بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه أما بعد:
سوف يفاجأ الكثير من هذا العنوان وهو انه لم يقتل منهم سوى 300 أو أكثر في العراق وذلك بسبب العدوان الطائفي من قبل المليشيات المتطرفة.
ولكنني اعني هذا العنوان وهو إعدام أصول ونسب وجذور "فلسطينيو العراق" إعدام كيان إعدام وجود إعدام مجتمع . والمنحدرين في غالبيتهم من قرى اجزم وجبع وعين غرال وغيرها من بلدات فلسطين الطيبة والذين عاشوا كمجتمع متكاتف وموحد خلال 60 سنة من عيشهم في العراق.
فكل شخص عربي أو مسلم في أي بقعة من بقاع الأرض لو سألته عن أصله ونسبه فسوف يعود بأصله إلى بلده والى مدينة محددة والى قبيلة او عائلة معروفة متواجدة في بقعة محددة وسوف يقول خالي فلان وعمي فلان وعمتي فلانة وابن عمتي فلان وصاحب أبي فلان وصاحبي فلان واختى فلانة وابن أختي فلان في قائمة طويلة من الأقرباء والأصدقاء والمعارف .
ولا يقول احد أن هذا شيء غير مهم في تركيبة الإنسان النفسية والأخلاقية والاجتماعية في انتمائه إلى مجموعة من البشر يشترك معهم في قواسم مشتركة من الدين والنسب والتاريخ المشترك .
لذلك ركزت الشريعة على قضية الأنساب فكان من مقاصد الشريعة الخمسة وضرورياتها( حفظ الدين والعقل والنسب والنفس والمال) فكان حفظ الأنساب من مقاصد الشريعة لذا كان حد الزنا لحفظ الأنساب وعدم انتشار الفاحشة . فقال تعالى{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ }النور2.
وقال تعالى {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون }النور61" فكل هؤلاء القرابة الذين ذكرهم الله لا جناح ان نأكل في بيوتهم كما ذكر الامام السعدي في تفسيره"وهذا الحرج المنفي عن الأكل من هذه البيوت كل ذلك، إذا كان بدون إذن، والحكمة فيه معلومة من السياق، فإن هؤلاء المسمين قد جرت العادة والعرف، بالمسامحة في الأكل منها، لأجل القرابة القريبة، أو التصرف التام، أو الصداقة.
وللتأكيد على صلة الأرحام والقربى قال تعالى { وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1، وقال تعالى{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90، وقال تعالى{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ...الاية}النساء36والآيات كثيرة في هذا المجال كل ذلك للتأكيد على تلك الصلة المباركة والمهمة .
وأما في السنة فقد جاء الاهتمام بقضية النسب فقال صلى الله عليه وسلم "أربع في أمتي من أمر الجاهلية ، لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة . وقال : النائحة إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب (صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 934).
قال ابن عثيمين رحمه الله: والأنساب : جمع نسب ، وهو أصل الإنسان وقرابته ، فيطعن في نسبه كأن يقول : أنت ابن الدباغ.
وقال صلى الله عليه وسلم" ليس من رجل ادعى لغير أبيه – وهو يعلمه – إلا كفر بالله ، ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار" (صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3508)
قال ابن حجر رحمه الله : وَفِي الْحَدِيث تَحْرِيم الِانْتِفَاء مِنْ النَّسَب الْمَعْرُوف وَالِادِّعَاء إِلَى غَيْره ،(فتح الباري).
وحتى في معركة القادسية كان تقسيم المقاتلين في ساحة القتال على أسماء القبائل.
إن تواصل اى شخص مع أقربائه مع جدته مع عمته مع خالته يورث في نفسه نوع من الحنين والرقة في التعامل لذلك ركزت الشريعة على صلة الأرحام حيث ورد حديث عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ.(صحيح مسلم)
إن الانتماء إلى العشيرة أو القرابة أو البلد الواحد وقبل ذلك الدين . يشعر الإنسان بالقوة وانه ليس وحيدا وهذا يورث روح التعاون والهم المشترك وكلنا يتذكر كيف كان مجتمعنا يقف بعضه مع بعض عند المصائب والنكبات فالقريب يقف مع قريبه وابن الحي من ابن حيه ففرحنا كان مشتركا وحزننا مشتركا كذلك.
قال تعالى في قصة شعيب {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ }هود91. (ولولا رهطك) عشيرتك (لرجمناك) بالحجارة (وما أنت علينا بعزيز) كريم عن الرجم وإنما رهطك هم الأعزة(تفسير الجلالين).
وقال تعالى في قصة لوط {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ }هود80 (قال لو أن لي بكم قوة) طاقة (أو آوي إلى ركن شديد) عشيرة تنصرني لبطشت بكم(تفسير الجلالين).وقال الإمام السعدي رحمه الله: كقبيلة مانعة، لمنعتكم.وهذا بحسب الأسباب المحسوسة، وإلا فإنه يأوي إلى أقوى الأركان وهو الله، الذي لا يقوم لقوته أحد.
لقد تعرض الشعب الفلسطيني في العراق إلى مصيبة لم يتعرض لها أي من فلسطينيي الشتات لا في لبنان ولا في الأردن ولا حتى في فلسطين فكل هذه التجمعات الفلسطينية حافظت على نسيجها الاجتماعي بعد مرور المصيبة بل حتى لم اسمع في التاريخ مثل ما حصل لنا فلسطينيو العراق. حتى اليهود عندما تعرضوا لهجوم نبوخذ نصر الحاكم البابلي لهم سبى منهم 70 الفا تقريبا وجلبهم إلى العراق وبعد سبعين سنة رجعوا إلى فلسطين اى أن التجمعات التي تتعرض إلى عدوان تنتقل بصورة جماعية إلى مكان ثاني .
فبالإضافة إلى الإبادة الجسدية التي تعرض لها إخواننا الفلسطينيين في العراق تعرضوا لإبادة نفسية كذلك وإبادة الجذور التي ننتمي إليها وهدم النسيج الاجتماعي لنا كذلك وكأنما يريدون أن يبيدوا انتمائنا إلى فلسطين أو إلى المجتمع الذي نشأنا فيه بل والى القبيلة بل والى العائلة الواحدة فأصبح الأخ في بلد والأخت في بلد والأم في بلد بل حتى ديننا مهدد، ما كل هذا الحقد على فلسطينيي العراق؟!! لا ادري ألأننا من حيفا المدينة التي تمثل عصب الحياة اليهودية الآن؟! أم لأننا قاومنا اليهود أبان دخولهم إلى فلسطين؟! أم لأننا شعب له قيم وعادات لربما تفتقر لها كثير من المجتمعات من الالتزام الديني إلى كرم الأخلاق والقيم والنخوة وحب مساعدة الغير؟! وهذه القيم يعرفها كل من خالط فلسطينيي العراق ولا أقول هذا انحيازا لقومي بل هذا هو الحق في الغالب منهم .
لربما كثير منا يفرح بالشقة أو الراتب الذي توفره لنا الدول التي تستضيفنا وجعلونا في وضع كما قيل في المثل العراقي " من شاف الموت رضي بالصخونة" فقد وقعنا فريسة لخطة محكمة قد درست وأحكمت جيدا فمن جهة يضغط علينا في بغداد وفي المخيمات ومن جهة تفتح لنا أبواب دولهم بعد جهد جهيد حتى يظن احدنا أن باب الجنة قد فتحت له ولا ألوم احد من إخواننا فكما قيل مكره أخاك لا بطل .
إن الأثر السييء الذي سوف يترتب على جيلنا القادم من جهة انعدام الرابطة الأسرية سوف ينشىء أجيال لا يعرفون عم ولا خال ولا جد ولا جدة . وهذا بسبب إن العيش في المجتمعات الغربية التي ليس عندها قيم لهذا الترابط (فأحدهم عندما تكبر أمه يلقيها في دور العجزة) سوف يلقي بظلاله على من يعيش بينهم وكما قيل " ما تكرر تقرر" . وعندما يسأل أحفادنا من أين أنت سوف يكون الجواب جاء جدي من مدينة يقال لها بغداد فيها بلدة اسمها البلديات.
أخي العزيز هناك بعض الخطوات ممكن الأخذ بها للحفاظ على القيم التي تربينا عليها:
1- محاولة السكن بالقرب من التجمعات العربية .
2- محاولة تجمع العوائل الفلسطينية القادمة من العراق بالقرب من بعضها.
3- اتخاذ أصحاب من العرب أو المسلمين ذوي الأخلاق الفاضلة ومحاولة اختلاط المسلمين بعضهم ببعض وخاصة الأطفال ليشعروا بانتمائهم العربي والإسلامي.
4- المواظبة على الحضور في المسجد واصطحاب الأطفال وإدخالهم دورات تحفيظ القران إن وجد .
5- محاولة ربط الأطفال بتاريخهم الفلسطيني وعشائرهم التي ينتمون إليها ومحاولة التواصل بالهاتف أو الانترنت على اقل تقدير بين الأقرباء والأصدقاء.
6- محاولة الرجوع إلى بلدان العرب والمسلمين عند ما تتوفر الفرصة وبعد تيسير الحال.
هذا بعض ما جال به فكري واختزن في صدري من الهم والقلق على مستقبل إخواني "فلسطينيو العراق" نسأل الله أن يحفظهم ويفرج عنهم ويصرف عنهم كل سوء وان لا يأتي اليوم الذي لا نعرف فيه إلا من خلال الموسوعات التي تعرف بالقضية الفلسطينية.
أخوكم المحب: وليد ملحم
31/3/2010
موقع" فلسطينيو العراق " أول موقع ينشر هذا الخبر
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"