الكتابة عن موقف البرازيل من الفلسطينيين الذين شردتهم ما سميت زورا، حرب تحرير العراق، كتابة عن الموقف الانساني والشجاعة السياسية لشعب وحكومة البرازيل.
قانونيا، كان على الدول التي قامت بالعدوان على العراق تحمل تبعات عدوانها، وليس البرازيل، التي لم تكن يوما في تاريخها كله طرفا في العدوان على احد، الا ان البرازيل لبت النداء الانساني، لاننا من وجهة نظرها، بشر ونستحق الحياة، اما شجاعتها السياسية فقد تجلت في تعاملها مع واحد من الملفات المعقدة التي خلفها احتلال العراق وتدمير كيانه السياسي، وتفتيت نسيجه الاجتماعي، وهو ملف فلسطيني العراق ممثلا بمخيم الرويشيد في الصحراء الاردنية.
ان الموقف البرازيلي يستحق اكثر من المديح، ومن الوهم ان يظنني احد اتملق البرازيل، فانا واحد ممن عاشو السنوات الخمس العجاف في المخيم، من موقع المسؤولية الاعتبارية ومعرفة موازين القوى المعلنة والمخفية، الامر الذي يجعل من وصفي للموقف البرازيلي " الشجاعة" وصفا دقيقا وعادلا.
ان مخيم الفلسطينيين بالرويشيد كان:
1- اول مخيم لمشردي حرب (تحرير العراق) وليس ناتجا لسياسات النظام السابق.
2- دلالة مبكرة جدا ( ابرايل2003) على النتائج الكارئية انسانيا للاحتلال الامريكي- الاطلسي للعراق، اعقبته مخيمات اخرى للفلسطينيين على الحدود السورية في الربع الاول من العام 2006.
3- ايذانا بسقوط مشروع (توطين) فلسطيني (الشتات العربي) وخصوصا فلسطيني مخيمات لبنان في العراق كما كان مخططا عشية العدوان، وهذا ما يفسر التضخيمات المتعمدة لعدد الفلسطينين بالعراق من ( 32 الف الى 350 الف! ) والتي كانت تتم عن طريق تصريحات بعض المسؤولين والنشريات والكتب التي تم نشرها انذاك، حتى داخل المخيم.
4- استمرار المخيم لخمس سنوات، شكل احراجا شديدا للدول العربية التي فتحت ابوابها على مصراعيها للعرب الهاربين من العراق وغيرهم، واغلقتها باحكام وقسوة في وجه الفلسطينين ( المطرودين) من العراق، انسجاما مع المشروع الامريكي لتوطينهم بالعراق.
5- تركت الانظمة العربية السلطة الفلسطينية وحيد بسعيها لادخال فلسطيني الرويشيد الى اراضي السلطة داخل فلسطين، بل انها رفضت حتى مجرد ايوائهم، ولو الى حين، في مجتمعاتها، وحرمت بذلك السلطة الفلسطينية من تحقيق ( سابقة) بتطبيق فعلي ( لحق العودة) لقسم من شعبها، في حين كانت بعض العناصر الفلسطينية المحسوبة على السلطة وغيرها تحاول تمرير مصالحها الاقتصادية وتحالفاتها الاقليمية على حساب عذابات ودماء الفلسطينين فيه.
6- كان صراع فلسطيني الرويشيد بمعركتهممن اجل البقاء الانساني والسياسي وهو ( العودة الى فلسطين فقط... او الموت على طريقها، وبالشكل الذي نحدده نحن!) قد افشل كل الضغوط العربية العربية والدولية لارغامهم على الرجوع الى العراق والموت المجاني فيه، وفتح نافذة امل لاهلهم المحاصرين في العراق، بانت بشائره الان، ولنا ان نتصور لو ان ارادة الصمود والقدرة على المطاولة والمناورة قد وهنت لدى فلسطيني رويشيد ودجعوا الى العراق ليصبحوا ليصبحوا على رحى المشروع الامريكي للتوطين وتحت مطرقة مشروعها الفارسي لشطب عروبة العراق، التي يجسدها الفلسطينيون بالعراق منذ العام 1948 .
7- هذا شجع كله شجع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR ) على الاستمرار لتوفير الحماية القانونية الدولية لهم، ورفضت ارغامهم على الرجوع للعراق منسجمة بذلك مع مبادئها المعلنة.
8- اعاد المخيم الى الواجهة الاعلامية والسياسية مصير فلسطيني الشتات العربي ( كلهم) في مرحلة كان الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية ورمزه النضالي القائد الخالد ياسر عرفات يعيشون حصارا شاملا قاسيا ومريرا، ليؤكد ضرورة حل قضية اللاجئين الفلسطينين حلا عادلا على اساس قرارات الامم المتحدة ذات الصلة وبالمقدمة منها القرارا 194. ان ادراك الابعاد السياسية والعملياتية لكل ما ذكر، يجعل من وصفي للموقف البرازيلي ب ( الشجاعة) اقل من استحقاق خصوصا وان البرازيل انقذت ارواحنا بكرامة، وقدمت نموذجا يحتذى في التعامل مع الفلسطينيين القادمين اليها.... اذ انها:
1- لم تضع شرطا لقبول احد سوى احترامه لدستورها وقوانينها، خلافا لما قامت وتقوم به بعض الدول الكبرى والصغرى التي قبلت ( الفارين) من اوطانهم بهدف (اعادة انتاجهم) سياسيا ومخابرتيا وارجاعهم على ظهور دبابتها عند غزوهم لاوطانهم.
2- تعاملت مع الفلسطينيين الجدد بصيغة ( الافراد) رغم قدومهم الجماعي مما جرد عملها من صفة ( الصفقة السياسية ) 3- وهو الاهم سياسيا وقانونيا بامتياز....
ثبتت في الوثائق البرازيلية الممنوعة لهم جنسيتهم الاصلية ( فلسطيني) رغم دخولهم اراضيها بجوازات سفر الصليب الاحمر، وقد كتب فيها امام حقل الجنسية – ( بدون وطن) – وبذلك حولت البرازيل فلسطيني العراق الى فلسطينين قانونيا وهم غير المسجلين اصلا في (الانروا) وانتصرت بذلك ( لحق العودة) عمليا، فيس حين يتشدق العديد بهذا الحق اما عن غباء او غياب الافق الاستراتيجي في احسن الحالات او بهدف التامر احيانا اخرى. لقد كان الموقف البرازيلي اكثر فلسطينية من بعض الفلسطينين، واكثر عروبة من معظم العرب، ولكنه تفوق على الجميع بانسانيته وشجاعته..
فاي دين وضعته البرازيل باعناقنا؟ وكيف لنا نسدده؟
تحية الى البرازيل كلها ... شعبا وحكومة واحزابا ومنظمات مجتمع مدني..
وعلى الجميع والفلسطينين منهم ان يدركوا مغزى هذا الموقف الشجاع ويقضوه.
الدكتور عصام احمد عيسى
عضو لجنة مخيم الرويشيد سابقا
استاذ بجامعة بغداد سابقا
20/08/2008