لا يمكن فصل محنة غزة عن العامل الفلسطيني بكل مكوناته،
«فالقلاع لا تسقط إلا من داخلها» وهذا يقود الى التوقف عند المسؤوليات والأدوار
الفلسطينية في صد أو تيسير عملية خنق غزة وفصلها عن المكونات الأُخرى، للأسف كان
وما يزال مستوى التفاعل الفلسطيني مع ما حدث ويحدث في غزة هو الأضعف، ولا يقلل من
خطورة ومعنى فقدان أو ضعف التفاعل مع غزة راهنا، وجود سوابق شبيهة من نوع شبه
غياب التفاعل الفلسطيني داخل وخارج فلسطين مع محنة مخيم اليرموك ونكبة اللاجئين
الفلسطينيين الجديدة في سوريا، وغاب التفاعل مع محنة فلسطينيي العراق سابقا، كذلك كان مستوى التفاعل
الفلسطيني مع معاناة المقدسيين وهباتهم ضعيفاً ومقلقاً وخطراً، الى أن جاء حراك
حيفا وأخيراً حراك رام الله ليتركا فسحة من الأمل في تجسيد وحدة المصير بين أبناء
الشعب الواحد. هل دخلنا مرحلة التفكك الأبعد مدى من الانقسام؟ سؤال أجاب
عليه، ضعف التفاعل مع غزة والقدس واليرموك، مقدماً الدليل وقارعاً جدران الخزان،
إزاء ذلك لا يكفي وصف حالة التفكك القائمة منذ وقت، بل مطلوب التوقف عند الأسباب
التي قادت الى ذلك، والأهم مقاومة التفكك ومعالجة أسبابه، قبل فوات الأوان. لا شك
أن التفكك يحيلنا الى قدرات وأهلية الحركة السياسية التي تتصدر المشهد والمسؤول
الأول عن حل الأزمة. إن ضعف تفاعل الكل الفلسطيني مع أزمة غزة وأزمات ما قبلها - القدس
ومخيمات سورية ولبنان – يطرح علامة استفهام حول قدرة وكفاءة الإدارة السياسية -
منظمة التحرير -، على توفير ما يلزم من «لاحم» وموحِّد للمكونات والأجزاء
الفلسطينية ومن تحديد أولويات الاهتمام، ومن الحفاظ على المستوى الضروري من الثقة
ومن الروح المعنوية لعموم الشعب.
لم تضع المنظمة خطة إنقاذ وطوارئ لإخراج المواطنين
الغزاويين من محنتهم أو حتى للتخفيف من معاناتهم، فقد خلا الخطاب السياسي
والاعلامي من الاهتمام بالضائقة المالية وأزمة الكهرباء الى حد كبير، لا
يوجد اسم لغياب خطة وتدخل ملموس غير الإخفاق في الامتحان، ولا يغير من حقيقة
الإخفاق تحميل سلطة الأمر الواقع «حماس» مسؤولية كل شيء، وإذا كانت سلطة «حماس»
مسؤولة قولاً وفعلاً عن الأزمة، فإن المنظمة هي صاحبة الولاية السياسية على عموم
الشعب بما في ذلك الشعب في قطاع غزة، وبهذا المعنى تبقى مسؤولية المنظمة راجحة،
ثمة فرق بين قيام المنظمة بمحاولات جادة للإنقاذ – حتى لو أخفقت - وبين تحميل
المسؤولية لحركة «حماس» وكفى، بل يضاف الى أزمة الغزاويين إجراءات أُخرى هي في
واقع الحال عقوبات تلحق الضرر الشديد بالمواطنين في القطاع، واللافت أن مثل هذا
القرار يلفه الغموض، فإذا كانت «حماس» هي المستهدفة من العقوبات، لماذا تقبل
المنظمة المس بجزء كبير من المواطنين في سياق الاستهداف، وهل يجوز افتعال
معاناة إضافية فوق المعاناة الهائلة التي يتسبب بها الاحتلال وحكم «حماس» ؟ لقد
اتخذ "المجلس الوطني" قراراً بإنهاء الإجراءات لكن القرار لم يطبق، وعدم
التطبيق يمس بمصداقية المؤسسة الرسمية، وبمستوى افدح يمس مصداقية اللجنة
التنفيذية، ويؤدي في الوقت نفسه الى زعزعة ثقة المواطنين بالمؤسسة.
إن أي تقييم موضوعي لنتائج الإجراءات سيخلص الى نتيجة
صادمة عنوانها خسائر كبيرة للمنظمة ولحركة فتح وللسلطة، وأخطر تلك الخسائر زعزعة
الثقة وإصابة المشاعر والمعنويات في مقتل، والتي يصعب معالجتها ببساطة كما قال
غسان كنفاني: «المشاعر لا تُرتق كالقمصان».
مقابل ذلك فإن الاستثمار المضاد للأزمة الناجمة عن
الحصار والمتفاقمة بالإجراءات أخذ يشق طريقه مخترقاً الوضع الفلسطيني برمته.
كما أن حركة «حماس»المسؤول الأكبر عن الأزمة بعد
الاحتلال والمستهدفة من العقوبات تحولت الى طرف رابح يحظى بتعاطف الناس والقوى،
وتحولت الى عنوان لحل الأزمة الإنسانية، هذا ما يرشح من المزاج العام ومن
استطلاعات رأي سابقة تعود الى بداية الإفصاح عن الإجراءات، المؤسسة التمثيلية تخسر
جزءاً كبيراً من رصيدها في قطاع غزة، وتخسر الجزء الأكبر من أبناء المخيمات في
سوريا وبمستوى اقل في لبنان، وعندما لا تحرك هذه الخسائر ساكناً في المؤسسة، تصبح
قضية الإصلاح والتجديد والتغيير مطلباً أكثر أهمية من أي وقت مضى، ويصبح تصويب
السياسات والمواقف اكثر إلحاحا.
نقد المنظمة وتحميلها مسؤولية حل الأزمة والتخفيف عن
المواطنين، ناجم عن الصفة التمثيلية والمسؤولية التاريخية للمنظمة، هذا النقد لا
يعفي حركة «حماس» من المسؤولية، فهي صانعة الأزمات المتلاحقة، ويبدو أن معاناة
المواطنين ليست من أولويات اهتماماتها، بل يتقدم هدف الحفاظ على كيانها على كل ما
عداه، إن الإقرار بكيان فلسطيني في غزة منفصل عن الضفة الغربية هو
محطة من محطات صفقة ترامب التي يجري إنضاجها على نار الاعتداءات "الإسرائيلية".
المصدر : جريدة عمان
29/9/1439
14/6/2018