حرب أرقام بين لبنان والمجتمع الدولي حول عدد اللاجئين الفلسطينيين

بواسطة قراءة 4372
حرب أرقام بين لبنان والمجتمع الدولي حول عدد اللاجئين الفلسطينيين
حرب أرقام بين لبنان والمجتمع الدولي حول عدد اللاجئين الفلسطينيين

غير أنّ موضوع هذا التحرّك لا يتّصل بأزمة شغور سدّة رئاسة الجمهورية، ولا بانعكاسات حربَي سوريا واليمن على الساحة اللبنانية، بل يتركّز على ملفٍّ أساس هو فتحُ ملفّ مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان باكراً، والعمل على وضع تصَوّر عمليّ ورقمي له.

وفي المعلومات، يكشف مصدر مطّلع لـ»الجمهورية»، أنّ دولةً كبرى طلبَت أخيراً عبر قنواتها الرسمية المتخصّصة من الدوائر الرسمية المعنية في بيروت، تسهيلَ إجراء إحصاء جديد للّاجئين الفلسطينيين في لبنان.

وفيما اعتبَر الجانب اللبناني أنّ الظرفَ الراهن غير مناسب، لافتاً إلى أنّه يوجَد لدى الدولة إحصاء لا يزال صالحاً للأخذِ به، وهو يُحَدّد رقمَ اللاجئين ما بين 300 إلى 350 ألفاً (هناك إحصاءات للدولة اللبنانية ترفع الرقم إلى 700 ألف)، فإنّ المرجَع الإحصائي التابع للدولة الكبرى عينِها، شَكّكَ في هذا الرقم واعتبرَه غيرَ دقيق، وهي تتمسّك بالرقم 200 إلى 250 ألف لاجئ المعتمد لدى وكالة «الأونروا».

ويكشف المصدر أنّ هذا الإحصاء المطلوب دولياً إجراؤه في لبنان والذي سيشتمل على تعداد أرقامهم في المخيمات وجوارها، سيقابله إحصاءات مماثلة للّاجئين الفلسطينيين المقيمين في سوريا والإمارات ومصر.

ويبدو واضحاً أنّ رقم اللاجئين المعترَف به دولياً وأميركيّاً في لبنان، هو ذاته الرقم الذي تُظهِره سِجلّات «الأونروا» عن اللاجئين الفلسطينيين المسَجّلين لديها والذين يتلقّون مساعدات دورية منها.

ويطرَح هذا الواقع، حسبَ المصدر نفسه، إشارةََ خطرة لجهة أنّ لبنان بدأ يواجه «حرب أرقام « لتحديد العدد المعترَف به دوليّاً للّاجئين الفلسطينيين المقيمين فوق أرضه.

ووِفقَ الدلائل الأوّلية، فإنّ الفارق بين الرقم اللبناني لأعداد اللاجئين والرقم الدولي، هو نحو 150 ألفاً بحَدّه الأدنى. وهؤلاء لا يشملهم الرقم الدولي، واستتباعاً لن تكون لهم حقوق دولية ضمن تسوية الحلّ النهائي للّاجئين الفلسطينيين.

وعليه فإنّ معالجة وضعِهم بعد التسوية النهائية، ستتحمّله الدولة اللبنانية وحدَها، فيما اللاجئون المشمولون بالرقم الدولي (250 ألفاً)، هم وحدَهم مَن ستطبَّق عليهم موجبات التزام المجتمع الدولي نتائجَ التسوية الفلسطينية - الإسرائيلية النهائية، سواءٌ أقرَّت توطينَ جزء منهم في لبنان وتوزيع البقية على دوَل العالم، أو إعادتَهم إلى وطنهم بموجب قرار حقّ العودة، وهو أمرٌ مستبعَد.

وفد رام الله إلى لبنان:

وفي هذا السياق، علمَت «الجمهورية» أنّ اتّصالات حصلت أخيراً على مستوى جهات في الأمم المتحدة ذات صِلة بوكالة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا)، لإتمام خطوة تشكيل وفد فلسطيني ترسِله السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله إلى لبنان، ليُحصيَ عددَ اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فيه. واللافت أنّ هذا الوفد الذي يُفترَض أن يضمّ خبَراء إحصاء سينفّذ عمليات المسحِ الإحصائي في لبنان بنَحوٍ مستقلّ، ولن يضمّ بين أعضائه خبَراءَ لبنانيين أو ممثّلين عن الدولة اللبنانية.

وتجدر الإشارة إلى أنّ القرار الدولي في شأن البَدء بتحضير ملفّ اللاجئين الفلسطينيين للحظة الحلّ النهائي، قد اتّخِذ، وأنّه من الجدّية بحيث لن يكون في يدِ لبنان فعلُ الكثير في شأن الموافقة أو عدمها على الإجراءات التي ستُتّخَذ في سياقه، خصوصاً في ظلّ شَلل الدولة واستغراق طوائفه في النزاعات البَينية.

وواضحٌ أنّ المطلوب دوليّاً من لبنان هو تسهيل إنشاء ملف إحصائي للّاجئين الفلسطينيين على أرضه، يُمهَر بتوقيع الأمَم المتّحدة والسلطة الوطنية الفلسطينية والدولة اللبنانية، وذلك مقدّمةً لتكوين ملفّ للوجود الفلسطيني اللاجئ في لبنان، يكون جاهزاً على الورَق الأممي (مجلس الأمن) والدولي والإقليمي وبالمعطيات الرقمية والقانونية، لاعتماده سيناريو معَدّاً سَلفاً عند اعتماد صيغة الحلّ النهائي في المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية متى حان وقتُها.

تبقى الإشارة إلى أنّ في الوقت الذي يتحرّك المجتمع الدولي لترتيب الموجبات التي على التسوية النهائية للقضية الفلسطينية تأمينُها للّاجئين الفلسطينيين في الدوَل العربية، ولبنان على رأسِها، فإنّ السجال السياسي اللبناني ساهٍ عن هذا الملف الذي يعرّض مجملَ بنيةِ لبنان الديموغرافية لخَللٍ كبير في حال جاءَ حلُّ قضيةِ حقّ العودة.

ناصر شرادة- جريدة الجمهورية