مخيم الوليد : معاناة مركبة ! - بسام الكعبي

بواسطة قراءة 2435
مخيم الوليد : معاناة مركبة ! -  بسام الكعبي
مخيم الوليد : معاناة مركبة ! - بسام الكعبي

رضيعة لم تتجاوز عامها الأول، افتتحت برحيلها الصامت المتفجر مقبرة جديدة للاجئين الفلسطينيين الهاربين من القتل الطائفي المجنون إلى المنفى الصحراوي البعيد على أعلى نقطة للحدود بين سوريا والعراق..غابت ريتاج عمر بأيام عمرها القصيرة تحت تراب الصحراء العربية وحفرت اسمها كأول شهيدة لمخيم الوليد المحاصر بسيوف العرب على خط ترابي يفصل بين بلدين شقيقين! كشف الرحيل المبكر للرضيعة ريتاج حجم المأساة التي يعيشها الفارون من المذبحة اليومية المتواصلة في العراق إلى منفاهم الصحراوي الجديد:

مطلع العام الجاري قررت مجموعة عائلات فلسطينية النجاة بأطفالها والفرار باتجاه الحدود السورية، جمعت ما لديها من مال وتمكنت من إصلاح حافلة يمتلكها لاجئ فلسطيني وانطلقت غربا.

قطعت نحو 600 كيلو متر خلال ساعات طويلة تعرضت فيها للتفتيش والتحقيق والانتهاك على عشرين حاجزا لقوات الاحتلال الأميركي وميليشياتها العراقية، وبلغت نقطة الحدود السورية لكنها لم تفتح لهم للعبور نحو مخيم “التنف” القريب داخل الحدود.

استقر اللاجئون بجوار قرية الوليد العراقية وحمل مخيمهم الجديد اسم المكان.. وهكذا نشأ مخيمان جديدان متقابلان على طرفي الحدود: الوليد “العراقي” والتنف “السوري”..أية لعنة تواصل مطاردتها للاجئين منذ نكبة فلسطين الكبرى قبل ستين عاما؟ إلى متى يتواصل هذا التنكيل من العريش في الجنوب إلى نهر البارد في الشمال، ومن الوليد في الشرق إلى جباليا في الغرب!! روى الفارون إلى المخيم قصصاً مريعة عن عمليات التنكيل بهم: خطفت الميليشيات المسلحة شابا فلسطينياً وطالبت ذويه بفدية مالية كبيرة، وعندما استجابت العائلة لشرط إطلاق سراحه وباعت كل ما تملك واستدانت المال وسلمته للخاطفين الذين حولوا الرهينة إلى جثة بثلاجة إحدى المستشفيات، وعند مراجعة إدارة المتشفى طلبوا مبلغا كبيرا لتسليم الجثمان، وعندما تمكن الأهل من إخراجه وتجهيزه للدفن، تعرض المشيعون القلة إلى إطلاق نار كثيف..بعد كل هذا التنكيل البشع كيف يتمكن اللاجئون البقاء في منازلهم المحاصرة في أحياء بغداد؟ استقرت المجموعة الأولى في مخيمها الجديد على أمل أن تفتح الحدود العربية الطريق لانتقالها من جحيم إلى آخر، لكن أوامر السلطان تقضي بمزيد من إغلاق الحدود ورفض انتقال حتى المرضى والنساء والأطفال إلى المخيم المجاور. سطرت المجموعة الأولى تاريخاً جديدا في سفر اللجوء. بدأ الفارون من البطش والدمار يتقاطرون على المخيم الوليد، ومع مرور الأيام تزايدت أعدادهم بسرعة فائقة حتى بلغت بمرور سبعة أشهر على إقامته نحو 1400 مشرد وبات توفير الرعاية لهم أمرا بالغ الصعوبة.  

في جو صحراوي ملتهب نهارا، يتسلم كل فرد فقط نصف لتر من الماء لإطفاء عطشه، علما أن جسمه يحتاج لكميات مياه ليست قليلة لمواجهة حرارة صيف الصحراء، وفي الليل تهبط درجات الحرارة إلى أخفض مستوياتها بحيث لا تكفي بطانية واحدة مواجهة رياح باردة تعصف في قلب خيمة متواضعة عرضة لهجمات الزواحف والحيوانات الضالة.. ورغم قسوة ظرفهم تعرضوا لاعتداء أفراد الشرطة العراقية في منتصف شباط الماضي عندما داهموا خيامهم وأطلقوا النار باتجاههم وأصابوا مجموعة من الشبان بجراح. على مدار أشهر طويلة، باءت كل محاولاتهم لاجتياز الحدود السورية بالفشل..وفي ندائهم الأخير ناشدوا أصحاب” المعالي” ومؤسسات حقوق الإنسان العالمية ومنظمات “الرفق بالإنسان” وطواقم الممثلة الفرنسية المعتزلة بريجيت باردو!! للتدخل من أجل وضع حد لمأساتهم المتفاقمة حتى لا تتمدد مساحة مقبرة ريتاج في صحراء العرب التي شهدت موت ضمائرهم..

هل من ضمير عربي حي يستجيب لندائهم الأخير ويخلصهم من عذاب طويل أحكم طوقه كيان اسرائيل؟! .

20/6/2008