عين غزال-جبع-اجزم -نموذجا لعودة اللاجئيين الفلسطينيين الى ديارهم- سامي الشيخ محمد

بواسطة قراءة 6918
عين غزال-جبع-اجزم -نموذجا لعودة اللاجئيين الفلسطينيين الى ديارهم- سامي الشيخ محمد
عين غزال-جبع-اجزم -نموذجا لعودة اللاجئيين الفلسطينيين الى ديارهم- سامي الشيخ محمد

أليس من حقّ اللاّجئين الفلسطينيين العودة إلى ديارهم الّتي هُجِّروا منها على يد العصابات الصّهيونيّة عام 1948 ؟ ألا يكفل القانون الدّولي وقرارات الشرعيّة الدوليّة ومقرّرات مجلس مراقبة الهدنة المركزي التّابع للوسيط الدّولي في فلسطين 1948 هذا الحقّ ؟ ألا يمكن التّوجّه إلى المحافل الدّوليّة والمحاكم القضائيّة المختصّة لاستصدار قراراتٍ ملزمة وفاعلة لإعادة اللاّجئين إلى وطنهم ؟هل بوسع( الكيان اليهودي الصّهيوني ) والولايات المتّحدة الأمريكيّة وبريطانيا سلب حق العودة للاّجئين الفلسطينيين إلى فلسطين حيث قراهم وبلداتهم ومدنهم وأراضيهم الّتي هُجِّروا منها وسلب حقّهم في التعويض عن ممتلكاتهم ومعاناتهم والأضرار الّتي ألَمَّت بهم طيلة فترة اللّجوء خارج وطنهم ؟ .

ممّا لاشكَّ فيه أنَّ المرجعيّة القانونيّة والدّوليّة تكفل حقّ عودة اللاّجئين إلى وطنهـم ، ومعاقبة(الدولة اليهوديّة) في حال رفضها الالتزام بعودة هؤلاء اللاّجئين إليه . فقرار التّقسيم لم ينصّ على طرد الفلسطينيين الّذين يَتْبَعون جغرافيّاً الأرض المخصّصة لقيام(دولة يهوديّةٍ )عليها ، كذلك القرار 194 الخاص بالعودة ينصّ بوضوحٍ تام على حقّ عودة اللاّجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الّتي أُجبٍروا على مغادرتها نتيجة للحرب الّتي ألَمَّت بهم وبممتلكاتهم ، بالإضافة إلى منحهم تعويضاتٍ ماليّة عن الأضرار الّتي لحقت بهـم وبها نتيجةً للحرب اليهوديّة ضدّهـم ، وقيام ما يُسمّى بدولة ( إسرائيل ) في الخامس عشر من أيار 1948 وحدوث النّكبة .

ومن القرارات الدّوليّة الّتي أدانت الجرائم اليهوديّة وتهجير أهالي العديد من القرى الواقعة ضمن الحدود الجغرافيّة والسّياسيّة لـ ( الدّولة اليهوديّة ) _ وفق قرار التّقسيم _ كقرى ( عين غزال ،وإجزم ، وجبع ) من قضاء حيفا ما يكفل حقّ العودة لأهالي تلك القرى دون قيدٍ أو شرط . إذ أنَّ تهجير أهلها جرى بعد الإعـلان عن قيام ما يُسمّى بـ( دولة إسرائيل )بشهرين وعشرة أيّام،وقد كانوا في عرف تلك( الدّولة ) مواطنين تحت سلطتها ، والدّليل على ذلك كما هو موثّق في سجلاّت عصبة الأمم المتّحدة ، أنَّ الجيش اليهودي قد أطلق على حملته العسكريّة ضدّ هذه القرى بأنّها حملةٌ بوليسيّة ضدّ قرى متمرّدة داخل ( الدّولة اليهوديّة ) .

لكنَّ النّتائج المدمّرة للحملة العسكريّة على تلك القرى وإرغام أهلها على مغادرتها ،جاءَت برهاناً فاصـلاً على كذب الادّعاءات اليهوديّة من أنَّ حملتهم العسكريّة كانت مجرّد حملة شرطيّة تستهدف فرض الهدوء والنّظام داخل تلك القرى المتمرّدة. والدّليل على ذلك الوثيقة التّالية الصّادرة عن مجلس مراقبة الهدنة المركزي في حيفا عقب وقوع المأساة وتهجير جميع أهالي القرى المذكورة منها، تنصّ الوثيقة حرفيّاً:"قرّر مجلس مراقبة الهدنة المركزي التّابع للوسيط أنَّ أعمال اليهود العسكريّة ضدّ هذه القرى بعد 18/7/1948 تشكّل خرقاً للهدنة. ورفض المجلس ادّعاء اليهود أنَّ الهجوم كان مجرّد عمل بوليسي لا يدخل ضمن صلاحيّات الوسيط . وزيادةً على ذلك فقد توصّل المجلس إلى نتيجةٍ مؤداها أنَّ هذا الخرق قد تسبّبَ عن عوامل ثلاثة :

1- أنَّ الجيش اليهوديّ قد أرغم سكّان القرى الثّلاث على إخلاء بيوتهم والجلاء عنها ، وقام بتدمير قريتيّ عين غزال وجبع حسبَ خطّةٍ مرسومة.

2- أنّه لم يكن هناك أي دليل على مهاجمة سكّان هذه القرى لطريق تلّ أبيب حيفـا بعد بدء الهدنة الثّانية كما يدّعي اليهود .

3- أنَّ الجيش اليهودي قد شنَّ هجومـاً على القرى الثّلاث رغمَ أنَّ سكّانهـا العرب حاولـوا الدّخول في مفاوضاتٍ معه . وقد توصّل المجلس إلى هذا القـرار في اليوم الثّامن من أيلول بعد دراسةٍ دقيقة واستنطاق شهود من الطّرفين . ونقلَ الوسيط فحوى هذا القرار إلى الحكومة المختصّة . وقد كشَفَ التّحقيق النّقاب عن النّقاط الرئيسية وهي :

أ - أنَّ القرى الثّلاث تقع ضمن المنطقـة اليهوديّة وأنَّ سُكّانها كانوا حتّى قبل البدء في الهدنة الثّانية يهاجمون خطّ المواصلات اليهوديّة على طريق تل أبيب ـ حيفا وأنَّ هنالك بيّنة تدلّ علـى أنَّ الهجمات كانت في بعض الأحيان ناتجةً عن تحريض الجيش العراقي .

ب - قام اليهود بعد 18/7/1948 بعمليّات عسكريّة تشكّـل هجمات جوّيّة وبريّة ضدّ القرى رغم محاولة السّكان الدّخول في مفاوضاتٍ مع الجيش اليهودي .

ج - استناداً إلى المعلومات الّتي قدّمت لم يكن مستطاعاً معرفة عدد الإصابات العربيّة بالضّبط إلاَّ أنّه من الجلي أنَّ هذا العدد لم يتجاوز المئة والثّلاثين ، وليس هنالك أي دليل على أنَّ القوّات اليهوديّة قد أسرت أعداداً كبيرة من العرب .

د - بعد أن تمَّ احتلال القرى الثّلاث في اليوم الخامس والعشرين من تمّوز أُرغِمَ جميع سكّانها على الجلاء عنها وتمّ تدمير قريتي عين غزال وجبع حسب خطّة مرسومـة ، ولا يبدو أنّه قد وقعت أضرار بقرية إجزم منذ احتلالها . " ( أنظر،جدعان محمّد راجح ، عين غزال كفاح قرية فلسطينيّة ، مطبعة القبس ، عمّان ، 3/3/2002، ص، ص 237، 238) .

وبغض النّظر عن الملاحظات الّتي يمكن الإشارة إليها بخصوص القرارات آنفة الذّكر، إلاَّ أنّها تشكّل وثيقةً دوليّة بالإمكان الاستفادة منها في مقاضاة (الدّولة اليهوديّة) في فلسطين وإرغامها على قبول عودة سكّان تلك القرى إليها والّذين يتجاوز تعدادهم أكثر من مئة وعشرين ألفاً بالإضافة إلى منحهم التّعويضات المستحقّة عن البيوت والأراضي والممتلكات والمعاناة الّتي تسببت ( الدولة اليهوديّة ) في حصولها لهؤلاء اللاّجئين .

وبالطّبع فما ينسحب على أهالي القرى المذكورة بعودتهم وتعويضهم ، ومنحهم حقّ تقرير المصير في الحفاظ على هويّتهم العربيّة الفلسطينيّة،وممارسة نضالهم القومي المشروع في وطنهم ضد الكيان العنصري الاستيطاني ، وبناء دولة فلسطين العربيّة الدّيمقراطيّة ، ينسحب على جميع اللاّجئين الفلسطينيين دون استثناء .

من هنا يصبح من الضّروريّ على اللاّجئين الفلسطينيين ، ومنظّمة التّحرير الفلسطينيّة ، والدّول العربيّة الشّقيقـة التّمسّك بمطلبي حقّ العودة والتّعويض في كافّة المحافل السّياسيّة الدّوليّة ، ورفع الدّعاوى القضائيّة في المحاكم الدّوليّة المختصّة ضدّ ( الدّولة اليهوديّة ) بهذا الخصوص .

ونحن على ثقةٍ أكيدةٍ أنَّه يستحيل إسقاط حقّ العودة والتّعويض، من جانب الفلسطينيين والأشقّاء العرب تحت أي اعتبار ، وبهذا الخصوص ، ينبغي الإشادة بالموقفين السّوري واللبناني،اللذّين عبّر عنهما قادة البلدين في قمّة بيروت ، حيثُ شدّدا على التّمسّك بحقّ اللاّجئين الفلسطينيين بالعـودة إلى ديارهـم ، في حال التّوصّل لأيّ تسويةٍ سياسيّةٍ للصّراع العربي الصّهيوني.الأمر الّذي يدعو القمّة العربيّة لتبنّي قرارٍ صريحٍ ينصّ على أن لا سلام مع( الدّولة اليهوديّة ) دون منح اللاّجئين الفلسطينيين الحقّ بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم بالإضافة إلى منحهم التّعويضات الماليّة المتوجّبة على تلك (الدّولة) . انسجاماً مع القرارات الدّوليّة الخاصّة بعودة اللاّجئين إلى وطنهم .

وهو عين موقف اللاّجئين الفلسطينيين من المسألة .وبالتأكيد هـم على استعدادٍ تام للنّضـال والتّضحية في سبيل تحقيق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم .وأمّا الدّعـوات الّتي تطلقها بعض الجّهات الدّوليّة وفي مقدّمتها دعوة المفوّضة الدّوليّة لحقوق الإنسان ماري روبنسون الّتي ترى أنَّ الحلّ الجذري لمشكلة اللاّجئين الفلسطينيين في مخيّمات اللّجوء يكمن في تحسين شروط المعيشة وتوفير فرص العمل لديهـم كمـا هو عليه الحال بالنّسبة للاّجئين في لبنان ، دون الإشارة لحقّهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم في وطنهم ، والّذي لا يتعارض مع مطلب ضرورة تحسين شروط معيشتهم وحياتهم وإقامتهم في المخيّمات الّتي يتواجدون فيها بطريقة مماثلة لحياة أخوتهم اللاّجئين في سوريا مثلاً . من هنا فالحلّ الجذري لمشكلة اللاّجئين الفلسطينيين يتمثّل في عودتهم إلى وطنهـم الّذي شُرِّدوا منه وإلى ممتلكاتهم والتّعويض عن المعاناة والأضرار الّتي ألمّت بهم جرّاء اللجـوء النّاجم عن الاحتلال الصّهيوني لفلسطين عام 1948، وإلاَّ فلن يتوقّف الصّراع مع الكيان الصّهيوني حتى تصبح العودة لفلسطين واقعاً مُتعيّناً بالفعل ، مهما طال الزّمن أو قَصُر .

 

بقلم :الدكتور سامي الشيخ محمد

عين غزال- حيفا- فلسطين

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"