هذا ما قاله لي السيد " دقيق" ج3 من سلسلة قررت أن أكون كاتبا - جمال أبو النسب

بواسطة قراءة 1804
هذا ما قاله لي السيد " دقيق" ج3 من سلسلة قررت أن أكون كاتبا - جمال أبو النسب
هذا ما قاله لي السيد " دقيق" ج3 من سلسلة قررت أن أكون كاتبا - جمال أبو النسب

المعروف عن السيد (مش مهم) أنه دقيق في كل شيء ,, وهو يحمل لواء الحكمة التي مفادها " الوقت كالسيف أن لم تقطعه قطعك " ,, لا يدع أموره الحياتية تحت رحمة الظروف ,, ولا في زحمة التبريرات ,, ولا في جوف المسببات ,, ولا في تلال السوفَ ,, فأكله ,, وشربه ,, ونومه ,, وصحوه ,,وقيامه ,, وجلوسه ,, وحَمًامِه ,, وحِلاقة ذقنه ,, وتصفيف شعره ,, وتَبَسمه ,, وعبوسه ,, وحتى خروجه من بيته وعودته إليه ,, في مواقيت لا تقبل التغيير ولا التأخير ,, هو قد فرضها على نفسه ,, ولم يعد قادرا على مخالفتها ,, أو عدم المواظبة على دقتها ,, حتى كان يطلق على نفسه في سره ,, أنا الرجل الدقيق والحريص على أن أدقق في كل شيء ,, وأن أدق أي شيء من غير حاجتي إلى مطرقة ,, بل كان إذا ما مر بظروف قاهره جدا ,, تَحُول دون ممارسة تلك القيود على نفسه ,,

ويتأخر ولو لدقيقة عن موعد عودته إلى بيته ,, تَجده يُسارع إلى إرجاع عقارب ساعته اليدوية إلى الوراء لدقيقة ,, وهو يتخفى من أعين الناس ,, لكي لا يقبض عليه بالجرم المشهود ,, وما أن يدلف إلى بيته حتى يبادر زوجته السيدة ( مغلوبة على أمرها ) بالقول ,, أعيدي عقارب ساعة الحائط دقيقة إلى الوراء ,, لأنه صدر قرار من سيادته بذلك ,, مدعيا بأن الأرض قد توقفت عن دورانها في هذه الدقيقة ,, وهو لا يعلم لما يقوم بكل هذا ,, أذلك ليؤكد حتمية وصحة ما يمارسه على نفسه ,, أم لأنه بات لا يقوى على مخالفة نفسه أرضاءً لذاته ؟؟ !! ...

عاد السيد ( مش مهم ) اليوم متأخرا عن موعد ه المقرر ,, إلى بيته قرابة الساعة ,, مما دعا زوجته السيدة (مغلوبة على أمرها) أن تضرب أخماسا بأسداس ,, وتذهب بها الظنون إلى ما لا تحمد عقباه ,, وقد بقيت منتصبة أمام الشباك ,, وعينيها ترقب المارين بالشارع لعلها تلمحه ,, ولو من بعيد كي تطفئ لضى تلك الضنون ,, وعندما سمعت صرير مزلاج البيت ,, هبت من فورها لتفتحه بكلتا يديها ,, وحين رأته وقبل أن يبادرها بالسلام ,, أو أنها ترد له التحية ,, قالت له ... "ابن عمي لما تأخرت كل هذا الوقت" ...  قالتها بطريقة يخال لسامعها ,, وكأن زوجها كان مفارقا لها منذ سنوات ,, وليس لقرابة الساعة فقط ,,

رد عليها ببروده المعهود ... " تمهلي قليلا كي ألتقط أنفاسي .. واذهبي وآتيني بقليل من الماء ,, لأن سلالم العمارة قطعت أنفاسي" ... وكأنه يسكن في ناطحة سحاب وليس بعمارة عدد طبقاتها اثنتين ,, إضافة إلى كم درجة حتى يصل ,, إلى غرفته المعلقة على سطح العمارة...

بعد ما شرب الماء وأرخى جسده على الكرسي ذا الثلاثة أرجل ,, لأن (البلوكة) كانت بمثابة الرجل الرابعة لذلك الكرسي ..

راحت السيدة (مغلوبة على أمرها) تلح عليه بالسؤال ,, عن سبب تأخره الطويل جدا ,, هنا استعدل بجلسته ,, وكأنه في مقابلة تلفزيونية ,, وعدسات التصوير تحيط به من كل جانب ,, قائلاً لها ... " أسمعي يا ابنة عمي ,, وأنا قريب من أطراف بيتنا استوقفني ,, رجل كان يجلس على حافة الطريق ,, وهو يقول لي تعال لاحدثك ,, وحين حاولت الفرار من نظراته ومتجاهلا لما قاله ,, فإذا به يسحبني من طرف بنطالي ليجلسني قبالته ,, وعندها أمعنت النظر إليه ,,  فإذا بي أنظر إلى رجل  ,, لم أر مثله من قبل فجر التاريخ ,, وبدون أراده مني ,, وأنا المشهود لي بقوة الشكيمة ,, وجبروت القوة المتناهية ,, تملكتني رعشة في جسدي ,,  وبرودة في أطرافي ,, وجالت بي الظنون ,, حتى حسبت بأنه سيغمى عليً ,, لذا جلست أمامه بوجوم " ...

قال ... " اسمع يا ولدي " ...  وراح يدمم بكلمات ,, وفجأة بدأ يقول لي ... " اتوقع ان تكون بعد ايام قلائل ,, رجل ولا كل الرجال ,, أبشرك يا أستاذ (مش مهم ) بأنك ستصبح كاتبا مرموقاً ,, في كل المواقع لحدس لدي ,, سواء رضي القائمين عليها أو لم يرضوا ,,  هذا ما احسسته واستشعرته ,, ولا أعرف أهذا سيكون ,, قدرهم أم قدرك الذي لا مفر منه "

قلت له ... " سأصبح أنا الكاتب الألمعي " ...

قالت السيدة ( مغلوبة على أمرها ) ... ماذا ؟ شو ؟ ليش ؟ عفوا ,,  ما هذا الذي قلته" قال ... " سأقول لك ماذا تعني الألمعي ,, أنا سأكون مثل قنديلنا الذي حين نشعله يضيء لنا غرفتنا عند أنطفاء الكهرباء ,, فتصبح عيوننا تلمع من شدة ضياءه ...

قالت ... ابن عمي هاي الألمعية ,, للأكل أو للبس ,,  ولا بستوردوها من بلاد بره ...
قال ألسيد ( مش مهم ) لزوجته ... " أن الترجمة الحرفية لكلمة ألمعي ,, وباللغة العربية الفصحى ,, وكما جاءت في مقدمة ابن خلدون ,, وما تلاها من قول للفراهيدي ,, وأنبرى في تفسيرها سيبويه ,, وحاز نجيب محفوظ بسببها ,, على جائزة نوبل للسلام ,, أو للأدب ,, ليس مهما هذه الجملة تعني أني سأتزوج عليك بعد أيام ,, أ فهمتي " ...

هنا تهاوت السيدة ( مغلوبة على أمرها ) ,, كورقة أطاحت بها الريح من أعلى قمم الجبال ,, اقترب منها وراح يصفع خديها بكلتا يديه ,, بعدما رش ما تبقى من كأس الماء الذي ما يزال بيده ... " أفيقي يا ابنة عمي والله أني أمازحك " ... بعدما سمعت كلمة أمازحك ,, عاد الدم مسرعً ليجري في عروقها ,, التي كادت أن تجف ,, قالت له ... " لا أصدقك " ..
قال لها ... " اقسم لك باني لا اتزوج مرة اخرى ,,  ماذا تريدين مني بعد هذا اليمين كي تصدقيني " .

قال السيد ( مش مهم ) لزوجته التي انتابها الذهول ,, وبشرتها الصفراء تنذر بالنحول ,, وهي لا حول ولا قوة لها ,, سوى أن ترضى به وبكل ما سيقول ,, لأنها لا تملك لما يلي من كلامه سوى القبول ...

قال لها ... " سأروي لك ما قاله لي السيد دقيق ,, وبصدق وبدون زيادة أو نقصان ,, ولن أمازحك يا ابنة عمي مرة أخرى " ... هنا جاهدة السيدة ( مغلوبة على أمرها ) على نفسها ,, لأن وقع كلامه سأتزوج عليك ,, وبعد أيام قلائل ,, وأن كان مزاحا ,, قد هدها بل أطاح بمملكة كرامتها وعزة نفسها قائلة ... " دعني أنام قليلا ,, ولك أن تكمل ما تريد قوله غدً ,, أو بعد غَدِ أو وقت ما تشاء ,, هذا أن أفقت من نومتي هذه ,, أو كان هنالك في العمر بقية" ,, أن شاء ألله

 


بقلم:  جمــال أبــو النســــب

الولايات المتحدة الأمريكية / كاليفورنيا

14/8/2011

 

المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"