ومن خلال اتصالات قام بها "المونيتور" بعدد من
الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة وفي الشتات، ظهر واضحاً مدى إحباطهم
جرّاء عدم قدرة قادتهم بألوانهم السياسيّة المختلفة على الفعل لحمايتهم والدفاع
عنهم وتوفير الحياة الكريمة لهم.
محمد العرقوب (31 عاماً) يقيم في مدينة رام الله، وقد عبّر في
اتصال هاتفي عن قناعته بأن الفصائل الفلسطينيّة عاجزة عن توفير الحدّ الأدنى من
الخدمات للفلسطينيّين سواء في الداخل أو في الخارج.
وقال "لا أظنّ أن لدينا من يحمينا بالمطلق.. لا سلطة ولا
منظمة ولا فصيل فلسطيني. فما يهمّهم بالدرجة الأولى هي المصالح الحزبيّة من دون
الالتفات إلى هموم الشارع الفلسطيني".
أما سليم أبو الروس (35 عاماً) من مدينة غزّة فقال "حادثة غرق
السفينة قبالة السواحل المالطيّة ومقتل المئات من اللاجئين أثبتت بالدليل القاطع
أن القيادة الفلسطينيّة فاشلة بامتياز. أظن أن عليهم أن يخجلوا من أنفسهم قبل
إصدار أي بيان استنكار وإدانة، لأن تلك المواقف لم تعد تجدي نفعاً".
أضاف "ثمّة حاجة ماسة لنرى فعلاً جدياً من قبل منظمة التحرير
الفلسطينيّة والسلطة الفلسطينيّة وحركة حماس وغيرها من القوى الفلسطينيّة، باتجاه
الفعل الحقيقي لتقديم العون للفلسطينيّين في مشاكلهم في الضفّة والقطاع وفي الخارج
على حدّ سواء".
وكان نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل
هنيّة قد عبّر في خطابه الأخير في مدينة غزّة عن التشتّت في الفعل الفلسطيني،
عندما دعا رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عباس إلى التعاون في العمل المشترك
لتخفيف معاناة اللاجئين الفلسطينيّين في الخارج.
فقال "هذه مناسبة لدعوة الأخ الرئيس أبو مازن والإخوة في حركة
فتح والسلطة في رام الله إلى التعاون المشترك والعمل معاً من أجل تخفيف معاناة
اللاجئين الفلسطينيين في تلك الساحات وما يعانونه جرّاء الأزمات في تلك الدول.
فهذه مسؤوليتنا الوطنيّة المشتركة، ونحن مستعدّون أن نتعاون معاً ونيسّر الظروف
والوسائل من أجل استيعاب البعض منهم في غزّة ممن يرغب في ذلك، كما أننا مستعدّون
للعمل معاً بروح وطنيّة مسؤولة من أجل مختلف همومنا وقضايانا".
داليا زريق (27 عاماً) فلسطينيّة من لاجئي لبنان، وهي تقيم حالياً
في ألمانيا. قالت في اتصال هاتفي مع "المونيتور"، "عشت في مخيّمات
اللجوء معظم أيام حياتي، ولم أشعر للحظة أن القيادة الفلسطينيّة جادة في دعمها
وقدرتها على الحفاظ على الفلسطينيّين ومساعدتهم في مشاكلهم. بعد حادثة غرق سفينة
اللاجئين ومقتل المئات توقّعت موقفاً مختلفاً، لكن أملي خاب. وكانت التصريحات
لمجرّد الاستهلاك الإعلامي فحسب".
وكانت عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير الفلسطينيّة حنان
عشراوي قد أصدرت بيان نعي ضحايا السفينة الغارقة في مياه البحر الأبيض المتوسط،
وأشارت إلى أن القيادة الفلسطينيّة "تتابع مستجدّات حادثة الغرق المأساويّة
على المستويات كافة مع الدول المعنيّة، وستعمل جاهدة لتقديم جميع المعونات
والتسهيلات اللازمة ومتابعة أوضاع اللاجئين الناجين من الحادثة".
ولم تنكر عشرواي في اتصال هاتفي مع "المونيتور" محدوديّة
الإمكانات التي تعمل ضمنها منظمة التحرير الفلسطينيّة سياسياً ومالياً منذ سنوات
طويلة، بخاصة تجاه اللاجئين الفلسطينيّين في دول الشتات.
وقالت "منظمة التحرير في وضع لا تُحسد عليه فعلاً، ونحاول
التحرّك ضمن الإمكانات المتاحة وبذل الجهود لمساعدة اللاجئين في الخارج على الرغم
من أنهم يخضعون لسيطرة الدول المضيفة. أما الوضع القائم في سوريا فخارج عن
إرادتنا، والسوريّون والفلسطينيّون يعانون على حدّ سواء من الأزمة".
أضافت عشراوي التي كانت قد التقت رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكوت في
مدينة رام الله وشكرته على جهود دولته في مساعدة الناجين من حادثة غرق السفينة،
"حاولنا جاهدين تجنيب الفلسطينيّين ويلات الصراعات الداخليّة للدول المضيفة
وتحدّثنا إلى المتحاربين جميعاً في سوريا وطالبنا اللاجئين بالنأي بأنفسهم عن أي
فعل قد يضرّ بهم. كذلك فإننا نقدّم دعماً مالياً ضمن إمكاناتنا للاجئين
الفلسطينيّين الذين فرّوا إلى لبنان والأردن".
من جهتها، ذهبت حركة "حماس" وعلى لسان زعيمها في غزّة
إسماعيل هنيّة إلى دعوة اللاجئين الفلسطينيّين الفارين من القتال الدائر في سوريا
للتوجّه إلى قطاع غزّة، على الرغم من أن معبر رفح البري مغلق وأن السلطات المصريّة
لا تسمح بدخول الفلسطينيّين عبره باستثناء الذين يحملون بطاقات هويّة.
من جهته حمّل رئيس لجنة اللاجئين في حركة "حماس" عصام
عدوان "إسرائيل" والدول العربيّة والمجتمع الدولي مسؤوليّة حادثة غرق
السفينة ومقتل اللاجئين الفارين على متنها، مبرراً للقيادة الفلسطينيّة عدم قدرتها
على التحرّك الكافي لحمايتهم نظراً للظروف السياسيّة الراهنة.
لكنه انتقد في الوقت ذاته منظمة التحرير الفلسطينيّة متسائلاً
"لماذا لا توفّر المنظمة شاطئ أمان للاجئين الفلسطينيّين الهاربين من مناطق
الصراع ولا تقدّم لهم مساعدات ولا تبذل جهوداً كافية من أجل انتقال آمن لهم".
أما الكاتب السياسي خليل شاهين فانتقد دور القيادة الفلسطينيّة
وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينيّة لبطئها في التعامل مع أزمة اللاجئين الذين
يسافرون عبر البحر باتجاه أوروبا.
وقال في اتصال هاتفي مع "المونيتور"، "سجّلت حركة
هروب إلى خارج سوريا بعد اندلاع القتال، وكان ثمّة تجاهل في الفترة الأولى من قبل
منظمة التحرير الفلسطينيّة ربما لستر عيوبها وعدم قدرتها على الفعل، ومن ثم أتى
التحرّك متأخر جداً. لكنه أصبح جيداً في الآونة الأخيرة".
ويتساءل الفلسطينيّون دوماً إلى متى سيبقون يعانون الأمرَّين في
داخل الأراضي الفلسطينيّة جرّاء ممارسات الاحتلال "الإسرائيلي" وإلى متى
سيستمرّون في الهروب في دول الشتات، في ظلّ استمرار انقسام القوى الفلسطينيّة التي
انعكس سلباً على قدرتها على توفير الحماية والرعاية.
المصدر : جريدة
المونيتور
22/10/2013