بسم الله الرحمن الرحيم
لقد تكلمنا في موضوع سابق عن معنى وسبل نجاح العلاقة الزوجية تحت عنوان "العلاقة الزوجية الناجحة جزء هام في ديمومة الحياة " والكلام عن نجاح العلاقة الزوجية يحتاج الى جهد ووقت ليس بالقصيرين لأهمية تلك العلاقة وتأثيرها على المجتمع في حال فشلها او نجاحها ,فعند تجاوز هذه المرحلة واقصد نجاح العلاقة الزوجية سوف تنعكس ايجابياتها وبشكل ملحوظ على تربية الأولاد واكتسابهم عادات حسنة من قبل الوالدين وهذا من شأنه تحقيق توازن عائلي مبني على أساس ناجح ومستقيم من قبل الوالدين من الناحية الدينية والخلقية ,وقول الله تعالى في هذا الشأن لعظيم في قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}, فإذا كانت علاقتكم الزوجية فاشلة وتريدون التعويض في أطفالكم فانتم تجمعون لكيس مثقوب، لان العلاقة الزوجية المقطوعة هي ثقب في جدار شخصية الأولاد, فالاهتمام بالعلاقة الزوجية آو عدم الاهتمام بها هو اكبر تأثير من الناحية السلبية او الايجابية على تنشئة ونفسية الأطفال.
إي أن للوالدين مسؤولية ليست بالهينة في تربية وإنشاء الأولاد , فإن الأولاد أمانة في أعناق الوالدين، والوالدان مسئولان عن تلك الأمانة، والتقصير في تربية الأولاد خلل واضح، وخطأ فادح؛ فالبيت هو المدرسة الأولى للأولاد، والبيت هو اللبنة التي يتكون من أمثالها بناء المجتمع، وفي الأسرة الكريمة الراشدة التي تقوم على حماية حدود الله وحفظ شريعته، وعلى دعائم المحبة والمودة والرحمة والإيثار والتعاون والتقوى- ينشأ رجال الأمة ونساؤها، وقادتها وعظماؤها.
والولد قبل أن تربيه المدرسة والمجتمع- يربيه البيت والأسرة، وهو مدين لأبويه في سلوكه الاجتماعي المستقيم، كما أن أبويه مسئولان إلى حد كبير عن انحرافه الخلقي. قال ابن القيم- رحمه الله تعالى-: "وكم ممن أشقى ولده، وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء".وعمومًا فإن المشكلات الزوجية قد تؤثر تأثيرًا سلبيًا على تربية الأبناء من الجوانب الآتية:
1- محاولة جذب أحد الأبناء من قبل احد الوالدين على حساب الطرف الآخر: وهذا السلوك يفعله الجاهل من الآباء والأمهات حينما يريد أن يكسب جولة في معركة أسرية، ويحب أن يكسبها بأية طريقة حتى لو كانت على حساب الأبناء مستقبلاً، فهو ليس في ذهنه أصلاً أن العلاقات المتأزمة بين الزوجين يمكن أن تؤثر على تربية الأبناء بالسلب، فإذا استجاب الأبناء إلى محاولة الأب الذي يريد أن يضمهم إلى صفه، فقد يحاول الطرف الآخر نفس المحاولات، فيضطر أن يقدم نفس التنازلات، وفي هذه الحالة يفلت ميزان التربية في البيت.
2- ضياع العدالة من قبل الوالدين او احدهما في التعامل مع الأولاد : أو عدم العدل في حب الأبناء، وملاحظة ذلك من الطرف الآخر، واعتراضه عليه دون اكتراث من الطرف غير العادل، ففي هذه الحالة تجد احد الزوجين الذي لا يفهم الخطورة التربوية المترتبة على أي تصرفات مع الأبناء أثناء الخلاف، تجده يعامل ذلك الابن بجفاء، وكأنه يحمّل ذلك الابن مسؤولية أخطاء الطرف الآخر ومن المعروف أن عدم العدل بين الأبناء هو نوع من الظلم، وعندما يمارس الأبوان أو أحدهما الظلم في البيت مع الأبناء؛ فإن ذلك يوجد عدم قناعة بين الأبناء بعدم ضرورة طاعة ذلك الأب الظالم او الام الظالمة ، أو التنصل من تنفيذ تعليماته، أو حتى لو استطاعوا أن يأخذوا منه موقفًا غير محايد لفعلوا.
3- تجاهل الوالدين او احدهما لأبنائهم: إهمال الأطفال أو نبذهم من قبل أحد الزوجين، بصرف النظر عن أسباب الإهمال أو النبذ، واعتراض الطرف الآخر على ذلك : وقد يترتب على المشكلات بين الزوجين أمر : آخر، وهو أن أحد الزوجين يهمل الأبناء، ويهمل واجباتهم، وذلك لأنه غير مستريح نفسيًا، فيضطرب المنزل، وتضطرب مصلحة الأبناء، وعندما يتدخل الزوج ليصلح، أو لينصح، أو يعالج الوضع غير المستقر في البيت بالنسبة للأبناء، يتهمه الطرف الآخر بأنه يهتم بالبيت أو بالأبناء أكثر منه، أو يتهمه بأنه لا يحترم وجوده في البيت، ففي هذه الحالة فإن الزوج المكتئب نتيجة المشكلات الزوجية لن يقوم بالإصلاح، ولن يعطي الفرصة لأحد ليقوم بالإصلاح، فيزيد الخلاف بين الزوجين، ويكون الأبناء هم ضحية الخلاف والإهمال، فتتأثر نفسية الأبناء جميعًا بذلك النبذ أو الإهمال. وتدخل أحد الزوجين في تربية الأبناء بطريقة لا ترضي الطرف الآخر، أو المنافسة بين عائلتين الزوجين في تربية الأبناء، واعتراض الوالدين: ويكون ذلك التدخل من أهل أحد الزوجين في تربية الأبناء ناتجًا عن الخلاف بين الزوجين، وإلا لو كان الزوجان متفقين ومتعاونين لأمكنهما إيقاف أي تدخل في تربية أبنائهم من قبل الأهل بطريقة مهذبة مقبولة، أما خلافهما فهو الذي يفتح الباب على مصراعيه للتدخل .
4- اكتساب الأولاد فرصة الخلافات بين الوالدين: اكتساب أحد الأبناء أو بعضهم الفجوة القائمة بين الأب والأم لمصلحتهم الخاصة لتحقيق مكاسب مادية أو نفسية : فإن الأبناء بمجرد أن يكتشفوا أن الأبوين مختلفان، فإنهم سيستثمرون ذلك الخلاف لمصلحتهم الشخصية، فالذي يوافق لهم على الفسحة، أو الذي يعطي لهم مصروفًا أكبر، أو الذي يأتي بهدايا أفضل، سيكون هو المفضل لدى الأبناء، وهو المسموع كلامه، والمطاع أوامره، حتى يأتي الآخر بأفضل ما جاء به الأول، فتنقلب الدفة نحو الثاني، ويهمل الأبناء الأول، وهكذ ا.. فإذا نجح الأبناء في استثمار الفجوة بين الأبوين بشكل يصب في مصلحتهم، وإذا استجاب الآباء لذلك، ووقعوا في شرك إرضاء الأبناء على حساب أحد الأبوين، فإنهما بذلك يكونوا قد خسروا خسارة كبيرة، وفقدوا جزءًا كبيرًا من السيطرة على الأبناء، وستكون النتيجة السيئة الأخرى أن الأبناء سيحاولون زيادة الفجوة بين الأبوين، أو على الأقل الحرص على استمرارها موجودة بين الأبوين.
نعم أنها معركة أسرية صعبة وكسبها لمصلحة الزوجين والأولاد في نفس الوقت ليس في الأمر الهين ويتطلب منا التعامل معها بدقة وحذر لتحقيق ذلك ولكي نستطيع وضع الأولاد في المجتمع ونحن مفتخرون بهم, فكل ذلك ينصب في وضع الأسرة بعيد عن كل ما ينغصها من مشاكل الحياة ومتاعبها على مر السنين في ضل الضغوطات التي نتعرض لها من نتائج الشتات وانخراطنا في مجتمعات تختلف عنا اختلافاً جذرياً من ناحية الدين واللغة والتقاليد التي اعتدنا عليها واكتسبنها من ديننا الحنيف ,فضياع الأولاد في تلك المجتمعات لا سامح الله كارثة كبيرة لا يمكن السيطرة عليها وسوف تدخلنا في متاهات جديدة تضاف الى سلسلة المتاهات التي نحن فيها ,فأن مسؤوليتنا أصبحت اكبر بكثير مما كنا نتوقع وعلينا كسب أنفسنا والحفاظ على أولادنا وكسبهم لمصلحتنا ومصلحتهم لكي نحميهم من سلبيات المجتمعات التي نعيش فيها ونحثهم على كسب الايجابيات منهم فقط ...هذا أن وجدت في تلك المجتمعات أيجابيات تتناسب مع تقاليدنا وديننا!!!!,,,فعلينا الحذر الشديد والتوكل على الله ,,,ونسأل الله عزة وجل بأن يحفظنا ويبعد عنا كل سوء ....ومن الله التوفيق
أبوالوفا- قبرص
20/11/2010
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"