الخليج الإماراتية : اللاجئون الفلسطينيون والعودة - عبد الله السويجي

بواسطة قراءة 5205
الخليج الإماراتية : اللاجئون الفلسطينيون والعودة - عبد الله السويجي
الخليج الإماراتية : اللاجئون الفلسطينيون والعودة - عبد الله السويجي

تحل في النصف الأول من شهر سبتمبر/ أيلول المقبل ذكرى مذبحة صبرا وشاتيلا، التي نفذتها ميليشيات لبنانية بمساندة الجيش “الإسرائيلي” في مخيمي صبرا وشاتيلا، بعد إجبار المقاتلين الفلسطينيين على الرحيل من لبنان في العام ،1982 وكانت نتيجة المذبحة مئات الضحايا من الرجال والنساء والأطفال، معظمهم من المدنيين. 

تلك كانت مذبحة أخرى ضمن سلسلة المذابح التي تعرض لها الفلسطينيون منذ النكبة التي أحلت بهم في العام 1948 وخلفت وراءها ملايين اللاجئين المنتشرين في دول المواجهة مع العدو الصهيوني، وفي بلدان العالم أجمع. اللاجئون الفلسطينيون شكلوا أزمة للدول التي لجؤوا إليها، والتي لم تستطع حلها رغم مرور ستين عاماً، بل إن الأزمة تتفاقم، في ظل التجاهل الدولي لقضية اللاجئين وحقهم في العودة إلى أراضيهم، وفي ظل الاقتتال الفلسطيني  الفلسطيني، والارتباك العربي في إدارة الأزمة مع العدو الصهيوني، ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية. 

اللاجئون الفلسطينيون لم يعاملوا كحالة إنسانية، ولم يعاملوا أيضاً كحالة وطنية. تخوفت الدول من وجودهم، فعزلتهم في مخيمات تشكلت وكبرت إلى جانب مدن كبرى وصغرى في لبنان وسوريا والأردن، وحين قويت عزيمتهم بإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وظهور تنظيمات عديدة لمقاتلة الكيان الصهيوني، حدثت مشكلات مع سلطات عربية عدة، وفي دول لا يسمح لهم بالعمل، وفي دول أخرى لا يسمح لهم بالتنفس. 

العجز العربي تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين يتضخم يوماً بعد يوم، خاصة مع خيار السلام الذي أقرته قمة بيروت، إذ بات على اللاجئ انتظار ما ستقدم له المفاوضات، التي لن تقدم له شيئاً، ومرور 15 سنة على توقيع “أوسلو” من دون تقدم أكبر دليل على ذلك.

بل إن الجميع يعلم أن الكيان الصهيوني يرفض الاعتراف بحق عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم، والمساومة الحالية نشطة بشأن التنازل عن هذا الحق والخروج بحلول غامضة. 

الفلسطينيون يدفعون ثمن تمسكهم بأرضهم ومحاولة استرداد وطنهم، ولهذا يتشبثون بالبقاء في الوطن العربي، رغم وجود مئات الآلاف منهم في الدول الأجنبية.

ولكنهم وهم يحاولون البقاء في الوطن العربي، فإنهم يتعرضون في بعض عواصمه للقتل والتشريد من جديد، كما حدث مع الجالية الفلسطينية في العراق، وتجمعوا بين العراق وسوريا، وبين العراق والأردن وعاشوا في مخيمات أيضاً. 

ما استجد في الأسبوع الماضي هو أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أعلنت أن 200 لاجئ فلسطيني، ممن كانوا يقيمون في العراق حصلوا على حق اللجوء الإنساني إلى أيسلندا والسويد بعد 14 شهراً من المكوث القصري في مخيم الوليد للاجئين الفلسطينيين المقام في صحراء الأنبار العراقية قرب الحدود مع سوريا، وتذكر المعلومات أن 2300 لاجئ فلسطيني يقيمون حالياً داخل مخيمي التنف والوليد، على الحدود العراقية  السورية، علماً أن 12 لاجئاً فقدوا حياتهم داخل المخيمات المذكورة نتيجة غياب الرعاية الصحية. 

جامعة الدول العربية التي ترفض منح اللاجئين الفلسطينيين جوازات سفر في الدول التي يقيمون فيها خوفاً من نسيانهم قضيتهم، تسمح لهؤلاء اللاجئين باللجوء إلى السويد وأيسلندا، وهو أمر يستحق التوقف عنده بدهشة واستغراب، فجامعة الدول العربية تعجز عن استيعاب وتوفير الحياة الكريمة ل 200 عائلة فلسطينية، في الوقت الذي يمكن لثري عربي واحد أن يبني مساكن لهؤلاء ويكفيهم شر السؤال واللجوء والمذلة. وكما نشأ مخيم التنف على الحدود العراقية  السورية، نشأ مخيم السلوم على الحدود الليبية  المصرية، حين قامت ليبيا بطرد الفلسطينيين العاملين على أراضيها، ومنعت دخول القادمين إليها من إجازاتهم، احتجاجاً على اتفاق إعلان المبادئ للتسوية بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، ثم احتجت على اتفاق أوسلو وطردت المزيد من اللاجئين، حيث بلغ عددهم في أكتوبر/ تشرين الأول 1995 حوالي 600 شخص، أقاموا في مخيم السلوم الذي أحيط بأسلاك شائكة. وتعرض اللاجئون الفلسطينيون إلى شتات مؤلم بعد تلك الحركة، حيث قامت السلطات اللبنانية بفرض تأشيرات دخول على حملة الوثائق اللبنانية، وهذا جعلهم هائمين في البر والبحر. الفلسطينيون يتعرضون لحرب تشتيت وتهجير قسرية داخل وخارج وطنهم، إذ يواجه الفلسطينيون من سكان الأحياء الشرقية في مدينة القدس المحتلة خطر هدم منازلهم بشكل يومي من قبل القوات “الإسرائيلية”، وذلك في إطار الحملة التي تشنها الدولة العبرية ضد الوجود العربي في المدينة المقدسة. ومن هذه الإجراءات إصدارها قرارات إخلاء المواطنين لمنازلهم، وقد تم هدم ما يقارب 80 منشأة منذ مطلع العام الجاري آخرها منزل يعود لعائلة أبوعيشة في بلدة بيت حنينا، وطرد عائلة الكرد من منزلهم في حي الشيخ جراح أواخر شهر تموز/ يوليو الماضي. 

السويد وأيسلندا والدنمارك وكندا وأستراليا تستقبل اللاجئين الفلسطينيين، بينما بعض العرب يطردونهم ليبقوا في العراء، متذرعين تارة بالوطنية وتارة بالتوازن الديمغرافي الطائفي وتارة ثالثة بالوضع الأمني، ويستمر اللاجئ مهاجراً في سبيل حفاظه على هويته، يطهر نفسه بالعذاب والشتات، كأنه كتب عليه التيه، وهو بين أبناء جلدته وعمومته وعقيدته. 

هل بات اللاجئ الفلسطيني ملعوناً في أرضه وفي الشتات أيضاً، يحاربونه بحجة محاربة التوطين، ويحاربونه بحجة أنه يعرقل التسوية، ويصبح إرهابياً حين يقوم بعملية ضد الجيش الصهيوني، ويحاربونه لأنه يحمل السلاح حتى لا يتعرض لمذبحة شبيهة بمذبحة صبرا وشاتيلا، ويشعرونه بأنه عبء عليهم، رغم أنهم لا يتحملون مسؤولية تعليمه أو تطبيبه أو عملية نحوهم؟ اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات الشتات أصبحوا عرضة للتيارات المتشددة، وطالما ظلت الرعاية العربية غائبة عنهم، فإنهم سيتحولون مع الزمن إلى “متطرفين”، فإلى متى سيبقى هؤلاء بين مطرقة الفقر والحاجة اليومية والبؤس، ومحاربتهم، ليس لسبب، إلا لأنهم يحرجون الساسة والدول والمنظمات العالمية، بل إنهم يحرجون السلطة الفلسطينية ذاتها، التي باتت حائرة بشأنهم؟

فإلى أين المفر؟                                         

         11/8/2008