عائلة صابر الحاج أحمد التي فرت من منطقة البلديات الواقعة شرق العاصمة بغداد، بعد أن تحولت هذه المنطقة إلى واحدة من أكثر الأهداف سهولة بالنسبة لقذائف الميليشيات التي لا ترى في هذا المجمع سوى "بؤرة للإرهابيين والنواصب والكفرة والقتلة وأعوان النظام السابق" كما يحلو لعدد من أفراد الميليشيات أن يطلقوا عليهم.
تقول أمّ احمد إنّ المجمع تحوّل إلى جحيم بعد أن أصبح يُستهدف بالقذائف الصاروخية عقب كل عملية تفجير تقع في بغداد، وخاصة في الأحياء الشيعية، كما تقول.
وتضيف "قبل سقوط النظام السابق كنا نعيش بأمان وطمأنينة ولم يكن هناك ما يعكر صفو حياتنا، أنا ولدت في بغداد، وزوجي كذلك، وعلاقتنا مع العراقيين كانت على أفضل ما يرام، كنا نعيش وسط أهلنا، لم نكن نميز بين شيعي وسنّي، كنا نعرف أن الجميع عراقيون، غير أن الحرب الأخيرة واحتلال العراق حولنا إلى إرهابيين وأعوان للنظام السابق، ونحن لم نكن في يوم من الأيام نعيش بحال أفضل من العراقيين، بل إننا لم نكن نعمل في وظيفة حكومية وأغلب أبناء المجمع يعرفهم العراقيون بأنهم من الحرفيين، أصحاب مهن وحرف".
وتتابع أمّ أحمد حديثها "عقب سقوط النظام مباشرة، وفي ظل أعمال النهب والسلب تعرض المجمع في البلديات إلى هجمات من قبل مسلحين كانوا ينتمون إلى منظمة بدر وقاموا بترحيلنا من المجمع على اعتبار أنه ملك العراقيين، ونحن أتباع صدام يجب أن نخرج منه، غير أن جهوداً بُذلت أعادتنا إلى المجمع، وكانت هذه أول شراره تؤكد أن القادم بالنسبة للفلسطينيين في العراق سيكون أقسى".
أمّ أحمد التي تسكن الآن مع أبنائها الثلاثة في منطقة العامرية غرب بغداد، وهي واحدة من الأحياء السنية المعروفة، انتقلت إلى هنا قبل ثلاثة أيام فقط، أي أنها عاشت أغلب الهجمات التي تعرض لها المجمع الفلسطيني في بغداد، أما زوجها، فهو بعد أن نقلهم إلى هذا المكان الآمن كما يرى، فإنه يذهب يوميا إلى منطقة حي العدل من أجل أن يجد طريقة يجلب بها أثاث منزله، فهو كما تقول زوجته يسعى إلى قيادات سنية مشاركة في الحكومة هناك من أجل أن توفر له حماية.
وتصف أمّ أحمد التي تحدثت لوكالة "قدس برس"، أنّ الهجمات التي كانت تستهدف المجمع الفلسطيني قائلة "كنا لا نعرف النوم بتاتا، كنا نشعر بالخوف والهلع، ففي أي لحظة ممكن أن تسقط قذائف الهاون على المنازل، وفي أي لحظة يمكن أن تقتحم الميليشيات المجمع، الميليشيات الشيعية كانت تستهدفنا لأننا سنة وليس لأننا فلسطينيون، هذا الأمر بات واضحا، السنة في العراق مستهدفون سواء أكانوا عراقيين أو غيرهم من العرب، الهجمة تركزت علينا لأننا لنا مراكز واضحة ومعروفة، بداية الاستهداف كان حكوميا، في عهد حكومة إبراهيم الجعفري، حيث سلطوا علينا لواء الذئب سيء الصيت، وكان يقوم بعمليات اعتقال بصفة رسمية، وأغلب الذين يتم اعتقالهم يتم عرضهم على شاشة قناة "العراقية" على أنهم إرهابيون، هذا ضاعف حجم الهجمات علينا، وفي ظل حكومة المالكي الحالية باتت الهجمات تأخذ شكلا آخر".
وأضافت "إننا نعاني نفس ما يعاني منه السنة العراقيون، الهجمات باتت تأتي من السماء، قذائف هاون وهجمات صاروخية، الموت يتربص بنا من كل جانب".
العائلة الفلسطينية التي وجدت لها مأوى في حي عراقي يمكن أن يدافع عنها لا ترى أن هناك مكانا آمنا في العراق، فالبلد كما تخبرنا أمّ أحمد بات غابة للقتل والموت.
وتضيف "لقد شاهدنا العشرات من الفلسطينيين والعراقيين الذين خطفوا على يد الميليشيات كيف مُثل بجثثهم وكيف أحرقوا، إنهم يتصرفون بوحشية متناهية، قبل أيام خطف الشيخ عبد الخالق توفيق، وعثر على جثته بعد أن مثل بها تمثيلا بشعا، الشيخ عبد الخالق يطلق عليه اسم عميد الجالية الفلسطينية، وكان أحد الذين قاموا بزيارة مقتدى الصدر في العام الماضي من أجل أن يدعوا إلى وقف استهداف الهجمات التي تستهدف الفلسطينيين، غير أن شيئا من ذلك لم يحدث".
نيران القذائف التي تتساقط من السماء لا يبدو أنها ستكون رحيمة بأبناء الجالية الفلسطينية، فالموت والتهجير لازم أبناء هذا الشعب منذ عام 1948، وبعد أكثر من نصف قرن، هاهم أبناء الجالية الفلسطينية يبحثون عن ملاذ آمن.