الأجر والثواب .. والله يضاعف الأجر لعباده في هذا الشهر الكريم .. أو عسى ولعل أن يشرفنا ضيفاً .. فَنُمسك به كي يشاركنا الإفطار ...

بعد هذه المقدمة الصباحية المعتادة بيننا .. قضينا نهارنا .. بقراءة القرآن .. والصلاةِ بأوقاتها .. والدعاءِ والاستذكار .. والبحلقة أحدنا بالآخر .. بعدما ( خلص الحكي ) .. فأنا وهيَ نمارس البحلقة ببعضنا البعض من زمان .. وبنجاح منقطع النضير .. ونسينا أهيَ هواية نمارسها منذ الصغر .. أم هي عادة اكتسبناها عندما تقدم بنا العمر .. ولكن الحق يجب أن يقال نتائجها ممتازة .. خاصة في المواقف المحتدمة بيننا وما أكثرها .. أو حينما ينتهي فجأةً بيننا حديث .. أو يسكت في أفواهنا الكلام .. أو حين تغفوا ألسنتنا في حلقنا أو تنام .. بقينا على حالنا هذا .. إلى أن كدنا أن نفقد قدرتنا على رؤية بعضنا البعض .. ولا نعرف أهذا ناتج عن بحلقتنا الطويلة ببعض .. أم لضعف في بصرنا .. هذا لأن أجهزة فحص العيون .. المتطورة جداً في أمريكا لم تكتشفه بعد ...

فجأةً همت واقفة .. كمن توشك على اقتحام أعتى الحصون .. واجتياز أعلى السواتر ,, وهدم أقوى القلاع .. قائلةً لم يتبقى على أذان المغرب سوى ساعتين .. قل باختصار وعلى السريع .. ماذا تريد أن أعد لك من طعام على الإفطار يا أبن عمتي  ,, قلت لها تحبباً … ( بنت خالي جوزك صايم وبتشهون ) … (( أطبخي لنا // رزً أصفرً // وأضيفي عليه الشعريةً // ومكبعات البطاطةً المقليةً // وقليلاً من الصنوبرً // وأن لم يتوفرً فليكن لوزً مقشرً // ولا بأس أن كان فستقً أبيضاً // ولا تنسي أن تضعي عليه بقدونسً مفرومً //  ثم توجي هذه الطبقاتً // بأفخاذَ الدَجاجٍ المحمرً // .. وأبوك الله يرحم  )) ...

قالت ( حلوً // أكثيراً // شو أمفكرني بنت أربع طاشً // وكمان بلًشناً // مع الصنوبرً // واللوزً // والفستقً // إلى أن وصلنا إلى المحمرً // .. الله يستر // من هاي الون ون // .. ) يا أبن عمةً  .. قلت لها ماذا .. قالت لاشيء .. فقط أريدك أن تعرف دائماً .. أنا كم تفرحنني حين تكلمني باللغة العربية الفصحى .. لأن خبرتي ومعرفتي لها .. لا تقل عن خبرتي ومعرفتي بعلم الفلك والنجوم .. وقد تأكدت من ذلك بنفسي ولأكثر من مرة ,, لأني حين أسمعك تكلمني بها .. أنظر الى السماء فأرى النجوم تلمع فوق رأسي .. وأنا في عز الظهر ...

على كل حال أنا أردت أن أسألك .. لما كل هذا الوصف والتفصيل .. وكأنك تلقي على مسامعي قصيدة كلها غزلً وهيامً  بالطبيخ .. وكان بإمكانك اختصار طلبك  بنصف شطراً //  وليس بيتاً //  منَ  الشعرِ كاملاً // .. قلت لها ماذا تقصدين .. وماهذه الون ون // .. قالت بسرها (( كني انعديت منك ) .. عفوا قصدت بكلمة ونص .. قل لي أطبخي لنا ( منسف دجاج ) وأترك الباقي عليَ .. لأني أنا يا غالي .. مازلت أفهمك ولو بالإشارة يا ابن عمتي .. وكان الأحسن لي  بدلاً من الاستماع الى سمفونيتك هذه .. التي أستغرقت أكثر من ساعة وصدعتني به .. استغلال الوقت لسلق أفخاذ الدجاج على الأقل .. والله  يرحم أمك وأبوك .. ويرحم خالك اللي هو أبوي ...

وحين وجدت هذه الأريحية الظاهرة بكلامها .. والله يعلم بالباطن منها .. قلت آسف مقدماً يا إبنة خالي ..على طلبي البسيط جداً هذا .. لأني لا أحب أن أتعبك  (  بدي بس أذكرك بشوربة العدس // والسلطة العادية // وسلطة الخيار باللبن // وكثري من الطرشي // والمكدوس // والزيتون // ولا تنسي غسل الخضراوات // الكرفس // والكراث // والرشاد // والنعناع // والريحان // ( يا عيني على الريحان وريحتو ) .. ها .. كان نسيت كمان .. نضفي البصل الأخضر // والفجل .. والله يرحم خالي الي  هو أبوكي ) ...

يا إلهي كم أصبحت كثير النسيان .. معلش بنت خالي // ولو بيها غلبي // لا تنسي أن تضربي بالخلاط إبريق لبن // وحطي بيه الثلج مشان يبرد // والتمر إمبزر بيكون أحسن // عشان نفطر بيهن بس يأذن // ويا ريت وبدون زحمه الشاي يكون بالهيل // وجاهز بعد الفطور مباشرةً //  وقبل ما أنسى بنت خالي أنا بعرفك من زمان .. انتِ أمعدَلي بعمل العوامي // وخبيرة بالكطايف // وشاطره بالكاستر والمهلبية // وإذا بدك تسوي كزحة براحتك // أنا ما عندي أي مانع .. بشرط أتكون على طريقة أمي الله يرحمها .. مش على طريقة أمك .. وأنتِ عارفة ليش .. مشان نحلي بيها .. بعد صلاة العشاء والتراويح  ...

وبتعرفي أنا ما بحب أغلًبك .. خاصة وانتي صايمي .. وإلاً كان كتلك .. // لفي إلنا مغربية // .. صحيح هيَ ثكيلي على المعدة الفارغة .. بس نفسي هافي عليها .. أكُلك بلاش .. خليها بغير يوم .. عشان ما بدي أتعبك .. وكمان ما ضل وقت ,, قالت ششششو .. وبصوت أشبه بصوت قِدِر ضغط .. يعلن مزمجراً عن نضوج ما فيه منذ ساعة .. قلت لها سلامتك ولا شي .. بس لا أكون غلبتك بطلباتي .. بنت حاليإ إذا بدك أي مساعدة بالمطبخ أنا بالخدمة .. قلت لها آخر كلمة من حديثي المشوق هذا .. وأنا أضم رأسها إلى صدري .. فضحكنا بشدة معاً .. حتى كدنا أن نسقط على الأرض ...

بنت خالي أريد منك أن تكملي الطهي قبل الفطور بقليل .. وأن تعدي لي ( صينية ) طعام صغيرة وعلى نفس الوصف الذي ذكرته لك .. قالت لمن تريدها ,, قلت سأذهب بها لجيراننا فهم كثر .. وأعطيها لأي صائم منهم .. وذلك عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم .. أو كما قال والله أعلم .. من فطر صائماً له مثل أجره ولا ينقص من أجر الصائم شيئاً .. قالت ليس عندنا جيران صائمين .. فليس هنا من مسلم نجاوره في مجمعنا .. لأن آخر ثلاثة عوائل مسلمة كانت تقطن معنا انتقلت قبل أشهر من مجمعنا (( عقبالنا .. ويوم إلنا .. ويا ريت .. وإن شاء الله  ,, قالتهن بجملة واحدة بسرها )) .. قلت فليكن سأذهب وأعطيها لأول واحد يقبلها مني .. لننال أجر الصدقة في هذه الأيام الفضيلة من هذا الشهر الفضيل .. قالت أمرك ومثلما تريد .. ولكن الله كريم من الآن .. إلى أن يحين موعد أذان المغرب .. وأكون أنا قد أنهيت طعام الإفطار .. وفق المواصفات الفنية مثلما طلبت .. وبعد ما تخضعه إلى تعليقاتك .. عفواً مختبرات التقييس والسيطرة النوعية ..  مثل ما كنت تفعله معي منذ تزوجنا .. وفي كل رمضان يمر علينا يا إبن عمتي ...

والآن أرجو منك عزيزي القارئ أن تأذن لي بالتوقف عن الكتابة .. لأنه صار لزاماً عليً دخول المطبخ ..  لإبداء أرائي وأفكاري النارية .. في مجال تقديم الاقتراحات الشهية ,, التي تنفع لإفطارنا أنا وهيً .. وعسى ولعلي أكون قدمت الذي عليً .. من مساعدة لابنة خالي .. لأنه لم يتبقى على وقت الإفطار سوى ساعة .. كما أني لا أريد من أخي الكبير بشير الغزاوي أبو حسام أن يفكر أو يظن ولو للحظة واحدة .. بأني صرت أجهد أخته معي .. أو أصبحت أكلفها بما لا تقدر عليه .. أو أجبرها على ما لا تطيقه .. لا قدر الله ...

لذا إلى لقاءٍ قريب .. مع كل أخٍ وصديقٍ وحبيب .. إن كان هنالك في العمر بقية إن شاء الله ..


بقلــم / جمــــال أبــو ألنســــــب

الولايات المتحدة الأمريكية / كاليفورنيا

1/8/20111

رمضان 1432 هـ 

 

المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"