سلسلة: حيفا وأسرار سقوطها ج6 " هدنة ومدد بريطاني ودولي..لعصابات الصهاية "- رشيد جبر الأسعد

بواسطة قراءة 5453
سلسلة: حيفا وأسرار سقوطها  ج6 " هدنة ومدد بريطاني ودولي..لعصابات الصهاية "- رشيد جبر الأسعد
سلسلة: حيفا وأسرار سقوطها ج6 " هدنة ومدد بريطاني ودولي..لعصابات الصهاية "- رشيد جبر الأسعد

ج6: هدنة ومدد بريطاني ودولي..لعصابات الصهاية

   ان عصابات الصهاينة المدربة المسلحة و المنظمة حينما أعلنت قيام كيانهم الغاصب في فلسطين عصر يوم الخميس 14/5/1948 ، لم يتم ذلك بالسهولة و لا من الفراغ ولا ببذل جهود بين يوم و ليلة .. او بين ليلة و ضحاها بل بجهود عشرات السنين ..

    بل تم ذلك بموجب تنسيق و تعاون سري و أمني و تواطؤ مريب بين ادارة الانتداب البريطاني و عصابات الصهاينة المسلحة ، و أن المهاجرين الصهاينة في فلسطين منذ وعد بلفورفي2/11/1917 و قبله و بعده لم يعمل الانتداب البريطاني على تهجيرهم لفلسطين و زيادة عددهم فحسب بل كان بمحاذاة ذلك زيادة العدد وكان انخراطهم في الشرطة البريطانية و الجيش البريطاني في فلسطين ، و كانت تفتح لهم ابواب الهجرة ، و ابواب العمل و التدريب و التسلح في المعسكرات البريطانية ، و لم يطمئن الصهاينة لوجود مئات الألوف من الصهاينة يمتازون بالتدريب و التسلح فقط بل الأهم من ذلك التواطؤ البريطاني السيئ الصيت المكشوف و المتمثل بتسليم الأراضي و المواقع و البنايات و الدوائر لمنظمات الصهاينة المسلحة لتزداد قوة و استحكاماً و سيطرة .. و ليست حيفا إلا نموذجاً واحداً .. من هذه المؤامرة وقبل حيفا سقطت صفد وقبل صفد سقطت دير ياسين وبعد حيفا سقطت يافا وعكا وغيرها .

   قال ديفيد بن غوريون و الذي ساهم مساهمة فعالة في قتل و طرد الفلسطينيين من ديارهم و وطنهم ، قال لأعضاء   ( الكنيست ) في جلسة عقدت يوم الثلاثاء الموافق 2  أب 1949م انه لم يكن لدى اليهود في شهر أيار 1948م نوع واحد من أنواع الأسلحة التي أصبحت لديهم في غضون الهدنة و التي رآها الجمهور بعدئذ في يوم الجيش ، و قال – ارثور كوستلر- في كتابه –( وعد و وفاء )  صفحة (242 ) نقلا عن (غرشون اغرو نسكي ) محرر صحيفة ( بالستين بوست ) انه لم يكن لدى اليهود عند بدء القتال إلا اربع مدافع مورتر من عيار بوصتين ، و كان رجال الهاغاناه ينقلون هذه المدافع من مكان الى مكان  ليوهموا العرب ان مدافعهم كثيرة .

  طبعاً هذا الادعاء فيه الكثير من المغالطات و الأكاذيب المعهودة بالصهاينة ، كيف ينقلون هذه المدافع في مختلف أنحاء فلسطين في جبالها و مدنها و قراها الواسعة انه المبالغة بل الكذب بعينه .

  لقد سلّم الانكليز الصهاينة مخازن الاسلحة و مستودعات الذخيرة و معسكرات بالكامل ، و تجريد الفلسطيني من كل سلاح للدفاع عن نفسه ، و غض النظر عن سلاح المنظمات الصهيونية مثل  الأرغون و الهاغاناه و شتيرن .. و غيرها . بالإضافة الى ذلك وجود الآلاف من الاسلحة  الرشاشة و البنادق الحديثة و المعدات و الذخائر و المدافع و الأموال و الآليات .. ثم الطائرات التي وصلتهم بأسلحتها اثناء الهدنة ...!؟

كلام وادعاء بن غوريون فيه السذاجه والسخرية حين يمارس قادة الصهاينة الكذب والتضليل الاعلامي، وهل نسي بن غوريون اعترافات وتصريحات كيمشي ومناحيم بيغن   , واسحاق شامير واسرائيل جاليلي وجيل وارثور  كوستلر وموشي دايان وغيرهم من القادة والمسؤولين الصهاينة واعترافاتهم العديدة بتهريبهم السلاح الى فلسطين خلال عام 1948م وما قبله فضلاً عن وثائق المخابرات البريطانية وأدارة الانتداب التي كانت تتهاون وتتساهل مع المنظمات الصهيونية الارهابية المسلحة ، وتصريحات مندوبو الامم المتحدة كذلك اطلاع قادة الكفاح الفلسطيني والمجاهدون اطلاعهم على هذه الحالة والمؤامره المأساوية .

ان انسحاب الادارة البريطانية السري والمفاجئ من مدينة حيفا ولا يوجد احد لديه علم سوى قادة المنظمات الصهيونية الارهابية المسلحة مثل منظمات الهاغانا واشتيرن والارغون وغيرها من تنظيمات الصهاينة ، ويعلم بهذا الانسحاب والاخلاء المفاجئ دافيد بن غوريون واسحاق شامير ومناحيم بيغن وحاييم وايزمن وكل قادة تلك العصابات الذين سارعوا بقواتهم المسلحة الغير نظامية والغير رسمية والغير قانونية سارعوا للسيطرة على المواقع الهامة والحساسة استلموها يداً بيد من ضباط الانكليز .

يتساءل المؤرخ اكرم زعيتر عن كيفية انسحاب الانكليز من حيفا :

( ان السلطة البريطانية اعلنت ا ن اي تدخل عسكري قبل 15 ايار 1948م وهو الموعد المحدد الذي حددته لجلاء اخر جندي بريطاني من فلسطين يعتبر عدواناً عليها تقابله بالقوة . كانت تجلو بشكل يؤدي الى رسوخ اقدام اليهود في المدن الكبرى ، اذ كانت تجلو اولاً من الاحياء العربية في تلك المدن لتمكن اليهود من احتلالها وتمنع في الحين ذاته دخول امدادات عربية اليها ) (1)

نستنتج من كلام المؤرخ المعروف الذي عاصر الاحداث اكرم زعيتر في هذه الفقرة الامور التالية :

1.     ان ادارة الانتداب توحي بأن الانسحاب لن يكون قبل 15/5/1948 وهذا من قبل الخديعة

2.     وان اي تحرك قتالي مقاوم ( المقصود بالجانب العربي الفلسطيني ) سيعتبر عدواناً على الانكليز سيقابل بالقوة اي بالقمع

3.     ادارة الانتداب لم تجلي او تنسحب عن اي موقع او ارض او بناية الا وتتيح المجال لعصابات الصهاينة في الاستيلاء عليها والتحصن بها والرسوخ في هذا المكان بالتنسيق المباشر

4.     اصرار الانكليز على ضياع واغتصاب حيفا وضياع واغتصاب فلسطين لانها عملت على منع اي مدد او نصرة للحق العربي في فلسطين

5.     الادعاء بالانسحاب 15/5/1984م هو لذر الرماد في العيون والتمويه .

واضاف زعيتر ( وحدث في حيفا ان اكد القائد البريطاني الى اللجنة القومية العربية في حيفا بأن الجيش سيحافظ على الامن والنظام في منطقة حيفا بأجمعها حتى تاريخ شهر اب ( غسطس) 1948م ومنع اي قوة عربية دخول حيفا او الاحياء الاخرى خشية اصطدامها بالجيش ولكن حدث ان جلا الجيش البريطاني بعدما قام بعملية تجريد من السلاح في الاحياء العربية حتى مكن اليهود وعصاباتهم المنظمة المسلحة من رقاب العرب ، وهكذا كان الامر ، فلم يحن يوم 15 من ايار حتى كانت المنطقة المخصصة لليهود في ( مؤامرة التقسيم ) وقسم كبير من المخصص العرب كيافا وغيرها تحت سيطرة اليهود . ) وقد تطرق زعيتر الى مصير سكان حيفا بين النزوح والنار والموت والدمار والتأمر والتهجير قال :( وأدت الفضائع اليهودية واسلوب اخلاء القوات البريطانية للبلاد من دون ان يتمكن العرب من حمايتها الى نزوح سيول من العرب عنها وتدفقهم  على لبنان وسوريا ومصر وشرق الاردن مخلفة ورائها  كل ما تملك من مال منقول وغير منقول ، على انها مليئة بأمل العودة السريعة حين دخول الجيوش العربية فلسطين في 15 ايار ، وكشف اكرم زعيتر عن امدادات الاسلحة التي وصلت لعصابات الصهاينة ، قبل وخلال 1948م ، قبل 15 ايار وبعده واثناء الهدنة .. سلاح كثيف وصل لعصاباتهم وقد استطاعوا – اي عصابات الصهاينة – ان يجلبوا كميات كبيرة من السلاح ، وساعدهم على ذلك وجود شبكة دقيقة من المنظمات اليهودية في مختلف انحاء العالم ، تسهل لهم اعمالهم في تهريب الاسلحة وتجنيد المحاربين وتدريبهم وارسالهم الى فلسطين ، وتدفقت عليهم في فترة الهدنة من البحر ومن الجو ، الاسلحة من تشيكو سلوفاكيا ودول اوربا الشرقية وايطالية وروسيا وفرنسا ورومانية وانكلترا وامريكيا كميات عظيمة من الطائرات والقلاع الطائرة والمدافع المنوعة والعتاد والضباط والجنود المدربين وكان هذا يجري على حين كانت انكلترا وامريكيا تكافحان وتطاردان كل مسعى عربي في اوربا واسيا من اجل التزود بالسلاح وتحبطانة بمختلف الوسائل الدبلوماسية والتهديدية .. ) (1)اذا هذا هو التأمر والغدر والظلم والعار على( مدنية بريطانية ) ...

 وبهذا الصدد كشف الشيخ محمد نمر الخطيب عن مخابئ اسلحة سريه في حيفا. اذ قال :

واني على يقين ان اليهود قد اعدوا لهذا اليوم عدتة وعملوا حسابة ليس من سنة ولا من عشرة وانما من قبل سنة 1918م ومن تلك الايام كانوا ينظرون هذه النظره البعيدة والعميقة معاً ... والى هذا اليوم الاسود لقد بنوا هناك على ظهر حيفا عمارة كبيرة هائلة تدعي ( بهدار كرمل ) قبل الاحتلال البريطاني لفلسطين  اما بعد الاحتلال فلا تسل عن تلك القلاع الحربية التي كانت تشاد وعلى سمع الحكومة وبصرها .. هي قلاع في بنائها واحكامها ... ومساكن في ظاهرها وقد اكتشفت الحكومة البريطانية سراديب تحت الارض بل مدناً بكاملها تحت الارض تجري فيها القاطرات وكلها مملؤة بالاسلحة والعتاد والمدافع الثقيلة ولكن لم يكن من حكومة الانتداب البريطاني الا التستر وغض النظر ) (2)

  قال البريطاني ( البريجادير كلايتون )  المندوب البريطاني الى محسن البرازي وزير خارجية سوريا عندما التقيا في فندق شبرد بالقاهرة ، في 29 حزيران 1948م قال : " ان ثلاث طائرات غادرت أمريكا تحمل السلاح الى يهود فلسطين ، وقد وقعت إحداها في البحر[1] . (3)  

ان بن غوريون تناسى وصول مئات المدافع من الباخرة الناتيلا وغيرها .

ومع ذلك اهل حيفا لم يستسلموا وقاومت حيفا اشرف ما تكون المقاومة وبذل المستحيل ومعها قرى اجزم جبع عين غزال الطيرة ولكن المؤامرة كانت بحجم يفوق طاقة الامة وقدرتها

وودع الشيخ محمد نمر الخطيب حيفا بفاجعتها ...

يا الله ما اقسى هذه الايام ...!!           

ويا الله ما اقسى هذه الحوادث والاخبار ..!!

لقد قدر لنا ان نعيش ونسمع كيف سقطت درة الدنيا ... وعروسة العالم ... وثغر فلسطين وداحرة الغزاة ... وقاهرة الطغاة ... وامل الشرق ... حيفا الحبيبة الجميلة ...

ولكن لنا لقاء مع الباغي نسترد حقنا باذن الله ....

                       

 

رشيد جبر الأسعد

كاتب فلسطيني

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"



1 اكرم ازعيتر: القضية الفلسطينية: صفحة 222.

2 الشيخ محمد نمر الخطيب : من اثر النكبة : صفحة 134

3[1] - صحيفة  ( الحياة ) اللبنانية ، بيروت ، العدد (2074 ) بتاريخ 10 شباط 1953م . راجع ايضاً تفاصيل اكثر : عارف العارف : النكبة ، ج 5 و غيرها من الأجزاء ..، وراجع اكرم زعيتر : القضية الفلسطينية صفحة (222)