د.احمد ناصر الكبيسي-أستاذ جامعي في كلية العلوم السياسية:
تسع سنوات في حربين عالميتين أجبرت أوروبا والغرب على الكثير لخدمة المدنيين النازحين واللاجئين، وعشرات الحروب العربية لم تحركنا لموقف مشترك، بدأ الغرب باتفاقية جنيف 1951 لحقوق اللاجئين التي طورت وغدت عالمية وزيد فيها من التزامات الموقعين عليها.
عربياً، ومع نكبة فلسطين 1948، ظهر اللاجئون بكثرة في دول الجوار، كانت قرارات الجامعة العربية حول رفض تجنيسهم مقبولة ومفهومة سياسياً، لكن بالتوازي مع ذلك لم يتم توحيد أو تقريب إجراءات التعامل معهم، فخضع اللاجئون الفلسطينيون لأهواء حكام المنطقة وتحملوا أحياناً أفعال زعمائهم الفلسطينيين، تارة يسمح لأبنائهم بالدراسة مجانا وتخصص باسمهم الإعانات ويكرمون في الاحتفاليات، ثم فجأة يصبحون غير مرغوب فيهم فيُلاحقون أو يُحاصرون أو يُطردون..ان ما حدث لاخوتنا الفلسطينيين في العراق ما بعد الاحتلال الامريكي في التاسع من نيسان عام 2003 كارثة انسانية دفعوا فيها اخوتنا الفلسطينيين ثمن باهض لتحالفات القيادات الفلسطينية مع العراق حتى ان قياداتهم تخلت عنهم بعد الغزو بعد ان استفادوا من دماء ابناءهم الطاهره بل والاسوء ان قياداتهم لم تطالب بدماء ابناءهم التي اباحتها الميليشيات وكانهم باتوا في معادلة اوسلو والغزو الامريكي فاقدي الهوية(بدون).
ان ما دفعني لكتابة هذه المقالة هو تصريح سيادة السفير الفلسطيني دليل القسوس في العراق بخصوص عودة اللاجئين الفلسطينيين من مخيمات الوليد والتنف الصحراوية الى داخل الاراضي العراقية,دعوة القسوس جاءت بالتزامن مع دعوة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بعدم الضغط على اللاجئين العراقيين للعودة الى العراق محذرة من عودتهم بذات الوقت.فياترى هل دماء اشقاءنا الفلسطينيين رخيصة لتعريضها للقتل وانتهاك حقوق الانسان داخل العراق؟وهل تم الاتفاق على تعويضهم عن ما لحق بهم من دمار شامل في تركيبة حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والصحية؟وهل تم الاتفاق على اطلاق سراح ابناءهم الابرياء من سجون الاحتلال والحكومة العراقية؟وهل تم الاتفاق مع الحكومة العراقية بوثيقة رسمية بعدم التعرض للاجئيين الفلسطينيين في العراق؟نخشى ان يكون الهدف من اعادة اشقاءنا الفلسطينيين الى العراق ذو دوافع سياسية ولاسيما ان الاعلام الامريكي يباشر بتسويق اخبار مبرمجة لاحباط نقل اللاجئين الفلسطينيين من الصحراء الى الاراضي السودانية وهذا الاعلام بدا بالتزامن مع امر محكمة الجنايات الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير بسبب ما وصفته المحكمة جرائم ضد اللاجئين في دارفور اي ان الهدف هو عدم تحقيق مكاسب سياسية للبشير بخصوص اللاجئيين.
الادارة الامريكية ترغب باحتواء هذا المكسب باقل التكاليف,لذلك توجهت اطراف امريكية سياسية في مؤتمر باريس لملاقاة الرئيس الفلسطيني محمود عباس مقدمين له كافة العروض المالية بالمقابل التحرك لاعادة اللاجئين الفلسطينيين الى داخل الساحة العراقية حتى لو دخلوا الرمادي او اي مدينة عراقية فما يهم الادارة الامريكية هو تزحزح اللاجئين من الشريط الحدودي كي تطمر قضيتهم نهائيا.
بالنسبة لنا كعراقيين فاننا نعتبر اخوتنا الفلسطينيين في العراق هم جزء من الجسد العراقي وعشنا وتعايشنا معهم عقود طويلة بالافراح والاقراح وما طال العراقي قد طالهم,جميع العراقيين يرحبون بعودة اخوتهم الفلسطينيين الى العراق لكن ما يدفع المرء للكتابة هو استخدام اخوتنا اللاجئيين الفلسطينيين ككبش فداء في المعادلة الامريكية الاخيره ولاسيما ان البيدق المحرك لها هذه المره من يحسبون عليهم فهم قد ادخلوا اللاجئين الفلسطينيين بهذه الخطوة المدروسة ضمن دائرة صراعات محلية ودولية وما يهمنا من هذه الصراعات المحلية هو جيش المهدي,حيث ان جيش المهدي بات ينظر الى اخوتنا الفلسطينيين كحلفاء لقوات بدر والمجلس الاعلى بسبب تكرار لقاءات السلطة الفلسطينية مع عمار الحكيم بينما تناست السلطة الفلسطينية الى ان جيش المهدي هو المسبب الرئيس بازمتهم فبدلا من التوجه الى ملاقاة جيش المهدي لتلافي ردة فعلهم,تحركت السلطة الفلسطينية تجاه الذ اعداء جيش المهدي متمثلا بقوات بدر.
نحن كعراقيين عروبيين نقول لاخوتنا الفلسطينيين اهلا وسهلا ببلدهم الثاني العراق ولكن الهدوء الحالي هو هدوء مؤقت يسبق العاصفة ونخشى على دماء اخوتنا الفلسطينيين الطاهره في بلد لاتزال قوات الاحتلال الامريكي تعبث به من شماله الى جنوبه.وفي نهاية المطاف نقول لاشقاءنا الفلسطينيين في الصحراء:صحراء جدباء شتاؤها برد زمهرير وصيفها قيظ الهجير..إنها المكان المناسب حقا للمعيشة الرغدة ولكن للعقارب والثعابين فقط وليس للفلسطينيين ولكن العراق الجديد احتلال ودسائس شتاؤه عبوات وانفجارات وصيفه مؤامرات واغتيالات...انه المكان المناسب حقا للمعيشة الرغدة ولكن للعملاء والمتصهينيين.