ولم تحصل عمليات الاعتقال العشوائية فقط عبر المداهمات
المفاجئة، بل تعتمد أيضا وشاية ما يعرف بالمخبر السري، والذي ألغاه مجلس الوزراء
العراقي في "آذار مارس" 2013 بعد احتجاجات واسعة في المحافظات السنية.
وبينما تخفض الأرقام الحكومية عدد السجناء الكلي في
وزارات الدفاع والداخلية والعدل وسجون "الحشد"، إلى 35 ألف معتقل، فإن
جهات حقوقية مختصة، ترفع العدد إلى 70 ألف سجين، عدا آلاف المختطفين والمفقودين
والمغيبين.
الأحكام الجائرة وانتزاع الاعترافات بالإكراه:
وحصل مرصد أفاد على شهادات جديدة تسندها تقارير من
منظمات حقوقية دولية ومحلية بأنّ قوات الأمن العراقية وإدارات السجون والتوقيف، ما
زالت تنتهج سياسة الإذلال والاضطهاد ضد المعتقلين، واستخدام السب والشتم والعبارات
الطائفية والضرب دون مبرر، والتعذيب الذي يوصف بالممنهج، وأن قوّات الأمن تلفق
التهم لبعض السجناء عقب إخضاعهم للتحقيق والحبس الانفرادي، أو تنتزع اعترافاتهم
تحت التعذيب.
الاكتظاظ:
تعاني السجون من وجود أعداد كبيرة جدا من الموقوفين
تفوق السعة الحقيقة لتلك السجون دون مراعاة الشروط الصحية والإنسانية، فضلا عن حرمانهم
من الغذاء والتهوية المناسبين، وزادت الأوضاع سوءاً مؤخرا في ظل انتشار وباء
كورونا.
وقد حصل مرصد أفاد على معلومات موثقة أكدت وفاة 12
نزيلاً بسبب الفيروس وسط إهمال واضح من الجهات الصحية، من بين أكثر من 1200 نزيل
بفيروس كورونا، أشارت لهم آخر إحصائية لمفوضية حقوق الإنسان في العراق في شهر
نوفمبر تشرين الثاني الجاري.
إطعام السجناء:
بحسب أرقام حديثة وصلت المرصد فإن كلفة السجين الواحد
حاليا تبلغ 10 آلاف دينار يوميا، بينما تبلغ التكلفة الكلية للسجناء نحو 300 مليار
دينار عراقي خلال عام واحد. ورغم تلك الأرقام الكبيرة فإنها لا تمت للواقع بصلة،
إذ لا ينال السجناء أطعمة كافية أو فُرش وأغطية مناسبة ناهيك عن الأدوية الناجعة،
وتشير جهات رقابية إلى أن هذا الملف من أكثر الملفات فسادا، حيث تتربح منه جهات
سياسية تحتكر ملف إطعام السجناء واحتياجاتهم منذ سنوات طويلة.
الابتزاز:
يؤكد المئات من ذوي المعتقلين في اتصالات مع مرصد أفاد
وجود مساومات تجرى بين الأجهزة الأمنية وذوي السجناء بدفع أموال مقابل إطلاق سراح
أبنائهم من السجون، بل إن بعضهم لا يمكنه الخروج من السجن رغم براءته، أما عن
أسعار إطلاق السراح فتتراوح بين 50-300 ألف دولار حسب نوع الحكم ومكان السجناء،
مشيرين إلى تواطؤ كثير من المحامين والقضاة في عمليات الابتزاز التي تمتد إلى
زيارات المعتقلين من ذويهم، وإدخال الحاجات الضرورية والأدوية وحتى أجهزة الهواتف.
كما أشارت مصادر "أفاد" إلى وجود تعامل طائفي وتمييز سجناء على سجناء
آخرين على أساس المذهب.
دور وزارة العدل والأجهزة القضائية:
تتهم "منظمة العفو الدولية" في تقرير لها بعض
الأجهزة القضائية العراقية بغض النظر عن انتزاع الاعترافات تحت التعذيب وقد يتم
إصدار أحكام الإعدام بجلسة واحدة أحيانا، وقد أعدم 21 سجينا في سجن الحوت في مدينة
الناصرية بالتزامن مع إعداد هذا البيان. وتضيف منظمات دولية أن إدارات السجون
تعطّل إنفاذ القرارات القضائية بغية ابتزاز الموقوفين، عبر تأخير عرضهم على القضاء
لأشهر عديدة. كما أفاد مراقبون لـ"حقوق الإنسان" تابعين لـ"الأمم
المتحدة" إن 50 سجينا عراقيا يواجهون احتمالية الإعدام نهاية شهر
"نوفمبر تشرين الثاني" الجاري، بعد إدانتهم بجرائم تتعلق
بـ"الإرهاب" في محاكمات جائرة.
قانون العفو العام:
ورغم تصويت "مجلس النواب" العراقي نهاية 2016
على قانون العفو العام، إلا أنه فشل بتحقيق مبتغاه بإطلاق سراح عشرات الآلاف من
السجناء انتزعت اعترافاتهم بالقوة، حتى مقترح العفو الخاص الذي تقدم به رئيس
الوزراء السابق عادل "عبد المهدي" قبل بضعة أشهر، لمواجهة تفشي فيروس
كورونا، واجه اعتراضات من جهات سياسية وقضائية.
المفقودون والمغيبون:
بحسب اللجنة الدولية لـ"الصليب الأحمر"، فإن
العراق يضم أكبر أعداد المفقودين في العالم. إذ تقدّر اللجنة الدولية للمفقودين،
أن العدد يتراوح بين 250 ألف ومليون شخص.
ومنذ عام 2016، وثّقت "هيومن رايتس ووتش"
عمليات الإخفاء القسري المستمرة على أيدي قوات الأمن العراقية و"فصائل
الحشد" وقوات البيشمركة، موجهةً انتقادها الصريح للسلطات في بغداد وإقليم
كردستان على عدم بذل ما يكفي لمعاقبة الضباط والعناصر المتورطين في حالات الإخفاء.
وأفادت "هيومن رايتس ووتش" أن القوات الحكومية و"فصائل الحشد"
نفذت إعدامات دون محاكمة، واقتادت الآلاف من مناطق متعددة إلى جهات مجهولة خلال
عمليات ضد "تنظيم داعش" مثل جرف الصخر جنوب بغداد والصقلاوية والرزازة
في محافظة الانبار ومناطق الدور ويثرب في صلاح الدين والحويجة في كركوك فضلا عن
الموصل.
وأكدت أرقام مفزعة حصل عليها مرصد أفاد من مديرية
التحقيقات الوطنية في وزارة الداخلية، أن سجن مديرية الاستخبارات في مدينة الموصل
وحده يضم 6167 سجينا، وأن السلطات أصدرت مذكرات اعتقال جديدة لنحو 32 ألف شخص ممن
كانوا موظفين حكوميين في دوائر خدمية (مستشفى، بلدية، ماء ومجاري، إطفاء. إلخ...).
المعتقلون في سجون إقليم كردستان العراق:
لا يختلف الحال كثيرا عن مئات المعتقلين من محافظتي
كركوك ونينوى تم نقلهم إلى سجون إقليم كردستان خلال السنوات الماضية، ترفض سلطت
الإقليم الإفراج عنهم أو التصريح عن مصيرهم أو زيارتهم.
السجناء والمغيبون من ناشطي "ثورة تشرين":
تواجه حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي انتقادات
مماثلة لتلك التي واجهتها حكومة عادل "عبد المهدي" بالتغاضي عن اختطاف
الفصائل المسلحة للمئات من ناشطي الاحتجاجات التي اندلعت في شهر "تشرين الأول
أكتوبر" من العام 2019، والتي تعرضت للقمع من الأجهزة الحكومية وميليشيات
بعضها مرتبط بـ"هيئة الحشد" التي تقول إنها تخضع لأوامر الحكومة.
وبناءاً عليه، يؤكد مرصد أفاد أن ملف الاعتقال والإخفاء
سيظل جرحاً نازفا في الجسد العراقي، وأحد عوامل استمرار التصدع الاجتماعي، ما لم
تبادر حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي باتباع مقاربة مختلفة عن أسلافها،
تهدف لإنهاء ملف المحاكمات الجائرة، وتطهير القضاء، وإنهاء ممارسات التعذيب
ومحاسبة المتورطين فيها، وإغلاق بوابة الانتهاكات، والكشف عن مصير الآلاف من
المختطفين والمغيبين.
ويؤكد المرصد أن الرئاسات الثلاث و"البرلمان"
متورطون بهذا الملف الإنساني بالسكوت عن استمرار تداعياته.
كما يناشد المرصد "الأمم المتحدة" والمجتمع
الدولي للضغط على حكومة بغداد، وفضح السلوكيات اللاإنسانية لبعض المسؤولين
وتقديمهم لمحكمة الجنايات الدولية.
مرصد أفاد
9/4/1442
23/11/2020
#المغيبين_الفلسطينيين_في_العراق