الحركة الصهيونية العالمية التي يعود بدايات تاسيسها الى منتصف القرن التاسع عشر، والتي تمكنت من بناء مؤسساتها على طول وعرض الكرة الارضية، كانت قد نجحت بالوصول الى مراكز القرار بالعديد من دول العالم، وعلى سبيل المثال نفوذها وقدرتها بالتأثير على قرارات الادارات الامريكية المتعاقبة بشأن الصراع العربي الصهيوني وضمان انحيازها الكامل للكيان الصهيوني، وبالمقابل كانت الحركة الصهيونية ترفع راية العداء لكل الدول والحركات التي تنحاز بمواقفها الى الحق الفلسطيني وتدين جرائم الكيان الصهيوني، وكانت بمواقفها واضحة بعدائها الى الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية سابقا، والتدخل بالشؤون الداخلية للعديد من دول العالم لاسقاط حكوماتها المعادية للصهيونية وايديولوجيتها القائمة على العنصرية اساسا.
الحركة الصهيونية العالمية، تربطها علاقات حميمة وجيدة مع الامبريالية العالمية والدول الراسمالية الغربية بحكم طبيعتها العنصرية والاستغلالية بعدائها ضد الشعوب، وهي ترى بالراسمالية والامبريالية والدول الغربية مساحة تسمح لها بالحركة، وبحكم وطبيعة التناقضات العالمية والصراع الطبقي، وبحكم الطبيعة الطبقية للحركة الصهيونية فلا يوجد امامها الا خيار الانحياز للنظام الراسمالي والامبريالية باستغلال الشعوب ومعاداة الطبقات الكادحة والفقيرة.
لقد لاقت القضية الفلسطينية على مدار تاريخها، تضامن ومساندة الشعوب الكادحة والطبقات الفقيرة والمقهورة بالمجتمعات، وكانت العديد من الاحزاب والقوى اليسارية والعمالية التي رفعت راية النضال ضد الامبريالية والصهيونية من اجل الحرية والانعتاق، وتحرير الانسان من الاستغلال والاستعمار والعنصرية، قد قادت هذه الحركات كافة المسيرات ومظاهرات التضامن والتاييد للشعب الفلسطيني وحقوقه ونضاله العادل، وقادت كافة حملات الاستنكار والاحتجاج لجرائم الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية العالمية، وكانت قد شهدت الساحة الدولية هذه الصراعات، ولم يكن قرار ادانة الصهيونية بالامم المتحدة واعتبارها شكلا من اشكال العنصرية الا ثمرة لهذا الصراع لصالح الحق الفلسطيني، كذلك مؤتمر دربان المناهض للعنصرية، وغيرها من حلقات المواجهة العالمية بين المعسكرين.
بعد هذه المقدمة البسيطة والموجزة، لا بد من الانتقال الى عنوان هذا المقال، فمنذ فوز حزب العمال البرازيلي واستلام لويس اناسيو لولا دا سيلفا، الذي يشهد التاريخ البرازيلي لهذا المناضل اليساري بمواقفه المبدئية والمناصرة لنضال الشعوب وحقوقها الغير قابلة للتصرف، فكان له ولحزبه ولاتحاد النقابات الذي له الفضل بتاسيسهما، دورا كبيرا بامتداد حركة التضامن البرازيلي واتساعها بالبرازيل، الى جانب كافة القوى اليسارية الاخرى وبمقدمتها الاحزاب الماركسية والشيوعية البرازيلية، فوجدت الحركة الصهيونية بهذا الفوز فرصة لممارسة ضغطها على حكومة عمالية مناصرة للقضية الفلسطينية ولقضايا التحرر العالمية، ولم تتوقف الحركة الصهيونية لحظة واحدة من التحرك باتجاه هذه الحكومة الجديدة، من اجل مكاسب للحركة الصهيونية والكيان الصهيوني، من خلال المؤسسات اليهودية بالبرازيل والممثلة بالكونفدرالية "الاسرائيلية" من خلال الزيارات المتواصلة لقصر الجمهورية والالتقاء مع الرئيس لولا، ومن خلال حلفائها بالبرلمان البرازيلي وقيادات الاحزاب الاخرى، ونفوذ الحركة بالعديد من الاحزاب والمؤسسات الحكومية وانصارهما، فقد نجحت الحركة الصهيونية على مدار السنوات السبعة الماضية من تحويل موقف الرئيس البرازيل المنحاز للحقوق الفلسطينية، وتحييده بعملية الصراع.
تدرك الحركة الصهيونية ان الضغوط التي تمارسها على اي حكومة يسارية سواء يالبرازيل او امريكا اللاتينية، واي مواقف تراجعية بمواقفها اتجاه الصراع العربي الصهيوني، تترك انعكاساتها على مواقف الاحزاب الاخرى، وتخفف من حالة الادانة المستمرة للكيان الصهيوني واجراءاته القمعية والعدوانية بحق شعوب المنطقة العربية وفي المقدمة منها الشعبين الفلسطيني واللبناني، وهذا بالفعل ما حصل عندما وقع رئيس حزب العمال وسكرتير العلاقات الدولية على بيان يصف العدوان الصهيوني على قطاع غزة بجرائم حرب لم تمارسها الا النازية، حيث قامت قيامة مسؤولين بحزب العمال على مستوى الحكومة والكونغرس والبرلمان ضد البيان وموقعيه، ارضاءا للحركة الصهيونية ومؤسساتها، ونجحت بالنهاية الضغوط الصهيونية من محاصرتها وتحييدها وتليين مواقفها اتجاه الصراع والحقوق الفلسطينية.
تمكنت الكونفدرالية "الاسرائيلية" من خلال لقاء جمعها مع الرئيس لولا خلال شهر تموز، من التوقيع على اتفاق "للبدء في تصميم مشروع مشترك للتعاون الدولي لمساعدة الدول النامية، وعلى سبيل المثال اقامة البرامج التدريبية الخاصة بمجال الصحة" ويقول رئيس الكونفدرالية " الاسرائيلية" بتصريح له حول الاتفاق "هدفنا هو التعاون مع السياسة الخارجية البرازيلية لمساعدة الدول الفقيرة التي تواجه مشكلات اجتماعية خطيرة في المنطقة" فرئيس الكونفدرالية لم يحدد هذه الدول الفقيرة بالمنطقة التي يرى انها بحاجة الى مساعدة، فالحركة الصهيونية بدون ادنى شك تتحرك من خلال المؤسسات اليهودية بالبرازيل، من منطلقات انسانية لتصل الى الاهداف التي تعمل من اجلها، وهكذا اتفاق، بكل تاكيد، يساعد الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني من الوصول بكل سهولة الى الاهداف التي ترغب الوصول اليها، كما سيسهل للحركة الصهيونية ان تتحرك تحت اسم الكونفدرالية "الاسرائيلية" بالقارة وخارجها، مستغلة بذلك العلاقات القوية والجيدة التي تقيمها البرازيل بالعديد من دول العالم، والدور الايجابي التي تلعبه البرازيل على مستوى القارة، وما تكنه شعوب القارة وحكوماتها ودولها للحكومة البرازيلية الحالية من احترام وتقدير، فهل ستكون الحكومة البرازيلية الحالية قد شيدت جسرا للحركة الصهيونية لتصل الى دولا اخرا بالقارة واخرى خارجها؟
التحولات السياسية التي تجري بالقارة، ووصول قوى اليسار الى مراكز القرار بالعديد من الدول، كفنزويلا، بوليفيا، الاكوادور وتشيلي اضافة الى البرازيل، تشكل عائقا امام الاطماع الراسمالية والاستعمارية للادارة الامريكية، وهذا ما اثار جدلا كبيرا وخلافا على مستوى القارة عندما وافقت كولومبيا على اقامة قواعد عسكرية امريكية على اراضيها، بعد ان شهدت العلاقات الامريكية ازمات مع فنزويلا وبوليفيا والاكوادور، فما هو المصير الذي ينتظر دول القارة الامريكية الجنوبية؟ وما هو الدور الصهيوني الاسرائيلي الامريكي بالقارة وتوجهاته للمرحلة القادمة؟
تحاول الحركة الصهيونية بطاقاتها الكبيرة ونفوذها الواسع بالبرازيل على كل المستويات، من الاستفادة من كل هذه الطاقات لممارسة ضغوطها الكبيرة على الحكومة العمالية اليسارية، ولتكن هذه الحكومة هي البوابة التي من خلالها ستدخل، لتصل الى الاهداف التي تسعى لتحقيقها، فالحركة الصهيونية اليوم تخوض معركتها بالقارة ضد كل القوى اليسارية سواء كانت بمركز القرار ام خارجه، وختاما يبقى السؤال التالي: هل ستنجح الحركة الصهيونية بتهديد استقرار العديد من الدول بالقارة؟
جادالله صفا ـ البرازيل
30-08-2009
"حقوق النشر محفوظة لموقع "فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكرالمصدر"