حكم تخصيص بداية العام الهجري أو نهايته بعبادة – الشيخ حسام بن عبدالله بن أحمد الحسين

بواسطة قراءة 5448
حكم تخصيص بداية العام الهجري أو نهايته بعبادة – الشيخ حسام بن عبدالله بن أحمد الحسين
حكم تخصيص بداية العام الهجري أو نهايته بعبادة – الشيخ حسام بن عبدالله بن أحمد الحسين

وثبت عن ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ أنه قال: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم) أخرجه أبو خيثمة في "العلم (54)"، ووكيع في "الزهد (315)" وغيرهما .

وقال ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ: (كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة) أخرجه اللالكائي(126) بسند صحيح .

وقال حسان بن عطية ــ رحمه الله ـ: (ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله عنهم من سنتهم مثلها ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة) أخرجه الدارمي(99) بسند صحيح .

وقال مالك بن أنس ــ رحمه الله ــ: (من أحدث في هذه الأمة اليوم شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } ، فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً) أخرجه ابن حزم في الإحكام (6/225) . 

وقال ابن تيمية رحمه الله : (أهل البدع شر من أهل المعاصي الشهوانية بالسنة والإجماع). [الفتاوى 20/103] .

من هذه النقول وغيرها تتضح لنا خطورة البدع، لاسيما وأنها تشتمل على شيء من الخير في ظاهرها، لذا يسارع قليلو العلم إليها ويسهل انتشارها بينهم كما قرره الإمام ابن تيمية [الفتاوى 4/51 ، الاستقامة 1/455] . 

وصدق الإمام الحافظ أبو زرعة الرازي رحمه الله حين قال: (ما أسرع الناس إلى البدع!!). [سؤالات البرذعي ص562،تاريخ بغداد 8/215، ميزان الاعتدال 1/431] .

والقاعدة الشرعية: أن كل عمل يتقرب به المسلم إلى ربه ويرجو منه أجراً وثواباً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم مع إمكانهم فعله وعدم وجود مانع من ذلك فهو من جملة المحدثات والبدع

ومن البدع التي انتشرت في هذه الأزمان المتأخرة تَقَصُّدُ بعض الناس وتخصيصُهم بداية كل عام هجري أو نهايته بأداء بعض العبادات كالصيام والدعاء والاستغفار، وربما أوصى بعضهم بعضاً بذلك في المجالس أو عن طريق رسائل الجوال وبرامج التواصل أو غيرها، ودافعهم إلى ذلك اعتقادهم أن صحائف أعمال كل سنة تطوى في آخرها فيحبون أن تكون خاتمة صحائفهم خيراً، كما يدفعهم إلى ذلك في بداية العام استحسانهم افتتاح العام بعبادة، وهذا العمل منهم ــ وإن كان ظاهره الخير ــ هو من جملة الأعمال المحدثة المبتدعة المخالفة للسنة لأسباب منها:

1- أن العبادة إذا ورد الأمر بها مطلقاً دون تحديد لوقتها،فإن تقصد تخصيص وقت لها بلا دليل يعتبر من البدع. أفاده الأئمة ابن تيمية وابن القيم والشاطبي والألباني وابن عثيمين رحمهم الله .

[الفتاوى20/196،إعلام الموقعين 3/157 الاعتصام 1/486،318،أحكام الجنائز صـ242،الشرح الممتع 4/56-57 ،البدع والمحدثات ص40] .

وهذا هو الحاصل تماماً في ختم آخر السنة بتلك العبادات، فما دليل مشروعية تخصيصها في هذا الوقت؟ .

2- أن هذا الفعل لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولاعن أصحابه والتابعين وأئمة الإسلام فهل نحن أحرص منهم على الخير؟!! .

ومعلوم أن (العبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع) [الفتاوى 22/510] .

وما من أحد يخصص زماناً أو مكاناً يفعل فيه عبادة من العبادات إلا لاعتقاد في قلبه، ثم هذا الاعتقاد قد يكون لدليل ثابت في الشرع، وقد يكون من الأمور المبتدعة كما أفاده ابن تيمية [الاقتضاء 2/603، 610]، ومسألتنا من النوع الثاني بلا ريب .

3- القول بأن صحائف العام تطوى في آخره، دعوى تحتاج إلى بينة وبرهان إذ هو أمر غيبي يحتاج إلى دليل وأنّى لمدعيه ذلك؟؟ .

4- لو ثبت أن الصحائف تطوى آخر السنة فهذا لا يجيز بحال تقصد ختمها بعمل صالح؛ إذ لو كان خيراً لسبقنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ــ رضي الله عنهم ــ، فكيف وهو لم يثبت ولم يصح .

5- المقرر عند أهل العلم أن صحائف الأعمال إنما تطوى بالموت، وبين ذلك جمع من المفسرين عند تفسير قوله تعالى: {وإذا الصحف نشرت} [سورة التكوير الآية رقم10] .

[تفسير الطبري 30/73،القرطبي19/234،ابن كثير4/505،الشوكاني5/389] وانظر: [مدارج السالكين للإمام ابن القيم 1/450، 3/121] .

6- من المعلوم أن التاريخ الهجري لم يوضع إلا في عهد عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ـ واتفق مع الصحابة على أن يكون أوله شهر محرم وآخره شهر ذي الحجة... فيا ترى متى كانت تطوى صحائف الأعمال قبل وضع التاريخ الهجري!!؟؟ .

7-أن التقدير السنوي الذي يفصل ويميز من اللوح المحفوظ إلى الكَتَبة وفيه جميع ما يكون في السنة من الآجال والأرزاق وغيرها إنما يكون في ليلة القدر كما جاء ذلك عن غير واحد من السلف، وذكره المفسرون عند تفسير قوله تعالى:{فيها يفرق كل أمر حكيم}، وانظر:[شفاء العليل للإمام ابن القيم 1/109] .

وبهذا يتبين لنا أن تقَصُّد المسلم ختم العام الهجري أو افتتاحه بعبادة من صيام أو دعاء أو استغفار أو غير ذلك هو من الأمور المنكرة والبدع المحدثة في دين الله تعالى .

وبذلك أفتى جمع من أهل العلم المعاصرين ومنهم:

(1) فضيلة العلامة الفقيه الشيخ: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في بعض دروسه العلمية.

(2) فضيلة الشيخ العلامة: صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تعالى ونشرت فتواه في جريدة الجزيرة العدد [11122] بتاريخ 9/1/1424هـ .

(3) فضيلة الشيخ العلامة: صالح بن محمد اللحيدان حفظه الله تعالى في برنامج [نور على الدرب] .

(4) فضيلة الشيخ المحقق: بكر بن عبد الله أبوزيد رحمه الله تعالى كما في كتابه [تصحيح الدعاء ص 107-108] .

(5) سماحة المفتي الشيخ: عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ حفظه الله تعالى في برنامج [نور على الدرب] .

(6) فضيلة الشيخ المحدث: عبد المحسن بن حمد العباد حفظه الله تعالى .

(7) فضيلة الشيخ الفقيه: محمد بن حسن آل الشيخ حفظه الله تعالى .

فائدة (1):

ختم الأعمال الصالحة كالصلاة والصيام والحج بالاستغفار مشروع؛ قاله ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وغيرهم، لورود ذلك في نصوص الكتاب والسنة. [التدمرية ص228، إعلام الموقعين 3/125، مدارج السالكين 3/435-436، لطائف المعارف ص383 ] .

فائدة (2):

سئل الشيخ العلامة: صالح الفوزان [عن تخصيص خطب الجمعة في نهاية العام الهجري للتحدث عن العام المنصرم وما حصل فيه من خير أو شر... إلخ] فأجاب بقوله: ( لا نعرف لهذا أصلاً...)ا.هـ [الإجابات المهمة ص 229-230] .

فائدة (3):

لم أقف على كلام للسلف في التهنئة بالعام الهجري، وأهل العلم المعاصرون في هذه المسألة على قولين، في الابتداء والرد، فمن ظهر له القول بالجواز أو المنع، ابتداء أو رداً، وهو من أهل الاجتهاد والنظر، أو استفتى من يثق بعلمه، فلا ينبغي التشديد في الإنكار عليه، لكونها من المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف، ويحسن حينئذ البحث والمدارسة، للوصول لما هو أرجح وأقرب للحق، والله أعلم بالصواب .

فائدة (4):

الاجتماع والاحتفال في بداية العام منكر ومحرم، لأنه حينئذٍ من جملة الأعياد، وليس للمسلمين إلا عيدان، وقد أفاد بعض الباحثين أن الاحتفال برأس السنة الهجرية بدأ في سنة (1226هـ) في مصر، تقليداً للنصارى!! .

ينظر: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر(1/229) .

** وختاماً: قال الإمام البربهاري: (واحذر صغار المحدثات من الأمور فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيراً، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها ثم لم يستطع الخروج منها فعظمت وصارت ديناً يدان به فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام). [شرح السنة ص61] .

** وقال الإمام ابن تيمية: (فالبدع تكون في أولها شبراً ثم تكثر في الأتباع حتى تصير أذرعاً وأميالاً وفراسخ) [الفتاوى 8/425] .

وقال: (إنما يظهر من البدع أولاً ما كان أخف, وكلما ضعف من يقوم بنور النبوة قَوِيَت البدعة) (التدمرية ص194) ،، (الفتاوى 28/489) .

** وقال الإمام ابن القيم: (البدع تستدرج بصغيرها إلى كبيرها حتى ينسلخ صاحبها من الدين كما تنسل الشعرة من العجين، فمفاسد البدع لا يقف عليها إلا أرباب البصائر، والعميان ضالون في ظلمة العمى {ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور}). [مدارج السالكين 1/224] .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،

وكتب/ حسام بن عبدالله بن أحمد الحسين

الجمعة 27/12/1426هـ

وأضفت له إضافات يسيرة يوم الاثنين

20/12/1433هـ

 

المصدر : موقع الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها

3/4/2013