من أكثر المصطلحات التي لها الصدارة في الآونة الأخيرة " الطائفية " لا سيما بعد احتلال العراق، والعمل على طرح مشروع طائفي واضح المعالم بمختلف الجوانب ومناحي الحياة، مع أن هذه الكلمة محل ازدراء وانزعاج وتوجس، لما لها من زرع الفرقة والنزعات الإثنية العنصرية وبالتالي تحصل أزمات وآثار وفتن لا تحمد عقباها.
معظم الناس يستهجن ويستغرب حديثك إذا كانت فيه نزعة طائفية، أو قمت بتشخيص حالة ما وأظهرت بالدلائل والقرائن أنها حصلت ووقعت لأسباب طائفية، وعلى الفور يجيبك: لا تتكلم بمنطق الطائفية!! أو: لا تكن طائفيا!! أو الأفضل حالا من هؤلاء أن يبرر ويفلسف الحدث بطريقة تضيع معها الحقوق وتستفحل المشكلة، وفي واقع الحال تتعقد وتزداد تلك الإشكالية نتيجة للهروب إلى الأمام بهذا المصطلح.
وأصل الطائفية هو مصطلح مشتق من الطائفة، وهي مجموعة أو جماعة أو فئة قليلة، في مجتمع ما ليمتزج بعد ذلك بمضامين فكرية أو مذهبية أو عرقية، طغت على المفاهيم الأساسية؛ كالدين والعرق والملة والقومية وما شابه، حتى أصبح يشكل أزمة تعيشها عدة مجتمعات عربية ظهرت بشكل واضح في العراق!
ونحن كفلسطينيين في العراق لنا انتماء ديني واضح وقومي عربي، ونحن أقلية فلا نشكل شيئا عدديا مقارنة مع عدد العراقيين، ولا جغرافيا إذا قارنا مساحات العراق الواسعة، فإذا أردنا أن نتحدث بهذا المقياس فإنا ينطبق علينا الاستهداف الطائفي بشكل دقيق، ولمن يستغرب هذا الطرح وهذه الحقيقة فنقول له على أقل تقدير لو أردت أن تعتبر كلامنا هذا طائفيا فنجيبك بالحقائق التالية:
- القتل والذبح الذي حصل لنا منذ عام 2003 هو قتل طائفي بامتياز، وإلا لماذا لم تحصل عمليات قتل واغتيال وتصفيات في المحافظات السنية كالموصل وصلاح الدين وغيرها، في الوقت الذي قُتلنا شر قتلة وذُبحنا شر ذبحة في بغداد لا سيما وأن أغلب أماكن تواجدنا تخضع للنفوذ الطائفي!! والسؤال ذاته يقال: لماذا لم يحصل لنا ذلك إلا بعد سيطرة الأحزاب الطائفية على البلاد؟!!
- الخطف والتعذيب بأشد أنواعه والمثاقب الكهربائية " الدريل " تشهد بذلك، كانت طائفية بامتياز، وإلا ماذا نفسر أغلب المختطفين في مناطق نفوذ الطائفة المسيطرة، وعدد منهم تم إخراجهم من حسينيات!!
- التهديدات التي كانت تصل لأفراد أو تجمعات، كانت طائفية بدرجة كبيرة حتى أن بعضها مفادها " أن لا عيش لكم في عراق الحسن والحسين "!!
- الاعتقالات العشوائية والمنظمة من قبل الأجهزة الأمنية الحكومية أيضا طائفية، وإلا كيف نفسر ما حصل لبعض المعتقلين أثناء الاعتقال من شتائم طائفية!! وكلام لاذع ضد الوجود الفلسطيني في العراق، حتى أن بعضهم أثناء نقلهم من مكان لآخر فقط يقولون: هذا إرهابي فلسطيني!! فتبدأ الشتائم والضرب يأتيه من كل مكان، فإلى متى نبقى نتكلم بمنطق: لا تتحدثوا بهذا الكلام فهذا كلام طائفي!!
- التهجير الذي حصل لنا تهجير طائفي بامتيازات متعددة، هل تعلمون لماذا؟ لأن عددنا قبل الاحتلال بحسب مفوضية شؤون اللاجئين 25 ألف فلسطيني، والآن لا يتجاوز العدد الفعلي 7 آلاف، وبما أن الحكومة الحالية طائفية وهذا بشهادتهم وشهادة الساسة المشتركين معهم بالحكم، وقد حصل تهجيرنا في السنوات التسع المنصرمة، إذا لا تفسير لهذا التهجير إلا أنه طائفي، وماذا نفسر هجرة بعض العائلات من بغداد إلى الموصل! أو طرد بعض العائلات من البصرة! ناهيك عن العديد من العائلات تم تهديدها وطردها من مناطق في بغداد كالحرية والزعفرانية والمشتل والأمين والمعلمين وحي الإعلام وبعض مناطق السيدية وغيرها.
- تخيلوا أن الطائفية بحقنا وصلت إلى حالة قد لا يصدقها العقل!! إذ أنها شملت جثث القتلى – نحسبهم شهداء والله حسبيهم- وكلنا يذكر يوم 26/6/2006 ماذا حصل بمجمع البلديات، عندما حاول ذوو أربع جثث جلب جثامين ذويهم ما الذي حصل؟؟!! رفض مستشفى الكندي تسليم الجثث إلا بحضور أقارب من الدرجة الأولى بمعنى أقارب فلسطينيين حتى تتم تصفيتهم!! وعندما أيس أهالي الشهداء بإذن الله، اضطروا لترك الجثامين خشية إضافة ضحايا جدد، في الوقت الذي لم تحصل هذه عند اليهود، الذين سلموا جثامين ورفات بعض الفدائيين الفلسطينيين لذويهم مع قتلهم يهود في تلك العمليات، فكيف تكون الطائفية يا دعاة الوحدة والألفة والسياسة المقيتة على حساب حقوقنا؟! وهنالك جثامين لحد الآن لم يستلمها ذووها لذات السبب.
- هل تعلمون أننا عام 2006 وصل بنا الحال عدم قدرتنا دفن موتانا في أغلب المقابر، باستثناء مقبرة الشهداء في منطقة الأعظمية وهذه لا تحتاج لمزيد توضيح!
- بل سأذهب بكم أبعد من ذلك، تخيلوا في معتقلات الأجهزة الأمنية العراقية الطائفية، كان للفلسطيني خصوصية كما يكلمني أحد المفرج عنهم، فيقول: كنا في غرفة ضيقة جدا وكلما يأتي معتقل جديد يطلبوننا فنتعرض للتعذيب مع أن التحقيق معنا – المزيف والمفبرك – انتهى، فيقول حتى في المعتقلات هنالك تمييز واضح وكبير بالتعامل مع الفلسطينيين!!
هنالك العديد من الحقائق التي لو أردنا الاستطراد بها لاحتجنا مجلدات، فمرارة الظلم وقساوة الانتهاكات وضراوة الويلات، التي ذقناها في العراق تعجز المقاييس عن وصفها وتأطيرها، لكن استمرارا لهذا المسلسل الطائفي السافر الواضح الجلي البيّن، بدأت قبل أيام حملة طائفية جديدة، وكالمعتاد مداهمة لمجمع البلديات وتفتيش وإلقاء قبض على إرهابيين بحوزتهم سيارة مفخخة وعبوات ناسفة ومتفجرات وأسلحة وما شابه، ويتم تصويرهم بجانبها ثم تكون قضية، ويعتقلون أناسا أبرياء لا علاقة لهم بأي شيء!!
ونحن كفلسطينيين عشنا تلك الأحداث ومررنا بقضية تُعد من أكبر القضايا، وهي قضية بغداد الجديدة، وما تبعها من ضجة إعلامية طائفية واضحة، والآن تتصدر بعض الصحف والمواقع والقنوات حملة إعلامية شرسة ضد الوجود الفلسطيني لاستكمال المشروع التهجيري الطائفي الصفوي العنصري.
وبعد تلك المقدمة لهذا المشروع المستمر، لابد من تقديم هذه الهدية من خلال تتبعنا وبعض الفضلاء لما ينشر في مواقع طائفية لم تعد تُخفي ما في دواخلها وطلقت التقية الدينية والسياسية بل حتى الإعلامية، وحتى نثبت للعالم بأسره ونسطر تلك الحقبة بدقة ومصداقية لابد من عرض بعض ما جاء بتلك المؤسسات الإعلامية التي تعتبر واجهة للمشروع الطائفي بل المنافح والمؤجج له في العراق، ونحن من أكبر ضحايا هذا المشروع:
نشر موقع " عراق القانون" !! يوم السبت الموافق 14/1/2012 خبر بعنوان ( انتحاري عربي الجنسية يفجر نفسه في الموصل على افراد الشرطة بعد محاولة اعتقاله ) وتحت هذا الخبر عنوان فرعي هو" تفكيك «خلية للمقاتلين العرب يحملون جنسيات فلسطينية وأردنية» شرق بغداد".
تفاصيل الخبر تظهر وكأن منطقة البلديات معسكر متكامل مع مخازن الذخيرة والمعدات والمقاتلين!! هكذا صوّر الخبر عملية الدهم والاعتقال الذي حصل لأبرياء وتم تلفيق قضية بحقهم كالمعتاد، لكن سنقف معكم على بعض تعليقات هذا الخبر حتى تتضح الصورة لكم أكثر، وكيف لعب الإعلام الطائفي بتأجيج هذه الفتنة واستهداف الفلسطينيين في سبيل تهجيرهم طيلة تلك السنوات المنصرمة.
قال أحد المعلقين بالنص ومن غير تصرف( ماشاء الله عتاد مال لواء .ادري البلديات مافرغت من الفلسطينيين مو اهل بغداد كله هجت للخارج وهذوله بعدهم مجلبين لزكه خوما لزكه ).
في هذا دليل على السيناريو والمسلسل الذي ذكرناه سابقا بتهجير الفلسطينيين وقضية العتاد والمتفجرات ما هي إلا صفقة إعلامية وحلقة من تلك الحلقات.
تعليق آخر نصه( تحية لابطال العراق من الاجهزة الامنية والشرطة والجيش ونقول لهم انتم امل العراقيين في الحفاظ على وحدة العراق والقضاء على الارهبيين عملاء الوهابية و ال سعود وال موزة المتخلفين ).
هل استشعرتم حقيقة الطائفية التي تنبع عن حقد دفين على الفلسطينيين، ونسبتهم لجهات لأنها سنية فقط!!
يقول أحد المعلقين نصا( ان الفلسطينيين الذين يسكنون في منطقة البلديات فلهم ماضي غير مشرف في دعم العمليات الارهابية واسنادهم للبعثية والارهابية بتوفير الحاضنات لهم وامور اخرى , ولكن تم تحجيمهم مؤخرا وهرب الكثير منهم في ايام الطائفية ولا نستغرب من عودتهم بأعتبارهم خلايا نائمة ).
هذا اعتراف واضح أن ما يحصل في العراق تصفيات طائفية، وأن نظرة هؤلاء لمجمع البلديات الذي هو رمز الوجود الفلسطيني في العراق، نظرة حقد وثأر ومحاولة استئصال، فهم يربطونهم بالبعثية مع أن الواقع يشهد بأن نسبة المنتسبين لحزب البعث العراقي من الفلسطينيين يكاد لا يذكر، لكن حتى تصدقوا أنها طائفية بامتياز!!
تعليق آخر يقول( ليش يعني مازال الفلسطينيون يسرحون ويمرحون في حي البلديات في بغداد ؟ أين عمليات بغداد وقيادات الجيش والشرطة ؟ بعد حوالي 9 سنين على سقوط الطاغية ( صدام ) هل مازالت البلديات منطقة الفلسطينين الحاقدين , الصداميين ؟؟ ).
لا يحتاج إلى تعليق، فهذا تحريض وتهييج واضح لقتل وطرد الفلسطينيين!!
تعليق آخر وأظنه لا يحتاج إلى تعليق ( الحمد لله لقد انكشفت عورة الفلسطينين في البلديات والعراقين ماعدهم بيت يسكنون يجب اخراج الفلسطينين المتورطين بالارهاب الى خارج العراق باسرع وقت ومقضاة هؤلاء المجرمين الارهابين باسرع وقت وانهاء تواجد اهاليهم وذويهم والعراق يرفض هكذا لاجئين مجرمين وناكرين للجميل بكل وسائل الغدر والطائفية والارهاب نعلة الله على فلسطين وعلى شعبها المكروه من كل العالم لانه شعب نذل وناقص الاصل ).
فهل يبقى منخدع بأن الصفويين يأتي منهم نصرة لفلسطين؟!!! فالذي لا يرى من الغربال أعمى!
وفي آخر تعليق ( الحذر من الفلسطينيين الان هم يتكلمون اللهجة العراقية بطلاقة كي يخفون هويتهم يجب تطهير البلد منهم ومن المصريين الذي اوهموا العراقيين بانهم تشيعوا ومن السودانيين وكل جنس عربي لا مكان له في بلد الشيعة والتشيع العراق ).
قد يقول قائل أن هؤلاء لا يمثلون العراقيين، نعم قد نؤيد ذلك لكن كم نسبة هؤلاء الآن في العراق؟!! ومن الذي يحكم الآن العراق؟!! أليسوا من يحمل هذه الأفكار وهذا الحقد وهذه الفئوية والعنصرية؟! ومن لم يوافق هذا المعتقد فهم إما قلة قليلة وإما مستضعفة مغلوب على أمرها لا حول لها ولا قوة.
ومن لاحظ تفاصيل الخبر ومفرداته يجد بأنه صيغ وتمت حياكته بطريقة طائفية، بعيدا عن أي مهنية إعلامية، وهذا ذكرني بخبر عرضته قناة الفرات الطائفية عام 2006 مفاده إلقاء القبض على إرهابيين فلسطينيين من منطقة النعيرية، والغريب أن القناة عرضت الخبر قبل إلقاء القبض عليهم فعليا بساعة ونصف؟!!
فما جاءت به المواقع والصحف مؤخرا بأنهم عثروا على كميات كبيرة من الأسلحة، وفي هذا إشارة إلى أن هذا المجمع هو وكر ومصدر الإرهاب الذي قتلكم أيها العراقيين!! والعثور على سيارة مفخخة معدة لتفجير مواكب حسينية!! وخطط مرسومة وبالأسماء لاغتيال شخصيات سياسية وضباط الجيش والشرطة!!
وما ذكرناه غيض من فيض التحريض، ونقطة في بحر التأجيج الطائفي ضدنا في العراق، فما أردناه وضع النقاط على الحروف، ووصف الأشياء بأوصافها، وتسمية الأمور بمسمياتها، وعدم فلسفة الموضوع، أو تزويقه بحسب المصالح والمنافع والمكتسبات، فدماء شهدائنا بإذن الله لن تُنسى، ومخيمات اللجوء في الصحراء لا زالت شاخصة، وشَرذمة العوائل وشتاتهم المؤلم وبعثرتهم في شتى قارات العالم تعتصر في قلوبنا.
فمن قال لك لا تتحدث بالمنطق الطائفي، إذا أردنا تنزلا إجابته فنقول: لكن ذبحهم وقتلهم وخطفهم وتعذيبهم وتهديدهم وظلمهم واضطهادهم طائفي!! كما أن انتهاكاتهم وتسلطهم وتهجيرهم وإعلامهم وتحريضهم طائفي!! فمَن الأنكى والأخطر والأدهى: مجرد كلمات وهمسات وصرخات نطلقها هنا وهناك؟! أم سهام وطلقات وتحريضات واعتقالات وانتهاكات وتُهم وتلفيقات ومجازر وتهجير وشتات لشتى العائلات؟!!
فمن لم يقتنع بهذه الهدية- بما فيها من لئواء ومرارة- وأن ما يحصل طائفية، فقد ساوى بين الجلاد والضحية!
أيمن الشعبان
19/1/2012
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"