ما بين اللاجئ والمهاجر – د. حنان عشراوي

بواسطة قراءة 2070
ما بين اللاجئ والمهاجر – د. حنان عشراوي
ما بين اللاجئ والمهاجر – د. حنان عشراوي

وتسعى اليوم حكومة الاحتلال إلى استصدار قرار أممي يقضي بتعويض يهود الدول العربية، وذلك في 21 أيلول القادم بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، بالتزامن مع انعقاد الجمعية العامة .

حيث تعمل الحكومة على إعداد حملة دولية واسعة، بقيادة نائب وزير خارجية الاحتلال داني ايالون، للاعتراف بحقوق اليهود الذين هاجروا من الدول العربية بعد نكبة 1948، وتعريفهم باعتبارهم 'لاجئين'، والشروع في مرحلة لاحقة للتفاوض مع بعض الدول العربية للحصول على تعويضات على الأملاك التي تركها اليهود في البلاد العربية .

وفي ذات الوقت، فقد اجتهدت منذ سنوات طويلة في تفريغ القرار الأممي 194، أو استبداله بقرار أممي آخر، واستهدفت بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية ممثلة بالكونغرس الأميركي (وكالة الغوث الدولية الأونروا) التي تجسّد الدليل القانوني والمادي لقضية اللاجئين الفلسطينيين. كما حاول الكونغرس في تجاوز صارخ للقانون الدولي تشريع مقترح، قدّمه السناتور الجمهوري مارك كيرك، تخفيض عدد اللاجئين الفلسطينيين، وتغيير حالة ملايين الفلسطينيين اللاجئين، ونزع صفة (اللاجئ) عن أبنائهم وأحفادهم .

إلا أن محاولة "إسرائيل" استصدار قرار أممي بهذا الخصوص فهي الأولى من نوعها على المستوى الدولي لمواجهة حق اللاجئين الفلسطينيين وتصفية قضيتهم وحقهم في العودة أو التعويض الذي أقره المجتمع الدولي قبل ستين عاما .

ودعما لهذه الحملة السياسية الدولية، أقرت "الكنيست الإسرائيلية"، بموافقة الحكومة، قانونا يُلزم أي حكومة "إسرائيلية" بضرورة استنفاذ موضوع 'حقوق اللاجئين اليهود في البلدان العربية' قبل التوقيع على أي اتفاقية سلام .

المثير للاهتمام أن هذا التشريع العنصري، ومصطلح 'اللاجئ اليهودي' الذي تعمل "إسرائيل" على زجّه وتكريسه في الخطاب السياسي والدولي، هو استكمال آخر لجهود مجلس النواب الأميركي الذي عمل قبل سنوات على فرض ما يسمى بـ'قضية اللاجئين اليهود' على أجندة الحل السياسي للقضية الفلسطينية، حيث بادر إلى افتعال هذا القانون أعضاء الكونغرس الأميركي 'هاورد بيرمان، وايليانا روس لتيان، وجيري ندلر'. كما يشارك في الحملة الدولية المؤازرة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وشخصيات عالمية أخرى .

إن هذا القانون يفتقد في مضمونه إلى الأساس القانوني والأخلاقي، ويأتي في إطار سياسي محض لتكريس "يهودية الدولة" التي طالبت حكومة نتنياهو الاعتراف به باعتباره شرطا رئيسيا للدخول في أي مفاوضات أو تسوية لإنهاء الصراع، وكذلك لفرض حل سياسي لا يتضمن قضية اللاجئين .

وبالعودة إلى الحقائق الموضوعية والتاريخية لهجرة اليهود من الدول العربية، فإن اليهود العرب كانوا جزءا من المنطقة العربية في إطار دولهم، لكنهم بدأوا بالهجرة إلى "إسرائيل" بعد قيامها، وذلك وفق مخطط مدروس من الوكالة اليهودية يقضي بجلب اليهود من جميع أنحاء العالم لبناء 'دولة اسرائيل'. ومع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض الدول العربية في ذاك الوقت كان يسودها أنظمة استبدادية، فالمعاناة كانت واقعة على جميع المواطنين بغض النظر عن دياناتهم واختلافهم، ولم يتم استهداف اليهود بحد ذاتهم. وعلى الرغم من أنه جرى حوادث اضطهاد أو عنف فردية، وهي مشبوهة لدفعهم وتشجيعهم على الهجرة، إلا أن هجرة اليهود كانت طواعية ومتأثرة بعوامل الضغط والإغراء، وبدعوات الحركة الصهيونية المتكررة مع الوكالة اليهودية لليهود بالقدوم إلى "إسرائيل" .

وقد مارست "إسرائيل"، 'الدولة التي تدّعي الديمقراطية'، على اليهود العرب والشرقيين التمييز العنصري لدى قدومهم، ووضعتهم في أماكن منعزلة، وحرمتهم من الاختلاط مع الرعايا "الإسرائيليين"، وعاملتهم بدونية واحتقار على الصعيد الثقافي والاجتماعي بالمقارنة مع اليهود الغربيين .

وبالتالي، فإن الادّعاء بأن هؤلاء اليهود الذين هاجروا إلى "إسرائيل" هم 'لاجئون' اقتلعوا من أوطانهم، التي من المفترض أن تكون 'إسرائيل'، وعادوا إليها، هو ضرب من التضليل والخداع! فإذا كانت 'إسرائيل' هي وطنهم، فهم طبقا لذلك ليسوا 'لاجئين' بل مهاجرون عادوا إمّا بقرار سياسي أو بمحض إرادتهم! وطبقا لتعريف اللاجئ في القانون الدولي: فهو منْ هُجّر من وطنه لأسباب لها علاقة بالحروب أو العدوان الخارجي، أو الخطر والاضطهاد أو الفقر، ولجوئه إلى أماكن مختلفة، وليس العكس .

وفي نفس الإطار، فإن المجتمع الدولي، ممثلا بالجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، لم يعلن عن حالات لاجئين يهود، على العكس من ذلك، أصدر على ضوء نكبة الشعب الفلسطيني سنة 1948 قرارا هاما جدا للاجئين الفلسطينيين، هو قرار 194، والذي تنص الفقرة (11) منه صراحة على ضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وقراهم الأصلية التي هجّروا منها، باعتبارهم شعبا وليسوا مجموعة أفراد متضررين من الحروب مثل حالات كثيرة، ولم يكتف القرار المذكور بتأكيد حق العودة، بل تعدّى ذلك إلى إيجاد آلية عمل متكاملة لتطبيق هذا الحق وعودة هؤلاء اللاجئين .

وهنا يكمن التضليل والالتفاف "الإسرائيلي" - الأميركي على فعل التشريد القسري الذي مارسته العصابات الصهيوينة على شعب فلسطين المستقر في أرضه منذ آلاف السنين، وهنا يكمن الفرق أيضا بين اللاجئ الفلسطيني الذي اقتلع من أرضه وهجّر إلى المنافي، وتعرّضه إلى أقسى أنواع التطهير العرقي، وبين الرحيل الطوعي الذي اختاره اليهود بشكل جماعي خلال تلك الفترة . 

ولا نغفل أنه من الناحية القانونية، فإن الحق الأول للاجئ قبل التعويض هو العودة إلى موطنه الأصلي، وقد أبدت دول عربية استعدادها وترحيبها بعودة يهودها إليها مثل العراق والمغرب، وبلا شك فإننا نتوقع ترحيب الدول العربية الأخرى بعودة مواطنيها اليهود إليها ضمن أنظمة ديمقراطية تحترم التعددية .

إن هذه المناورات المكشوفة التي يحاول الاحتلال تمريرها على المجتمع الدولي تدل على سياسة مبرمجة لتزوير وتشويه الحقائق، وتؤكد أن فلسطين ليست أرضهم. ومع ذلك، فإننا نعرب عن دعمنا وترحيبنا الكامل بعودة اليهود العرب إلى مواطنهم الأصلية قبل عام 1948، ولكن يبقى حق لاجئينا الفلسطينيين الذين ذاقوا مرارة اللجوء والمنافي، ودفعوا ثمن التواطؤ الدولي عليهم، في العودة إلى موطنهم الأصلي فلسطين حقا ثابتا لا يسقط بالتقادم، طبقا لقرارات الشرعية الدولية وقرار 194، ولن نسمح بالمقايضة أو المساومة على هذه الحقوق المشروعة وغير القابلة للتصرف التي تحاول قرارات مجلس النوّاب الأميركي والحكومة "الإسرائيلية" القفز عليها، ومساواتها مع ما يسمى 'حقوق اللاجئ اليهودي' .

 

د. حنان عشراوي

30/8/2012

 

المصدر : وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية – وفا