بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه:
أما بعد:
فبعد أن ذكرنا في الحلقة الماضية فضيلة الدعاء وانه لا يوجه الا لله وان صرفه إلى غير الله هو شرك . في هذه الحلقة نأخذ نوع ثاني من العبادة التي لا تصرف إلا لله عز وجل وهي النذر.
فالنذر عبادة والعبادة لا تكون إلا لله.
تعريف النذر: النذر التزام المؤمن بما لم يلزمه به الشارع ، كأن يقول : لله علىَّ أن أتصدق بألف؛ أو أصوم شهراً أو أصلي كذا ركعة أو يقول : إن حصل لي كذا من الخير أفعل كذا من الطاعات .
الدليل على وجوب أن يكون النذر لله من كتاب الله:
قال تعالى : { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ }البقرة270.
وقال جل وعلا { إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }آل عمران35.
قال الإمام السعدي:{ رب إني نذرت لك ما في بطني محررًا } أي: جعلت ما في بطني خالصا لوجهك، محررا لخدمتك وخدمة بيتك { فتقبل مني } هذا العمل المبارك { إنك أنت السميع العليم } تسمع دعائي وتعلم نيتي وقصدي أ.هـ .
وقال تعالى:{ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ }الحج29. { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } التي أوجبوها على أنفسهم، من الحج، والعمرة والهدايا.(السعدي).
ومن السنة:
1- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ.(البخاري)
قال ابن عثيمين رحمه الله : قوله : ( ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) ، لا : ناهية ، والنهي بحسب المعصية ، فإن كانت حراما ؛ فالوفاء بالنذر حرام ، وإن كانت المعصية مكروهة؛ فالوفاء بالنذر مكروه ؛ لأن المعصية الوقوع فيما نهي عنه ، والمنهي عنه ينقسم عند أهل العلم إلى قسمين : منهي عنه نهي تحريم ، ومنهي عنه نهي تنزيه.
فيه مسائل :
*الأولى : وجوب الوفاء بالنذر ، يعني : نذر الطاعة فقط ؛ لقوله : ( من نذر أن يطيع الله ؛ فليطعه ) ، ولقول المؤلف في المسألة الثالثة : أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به .
*الثانية : إذا ثبت كونه عبادة ؛ فصرفه إلى غير الله شرك ، وهذه قاعدة في توحيد العبادة ، فأي فعل كان عبادة ؛ فصرفه لغير الله شرك .
*الثالثة : أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يعصي الله ؛ فلا يعصه )أ.هـ .
2-عن ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ قَالَ:
نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ قَالُوا لَا قَالَ هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ قَالُوا لَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِكَ فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ. (رواه أبو داود قال الشيخ الألباني صحيح).
سؤال : إذا نذر الإنسان نذرًا وقال على سبيل المثال: (إن شفى الله مريضي لأذبحن ذبيحة لله عند قبر فلان تقربا لله)، فهل يجوز مثل هذا العمل؟ وهل هناك أماكن نهي عن الذبح فيها لله تعالى؟
نص الفتوى : الحمد لله إذا نذر أن يذبح لله عند قبر من القبور، فهذا نذر معصية لا يجوز الوفاء به، والذبح عند القبور إن كان القصد منه التقرب إلى صاحب القبر فهو شرك أكبر يُخرج من الملة ولو ذكر اسم الله على الذبيحة.وإن كان القصد منه التقرب إلى الله فهو معصية كبيرة ووسيلة من وسائل الشرك؛ لأنه لا يجوز التّعبُّد عند القبور، فلا يجوز لنا أن نصلي عند القبور ولا أن ندعو عند القبور، ولا أن نذبح عند القبور، وإن كنا لا نقصد إلا الله؛ لأن هذا مشابهة للمشركين وهو وسيلة إلى الشرك.روى أبو داود بسنده عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه، قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟" قالوا: لا، قال: "فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟"، قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم" [رواه أبو داود في "سننه" (3/235) من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه.]، وإسناده على شرط الشيخين.قال في "فتح المجيد": قلت: وفيه سد الذريعة وترك مشابهة المشركين، والمنع مما هو وسيلة إلى ذلك انتهى.وبهذا يتبين أنه لا يجوز الذبح لله تعالى عند القبور، ولا في الأماكن التي كان فيها أوثان للمشركين ولو كانت قد أزيلت، ولا في المواطن التي يتخذها المشركون مكانًا لأعيادهم وشعائرهم.(40 سؤالا في الجنائز للفوزان).
شروط النذر ستة:
1- أن يكون لله لا لغيره.
2- أن يكون في طاعة لا في معصية .
3- أن يكون في ما يملكه العبد لا فيما لا يملكه
4- أن يكون فيما يطيقه العبد لا فيما لا يطيقه.
5- أن لا يكون في موضع كان يعبد فيه غير الله , ؟أو ذريعة الى عبادة غير الله .
6- أن لا يعتقد الناذر تأثير النذر في حصول ما نذر من اجله .
(القول المفيد للوصابي).
والنذر الذي هو إلزام الإنسان نفسه بشيء ما، أو طاعة لله غير واجب بل مكروه، وقال بعض العلماء : إنه محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن النذر وقال: "إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل" (مسلم)، ومع ذلك فإذا نذر الإنسان طاعة لله وجب عليه فعلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" (البخاري) .
والخلاصة أن النذر يطلق على العبادات المفروضة عموماً، ويطلق على النذر الخاص وهو إلزام الإنسان نفسه بشيء لله عز وجل (ابن عثيمين) .
أخوكم: وليد ملحم
20/4/2010
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"