سلسلة ردود على بعض الكتاب: لا خير في أمة تنتقص من صحابة نبيها ج2 – عبد العزيز المحمود

بواسطة قراءة 4107
سلسلة ردود على بعض الكتاب: لا خير في أمة تنتقص من صحابة نبيها ج2 – عبد العزيز المحمود
سلسلة ردود على بعض الكتاب: لا خير في أمة تنتقص من صحابة نبيها ج2 – عبد العزيز المحمود

الحمد لله رب العالمين . في هذه الحلقة سوف نناقش الكاتب ببعض الأمور التي تتعلق بالصحابة ومما جاء :

ونصحني أهل المنطقة بالمبيت هناك لأنك سترى معجزة , فتشوقت وقررت المبيت في وكان ذلك في نهاية شهر آذار(مارس) وفعلا قبل الغروب بربع ساعة وكنت حينها واقفا عند قبر جعفر ابن أبي طالب فسمعت في هذه ألحظة صهيل الخيل وضرب السيوف وانتشر بالمنطقة (عجاج كثيف ) انتشر الغبار والتراب فقط في الرقعة التي دارت عليها المعركة واستمر هذا الحال قرابة نصف ساعة( ربع ساعة قبل الغروب وربع ساعة بعد الغروب) بعدها هدأ كل شيء , فسالت أهل المنطقة قالوا هذه يحدث في مثل هذا اليوم من كل سنة وتفسير ما حدث بان المسلمين كانوا في ضيق كبير الخ .

الذي يطهر من كاتبنا انه يؤمن بالخرافة هذا إذا كانت القصة صحيحة ولنا على هذه القصة بعض التعليق:

أولا هناك معارك عظيمة في التاريخ الإسلامي أعظم من معركة مؤتة ألا وهي معركة بدر الكبرى وقد ذكرها الله في كتابه حيث قال جل وعلا {... وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الأنفال41 . والفرقان هي معركة بدر وهناك معركة احد التي استشهد فيها أسد الله وأسد رسوله حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم وداعية الإسلام الصحابي مصعب بن عمير. وهناك معركة الخندق وفتح مكة وأيضا معركة القادسية العظيمة التي زلزلت دولة فارس والتي شارك فيها تسعة وتسعون بدرياً وثلاثمائة وبضعة عشر ممن كان له صحبة فيما بين بيعة الرضوان إلى ما فوق ذلك وثلاثمائة ممن شهد الفتح وسبعمائة من أبناء الصحابة . وهناك أيضا معركة اليرموك التي أزاحت مُلك الروم عن بلاد الشام وفتح بيت المقدس الى سلسلة طويلة من معارك المسلمين الخالدة فلم نسمع أن حدث مثل هذه الحالة التي ذكرها الكاتب في ارض تلك المعارك, أم أن هناك غايات من ذكر مثل هذه القصص الخرافية ألا وهو الغلو في آل البيت رضي الله عنهم وأرضاهم .

ثم ان كانت تلك القصة صحيحة فلعلها من فعل الشياطين التي تريد إغواء بني ادم ويعزز هذا ان وقت ظهور هذه الحالة هو قبل الغروب بقليل وهو وقت انتشار وخروج الشياطين ولذا قال صلى  الله عليه وسلم :عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا(رواه البخاري ).

فليس غريب ان تتصور الجن وتتشكل بأشكال مختلفة قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وَالْجِنُّ يَتَصَوَّرُونَ فِي صُوَرِ الْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ فَيَتَصَوَّرُونَ فِي صُوَرِ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَغَيْرِهَا وَفِي صُوَرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَفِي صُوَرِ الطَّيْرِ وَفِي صُوَرِ بَنِي آدَمَ كَمَا أَتَى الشَّيْطَانُ قُرَيْشًا فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَمَّا أَرَادُوا الْخُرُوجَ إلَى بَدْرٍ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ } إلَى قَوْلِهِ : { وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } .ولا ننسى قصة أبي هريرة مع الشيطان إذ جاءه بصورة رجل كبير فقير.

وأخشى أن يكون هذا استدراج من الشيطان لذا انصح الكاتب أن يكون ممن قال الله فيهم : { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر }( النور:21).

وهناك مسألة أخرى المعركة التي ذكرها الكاتب هي معركة مؤتة من هو بطل تلك المعركة انه سيف الله خالد فبفضل الله أولا ثم بحنكة هذا القائد وخبرته العسكرية ثانيا تم انتصار ثلاثة آلاف من المسلمين على مائتي ألف من الروم بعد استشهاد القادة الثلاثة . في تلك المعركة وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا بسيف الله حيث قال :  عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ حَتَّى أَخَذَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ (رواه البخاري ).

وعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ : لَقَدْ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ (رواه البخاري).

فان كان ما رايته كرامة (هذا من باب التنزل ونحن لا نؤمن بالخرافات ) فهي تعد كرامة لخالد صانع النصر في تلك المعركة بعد الله سبحانه وتعالى . ولا ادري أترضى بتلك المعادلة ؟

 

 

قال الكاتب : كانت تتواجد في المنطقة التي بها قبر معاوية ساحة صغيرة تحيطها مجموعة من البيوت المتهالكة وتتواجد هناك كثير من معامل الأحذية والملابس للنجارة وغيرها من الحرف وكان على الجانب الأيسر من هذه الساحة تلة من التراب مرتفعة بحدود المتر عن سطح الأرض وكان يعلو هذه التلة مخلفات جلود معامل الأحذية وعلب فارغة والكثير من القمامة تألمت لأن هذا كان مصير قبره أو مرقده تلة من التراب تعلوها قمامة في الحقيقة تألمت كثيرا وبدأت أفكر هل الذي درسته عن هذا الرجل وعن غيره من خلفاء بني أمية خطأ وبدأت أفكر لماذا لا احد يعرف قبور خلفاء بني أمية:

الرد : يحاول الكاتب من خلال تلك القصة الغمز بالصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه وسوف يتم بأذن الله الدفاع عن الصحابي معاوية في الرد على كلمة ثانية لهذا الكاتب . وأما الآن فلنا وقفات مع هذه الرواية التي ذكرها الكاتب فنقول :

أولا : ليس هنالك تلازم في ديننا بين تعظيم الأنبياء والصالحين ومن كل الأمم وبين وجود قبورهم فكم من عظيم قبره مجهول وكم من طاغية قبره معظم ومعروف : ولنسأل أين قبر نوح عليه السلام وأين قبر موسى ويعقوب ويوسف وأين قبر الحكيم لقمان وذو القرنين وغيرهم من السابقين واللاحقين من صالحي الأمم . لكن ذكرهم مخلد فالعبرة ليس بوجود القبور لذلك ربنا سبحانه وتعالى علمنا ان نتبع الأنبياء والصحابة والصالحين  أي إتباعهم بتوحيدهم وأخلاقهم وأعمالهم العظيمة وذلك هو التعظيم الحقيقي  لهم فقال تعالى عن الأنبياء {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ *  أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ } (الأنعام 89, 90 ) فهذه وصية لنبينا عليه الصلاة والسلام بالاقتداء بالأنبياء لان ذكرهم موجود إما قبورهم فهي مجهولة وقال تعالى أيضا في حق الصحابة {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }(التوبة100).

اذا وصانا الله تبارك وتعالى في إتباع الصحابه كذلك رغم ان كثير من قبورهم مجهولة وهذا من اكبر التعظيم لهم . وفي المقابل هؤلاء الفراعنة وتلك قبورهم التي هي الاهرامات والتي تزار يوميا وأصبحت من أعظم المرافق السياحية في العالم أين هم الآن قال تعالى {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ }غافر46.

ثانيا: من قال ان هذا القبر لمعاوية رضي الله عنه فعلميا هل تثبت الوقائع والأحداث والمعالم التاريخية  بأقوال عوام الناس هل هذا منهج علمي وهذا يثبت قلة معرفتك بالمناهج العلمية للتوثيق التاريخي وثانيا تعطي إشارة إلى وجود ضغينة في قلبك على هذا الصحابي الجليل وغيره من الصحابة.

فنحن نرى ان لكثير من الصالحين وعظماء التاريخ عدة قبور في عدد من البلدان بل في البلد الواحد عدة قبور لنبي واحد أو رجل صالح واحد وهذا يعني ان الكثير من هذه القبور لا تعتمد تاريخيا إذ هي من صنع البشر .

ثالثا : بما أنك من محبي آل البيت كما تدعي فسوف آتي لك بروايات من آل البيت تنهى عن تعظيم القبور وبناءها ومن كتب الشيعة أنفسهم وقبل ان اسرد تلك الروايات  فلنناقش الأمر منطقيا لا عاطفيا وإعلاميا كما تفعل : هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد حكم لمدة تقارب الأربع سنين وكانت المدينة المنورة تحت سلطانه فلماذا لم يجعل مرقدا لفاطمة بضعة المصطفى رضى الله عنها وأم الأئمة المعصومين عند الشيعة ولم يجعله مشعا بالأنوار كما تذكر . ماذا يمنعه إذا كان هذا الأمر مشروعا لماذا لم يبني مرقدا لحمزة رضي الله عنه عمه وعم النبي صلى الله عليه وسلم بل ولم يفعل أي واحد من الأئمة المعصومين عند الشيعة هذا الأمر لم تبنى المراقد إلا في عهد البويهيين والصفويين الشيعة . لم يفعل ذلك علي رضي الله عنه لأنه اتبع قول الرسول صلى الله عليه وسلم ووصيته له :

وهذه النصوص تثبت تحريم البناء على القبور ومن أمهات كتب الشيعة حصرا حتى لا تقول ان هذه الكتب وهابية أو أموية :

فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدم القبور وكسر الصور". [ وسائل الشيعة: 2/870].

عن سماعة بن مهران أنه سأل أبا عبد الله عن زيارة القبور وبناء المساجد فيها فقال: أمّا زيارة القبور فلا بأس بها ، ولا يُبني عندها مساجد." [ فروع الكافي: 3/228، من لا يحضره الفقيه: 821، وسائل الشيعة:2/887].

أي الزيارة الشرعية التي تذكر الآخرة .

قال الصادق عليه السلام : " كلما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت" [من لا يحضره الفقيه: 1/135، وسائل الشيعة: 2/864]. فرفع القبر أو البناء عليه وسيلة إلى التثقيل على الميت، وهذا التثقيل منهي عنه فإنه نوع من الإيذاء.

عن أبي عبد الله عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهي أن يُزاد على القبر تراب لم يخرج منه. [ فروع الكافي: 3/203، وسائل الشيعة:2/ 864].

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : " من جدد قبراً، أو مثل مثالاً فقد خرج من الإسلام" . [ من لا يحضره الفقيه: 1/135، وسائل الشيعة : 2/868].

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : " بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة فقال : لا تدع صورة إلاً محوتها ، ولا قبراً إلا سويته ، ولا ***اً إلا قتلته" . [ وسائل الشيعة: 2/869، 3/ 62 وغيره].

عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سمعه يقول: " لما قُبض أمير المؤمنين عليه السلام أخرجه الحسن والحسين ورجلان آخران حتى إذا خرجوا من الكوفة تركوها عن إيمانهم ثم أخذوا الجُبّانة حتى مروا به إلى الغرى فدفنوه وسووا قبره فانصرفوا" [ أصول الكافي: 1/458].

قال شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي: " ولا يجوز الدفن في شيىء من المساجد" [ النهاية ص:111].

وقال أيضاً: " ويكره تجصيص القبور والتظليل عليها والمقام عندها وتجديدها بعد إندراسها ، ولا بأس بتطييبها ابتداء".[ النهاية ص44].

أي وضع مظلة فوق القبر من بناء وغيره.

عن أبي عبد الله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يُصلى على قبره أو يُقعد عليه أو يُبنى عليه. [وسائل الشيعة: 3/454].

عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام : " يا علي ، ادفنيِّ في هذا المكان وارفع قبري من الأرض أربع أصابع ورشّ عليه الماء" [أصول الكافي : 1/450-451،وسائل الشيعة:2/856].

هذه بعض النصوص التي تدل على عدم البناء على القبور وعدم تجصيصها وتعظيمها ولكن القوم لم يعملوا بها لماذا ؟ لأنها مصائد لجيوب الرجال وأعراضهم باسم المتعة وكذلك تعتبر المراقد مراكز استخباراتية متقدمة للتجسس على من يعارض الفكر الصفوي .

ثم لو وزنا مسألة القبور في ميزان الكاتب ان أعظم قبر هو قبر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي حوى جثمان اشرف مخلوق على ظهر البسيطة القبر الذي يزوره كل قادم للمدينة النبوية من بجانب هذا القبر الشريف انه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعمر الفاروق فكل من يسلم على رسولنا صلى الله عليهم يسلم عليهما رضي الله عنهما فكفى بذلك رفعة ان يكونا بجوار خير البرية . لقد قسنا الأمور بمقياسك أهذا يعجبك أيها الكاتب .

ثم قال الكاتب : وصلت العراق وكان أول عمل أنني حجزت فندق في منطقة حافظ القاضي وسط بغداد وكنت بشوق كبير لزيارة الكوفة والنجف وكربلاء والبصرة التي وفي اليوم التالي ذهبت إلى مدينة كربلاء حيث زرت مرقدا الأمام الحسين وأخيه العباس عليهما السلام وازدادت دهشتي أكثر لما رأيت .وبدأت أقارن بين قبر معاوية التي تعلوه القمامة ومنارات ومراقد أل البيت التي تشع نوراً وتأكدت من أن الله يرفع مكانة الأولياء والصالحين ويجعل درجات الفاسدين في أسفل السافلين بحيث أما أن يكونوا في مزبلة التأريخ أو أن الزبالة تغطي قبورهم كما شاهدته في الواقع على  قبر معاوية.

يتبين من الكاتب ان عنده لوثة قديمة في التعظيم غير الشرعي للقبور أي الغلو في القبور تلك الفكرة التي لا تنتمي إلى الشريعة الاسلامية وكما أثبتنا سابقا تضاف إلى هذه اللوثة لوثة التأثر بالمذهب الشيعي الباطني ان أحسنا به الظن .

أما بالنسبة لمنارات آل البيت حسب زعمه فهذا يثبت ان الكاتب فاقد للمقياس الشرعي والعقلي! أببعض المصابيح المعلقة هنا وهناك تستدل على الحق عجيب !! ان معابد السيخ والهندوس بل وبعض الخمارات وأماكن الدعارة وقصور الطغاة فيها من الإنارة أكثر من هذه المراقد في المقابل نرى ان كثير من الصحابة ومنهم فاطمة رضي الله عنها وكثير من أمهات المؤمنين وعدد من أئمة الشيعة مثل جعفر الصادق ومحمد الباقر وزين العبدين والحسن بن على رضي الله عنهم أجمعين قد دفنوا في البقيع وفي قبور على السنة النبوية لا فيها إنارة ولا غير ذلك مما يحتاجه الأحياء أكثر من الأموات فما تقول بهذا؟!!

اهكذا تقاس الأمور أيها الكاتب ان يقاس المرء بعمله الصالح فهذه أعظم منقبة وكما قال تعالى : {...  يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }(المجادلة11).

ولنأتي إلى مسألة مهمة جدا تنعت معاوية رضي الله عنه بالفاسد وفي أسفل سافلين جزاك الله بما تستحق كيف علمت ان معاوية في أسفل السافلين اطلعت على الغيب أم اتخذت عند الله عهدا كيف تتألى على الله .

ان الرد على تهمتك الساقطة تلك بسيطة جدا ولا تحتاج إلى تكلف وكبير عناء ويرد عليك الإمام الثاني عند الشيعة ألا وهو الحسن بن علي السيد كما نعته رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَخْرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْحَسَنَ فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (رواه البخاري ).

لقد بايع السيد الحسن وكذلك الحسين رضي الله عنهما  معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وسلماه دين ورقاب المسلمين وأعراضهم وأموالهم فكيف يتم تسليم كل هذا إلى فاسد أعاذه الله , ان هذا طعن في الحسن والحسين رضي الله عنهما , وان قلت كما يقول الشيعة ويبررون انه لمصلحة المسلمين , فليس من مصلحة المسلمين تسليم رقابهم إلى فاسد وهذا علما ان الحسن كان يملك جيشا عرمرما ورثه عن أبيه علي رضي الله عنه وإماما مبايعا لكنه آثر الصلح مع معاوية رضي الله عنه حفظا لدماء المسلمين ولأنه يرى معاوية إماما أمينا .

وقال الحسن بن علي رضي الله عنه واصفاً شيعته الأفذاذ!( أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي، والله لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وأومن به في أهلي، خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي)
الاحتجاج للطبرسي جـ2 ص (290)

أما ما حدث بين معاوية وعلي رضي الله عنهم فهي فتنة ولكل اجتهاده فمعاوية يرى ان يأخذ بالثأر من قتلة عثمان وعلي يرى تأجيل الأمر وهذا الأمر فيه تفاصيل كثيرة ليس هذا موضعها .

لقد اسلم معاوية رضي الله عنه عام الفتح : قال تعالى: {... لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }(الحديد10)والحسنى هي الجنة أي ان الجنة لمن اسلم من قبل الفتح أو بعده .

واليكم بعض الأحاديث والأقوال في فضل معاوية :

عبد الله بن عمر كان من أبعد الناس عن ثلب الصحابة وأروى الناس لمناقبهم وقوله في مدح معاوية معروف ثابت عنه حيث يقول ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية قيل له ولا أبو بكر وعمر فقال كان أبو بكر وعمر خيرا منه وما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية قال أحمد بن حنبل  السيد الحليم يعني معاوية  وكان معاوية كريما حليما.

كان معاوية يكتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم: قال أبو نعيم: كان معاوية من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن الكتابة فصيحا حليما وقورا وقال المدايني كان زيد بن ثابت يكتب الوحي وكان معاوية يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين العرب أي من وحي وغيره فهو أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على وحي ربه وناهيك بهذه المرتبة الرفيعة.

 ومن ثم نقل القاضي عياض: أن رجلا قال للمعافى بن عمران أين عمر بن عبد العزيز من معاوية فغضب غضبا شديدا وقال لا يقاس بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله .

وقيل يا أبا عبد الرحمن(أي عبد الله بن المبارك) أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز فقال والله إن الغبار الذي دخل أنف فرس معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده فقال معاوية رضي الله عنه ربنا لك الحمد فما بعد هذا الشرف الأعظم وإذا كان مثل ابن المبارك يقول في معاوية ذلك وإن تراب أنف فرسه فضلا عن ذاته أفضل من عمر بن عبد العزيز ألف مرة فأي شبهة تبقى لمعاند أو مكابر .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل معاوية : "اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب" ( ( الصحيحة  ( 3227 )).

وعن عبد الرحمن بن أبي عميرة وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به (صحيح ، المشكاة ( 623 ).

ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : هَلْ لَكَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ مَا أَوْتَرَ إِلَّا بِوَاحِدَةٍ قَالَ أَصَابَ إِنَّهُ فَقِيهٌ( البخاري).

قال ابن بطة رحمه الله تعالى ونترحم على أبي عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان أخي أم حبيبة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم خال المؤمنين أجمعين وكاتب الوحي وتذكر فضائله وتروى , قال ابن وهب عن مالك عن الزهري قال سألت سعيد بن المسيب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اسمع يا زهري من مات محبا لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وشهد للعشرة بالجنة وترحم على معاوية كان حقا على الله أن لا يناقشه الحساب  .

هذا ما تيسر تتبعه وجمعه في هذا الجزء سنكمل بعون الله تعالى في اجزاء اخرى ما تيسر لنا تتبعه حتى لا ينخدع اي من المسلمين بتلك اللوثات الخطيرة والهدامة .

الى لقاء قادم بعون الله تعالى .

 

عبد العزيز المحمود

كاتب فلسطيني

24/4/2011

 

المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"