اللاجئون الفلسطينيون في العراق ورحلة البحث عن منافي جديدة – 2-
صادق أبو السعود
اللاجئون قبل الاحتلال:
مع دخول الفلسطينيين العراق تولت وزارة الدفاع العراقية مسؤوليتهم حتى عام 1950 وكانت الوزارة توزع عليهم الأرزاق كما كانت توزعها على الجيش ومن عام 1951 لغاية نيسان 2004 كانت تتولى المسؤولية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وعندما تولت الوزارة المذكورة مسؤولية اللاجئين كانت تمنحهم في البداية وحسب ما ذكر نمر العدوان (11)بدل نقدي قيمته 100 فلس للنفر الواحد وقد توقف هذا الدعم في عام 1970.
أما بالنسبة للحقوق التي توفرت للاجئ فهي كما يلي:
1. السكن : وقد تحدثنا عن ذلك في مكان سابق ولكن يجب التنويه بأن مجاميع اللاجئين قد سكنت في البداية في النوادي والمدارس وبعد ذلك أي في عام 1950 ولغاية 1960 كان السكن في الأملاك المجمدة وهي غالبا ما كانت أملاكا لليهود .
2. مجانية التعليم والصحة كما هو الحال بالنسبة للجميع في العراق.
3. منح الفلسطينيين وثيقة سفر وهي تختلف عن جواز السفر وهي خاصة بالفلسطينيين وقد نوه عز الدين أبو ألوفا (12)إلى أن وجود الفلسطينيين في العراق منذ 1948 حتى 1958كان بدون أي وثيقة تعريفية بهم, وفي عهد عبد الكريم قاسم تم إصدار أول وثيقة سفر للفلسطينيين في العراق.
4. تمتع الفلسطينيون فيما بعد بحق العمل في أطر الدولة المختلفة إلى أن صدر قرار 23 الذي حرم على غير العراقي التملك والاستثمار وشمل ذلك الفلسطيني المقيم منذ عام 1948 وكان محروما حتى من تسجيل مركبة باسمه وقد شكل هذا القرار عبئا كبيرا على الجالية وظروفها الاقتصادية إلى الحد الذي دفع بالبعض منهم إلى الهجرة أملا في تحسين أوضاعه الاقتصادية ويمكن القول بان هذه الهجرة قد أخذت طابعين أساسيين هما:
أ- الهجرة الدائمة حيث توجه البعض إلى الدول الأوروبية واستراليا.
ب- هجرة مؤقتة وهي كانت بهدف العمل وكانت في اغلبها موجهة للدول العربية.
5. كان الفلسطيني الذي يعمل في إطار الدولة في البداية محروما من التقاعد بحجة عدم التوطين وقد تم إلغاء هذا القرار فيما بعد.
6. صدور بعض القرارات عام 1980والتي عادة ما كانت تستمر لعدة اشهر تسمح للفلسطينيين بالتملك أي تملك العقار وجرى ذلك أيضا في عام 1988م ولعدة اشهر. وفي الاعوام 1990- 1994 - 1996 صدرت تعليمات عن ديوان الرئاسة استثني فيها الفلسطينيون القادمون منذ عام 1948- 1950من قرار عدم تمليك الأجانب حيث سمح لهم بتملك دار سكن واحدة.
7. ذكر المحامي محمد عبد المطلب(13) أن الحكومة العراقية تعاملت مع ملف اللاجئين ضمن صيغة قرارات وتعليمات ولم يكن هناك أي قانون ينظم تواجد الفلسطينيين في العراق وطبيعة العلاقة مع الدولة سوى قانون واحد جاء ضمن قانون المحاماة الذي يساوى المحامي الفلسطيني بالمحامي العراقي. إن عدم وجود قوانين واضحة وصريحة تنظم العلاقة ما بين مجتمع اللاجئين والدولة ترك الأمور لاجتهادات ومزاجية نظام الدولة والذي عكس نفسه سلبا على اللاجئين أنفسهم وما يجري حاليا من اضطهاد وملاحقة اللاجئين دليل بين وواضح على غياب القانون الذي يعنى بوضع اللاجئين وانعكاس صريح لما ذكرنا سابقا.
8. لقد تأثر الفلسطينيون في العراق بظروف الحصار شأنهم في ذلك شأن كل العراقيين، وكما هو معروف فان الحصار خلق مضاعفات اقتصادية واجتماعية عكست نفسها على كافة شرائح المجتمع العراقي, واللاجئ الفلسطيني المتواجد هناك ليس بأفضل حال من العراقي بل كان وضعه أسوأ بكثير فقد خسر الكثير من الامتيازات التي كان يتمتع بها وذلك إما بفعل القرارات الصادرة عن الحكومة العراقية أو بفعل تراكمات الوضع العام. فقد أصدرت الحكومة بعض القرارات حرمت فيها اللاجئ وعلى وجه الخصوص القرار 23 من الكثير من الحقوق التي كان يتمتع بها منها (14):
أ- منع من حق امتلاك العقار أو الأرض وهو ما كان يمتلكه أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
ب- منع من حق تسجيل وامتلاك المركبات العمومية أو الخصوصية باسمه واستمر هذا الحال فترة طويلة إلى قبيل الحرب الأخيرة على العراق بفترة بسيطة فقد أعادت الحكومة حق امتلاك العربة والبيت للاجئ مع بقاء المماطلة والتسويف في آلية التطبيق.
ت- منع الفلسطيني من حق استئجار المحلات التجارية وترافق ذلك مع عدم منح الفلسطينيون وثائق تجارية تخولهم بالاستيراد والتصدير كما منع من فتح حساب توفير أو جاري في البنوك.
ث- قامت السلطات العراقية بمنع الفلسطينيين من السفر إلا بالحالات الاستثنائية واستمر ذلك إلى حين السماح للعراقيين بالسفر مع ضرورة دفع مبلغ 400 ألف دينار عراقي,فقد انطبق هذا القرار على اللاجئ الفلسطيني وكان عليه أن يدفع المبلغ المذكور أعلاه فيما لو أراد السفر.
ج- الوضع الاقتصادي المتدهور وانهيار قيمة الدينار في العراق عكس نفسه وبشكل كبير على وضع اللاجئين الاقتصادي والذي أصبح في حالة يرثى لها وخاصة أولئك الذين كانوا يعملون في سلك الوظيفة لدى الحكومة واعتماده فقط على الراتب الذي فقد قيمته الشرائية نتيجة للتضخم وفقدان الدينار لقيمته أمام الدولار إذ بلغ الراتب الشهري للموظف في بعض الأحيان ما قيمته 3دولارات للشهر الواحد.
ح- ارتفاع نسبة البطالة في صفوف اللاجئين وازدياد عدد الذين فقدوا فرص عملهم وذلك إما بفعل تسريحهم من وظائفهم أو تركهم لهذه الوظائف بفعل الرواتب المتدنية على أمل منهم بالحصول على وضع أفضل.
خ- ورافق هذا الوضع الاقتصادي المتأزم تأثيرات اجتماعية مثل ارتفاع نسبة العنوسة في وسط الشباب من كلا الجنسين وذلك بسبب العزوف عن الزواج بسبب كلفته العالية وهذا قد خلق مشاكل اجتماعية عديدة، وارتفاع نسبة الطلاق، بالإضافة إلى تدني المستوى التعليمي لأفراد الجالية وذلك بسبب ازدياد متطلبات المعيشة والتي باتت أكثر إلحاحا من ذي قبل بسبب الظروف الاقتصادية الناجمة عن الحصار إذ دعت الحاجة الكثير من أفراد الجالية لترك المقاعد الدراسية والالتحاق في ركب العمل بغرض تأمين ظروف معيشتهم وذلك لم يقف عند حدود البالغين فقط بل شملت الأطفال أيضا وقد أدى هذا إلى ارتفاع نسبة العمالة في صفوف الأطفال وازدياد ظاهرة التسرب من المدارس.
23/5/2009
صادق أبو السعود
باحث في مركز القدس للدراسات السياسية
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"